03-يونيو-2022
مخاوف من تعزيز القرارات الأخيرة لحكم الرجل الواحد في تونس (Getty)

مخاوف من تعزيز القرارات الأخيرة لحكم الرجل الواحد في تونس (Getty)

أثارت القرارات الأخيرة للرئيس التونسي، قيس سعيد، موجة من ردود الفعل المحلية والدولية، وعززت المخاوف من وصول حكم الرجل الواحد في البلاد إلى مرحلة أكثر خطورة من أي وقت مضى. وفي أحدث خطوة تزيد من عمق الأزمة السياسية في البلاد، وتؤكد تفرد قيس سعيّد بالحكم، أصدر الرئيس التونسي قرارًا بعزل 57 قاضيًا اتهمهم في وقت سابق بالفساد والتواطؤ والتستر على متهمين في قضايا إرهاب وفق ما نشرته الجريدة الرسمية التونسية. وضمت القائمة عديد الأسماء ممن عارضوا توجهات سعيّد في الشأن القضائي، من بينهم كبار قضاة البلاد مثل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الذي عمد سعيّد إلى حلّه سابقًا، يوسف بوزاخر، ووكيل الجمهورية السابق البشير العكرمي، إضافة إلى الرئيس السابق لمحكمة التعقيب الطيب راشد.

أثارت القرارات الأخيرة للرئيس التونسي موجة من ردود الفعل وعززت المخاوف من وصول حكم الرجل الواحد في البلاد إلى مرحلة أكثر خطورة

وجاء في المرسوم الذي نشر في الجريدة الرسمية أنه تم "بناء على تقرير معلل من الجهات المخولة إصدار أمر رئاسي يقضي بإعفاء كل قاض تعلق به ما من شأنه أن يمس من سمعة القضاء أو استقلاليته أو حسن سيره". وذكر المرسوم أنه "ستثار الدعوى العمومية ضد كل قاض يتم إعفاؤه على معنى هذا الفصل، ولا يمكن الطعن في الأمر الرئاسي المتعلق بإعفاء قاض إلا بعد صدور حكم جزائي بات في الأفعال المنسوبة إليه، وتدخل أحكام هذا المرسوم حيز النفاذ فورًا وينشر بالرائد الرسمي (الجريدة الرسمية) للجمهورية التونسية".

في سياق ردود الفعل، تصاعدت الأصوات المستنكرة لهذا القرار من قبل الرئيس التونسي قيس سعيّد، وكما يشير موقع "الترا تونس"، فقد عبّر قضاة وسياسيون وأساتذة قانون دستوري وغيرهم عن استنكارهم لما وصفوها بـ"المجزرة". وأصدر اتحاد القضاة الإداريين بيانًا عبّر فيه عن رفضه "رفضًا قاطعًا ما تضمنته أحكام المرسوم الصادر عن الرئيس"، معتبرًا أن  ما تضمنه المرسوم عدد 35 هو "إنهاء لكل مقومات استقلال القاضي واستقلالية القضاء في حدودها الدنيا، وترهيبًا للقضاة من شأنه تقويض دورهم كحماة للشرعية والحقوق والحريات".

قصر العدالة تونس

كما قرر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين عقد مجلس وطني طارئ وعاجل يوم غد السبت 4 حزيران/يونيو الجاري، داعيًا "جميع الهياكل القضائية وعموم القضاة لحضوره للتداول بشأن المستجدات الأخيرة واتخاذ ما يستوجب من قرارات". ودعا المكتب التنفيذي، القضاة إلى "رص الصفوف والتعبئة التامة لمواجهة هذه الهجمة الشرسة على السلطة القضائية"، مؤكدًا أنّ هذا المرسوم "معدوم لما مثّله من تعدّ واضح على الاختصاص الحصري للمجلس الأعلى للقضاء، وتدخل واضح وفادح للرئيس في ما هو موكول للسلطة القضائية وما يمثله من انتهاك لكل المبادئ المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق الدولية من حق الدفاع ومبدأ المواجهة وقرينة البراءة".
كما نددت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" بالأمر الرئاسي، معتبرة في بيان لها أن هذا الأمر الرئاسي الذي وصفته بـ"المجزرة في حق القضاء" اقترن بمرسوم آخر قالت إنه "أنهى تمامًا مبدأ الفصل بين السلطات ومنح فيه سعيّد نفسه سلطة عزل القُضاة بمجرّد الشبهة و دون حق في الاعتراض والتظلم".

سعيّد يعتبر القرار واجبًا مقدسًا والخارجية الأمريكية تعبر عن قلقها

دوليًا، أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس، في تصريح إعلامي الخميس، أنّ قرار سعيّد بعزل 57 قاضيًا، وتعديل مرسوم المجلس الأعلى للقضاء "يمثل نمطًا مثيرًا للقلق الشديد، بما من شأنه أن يقوّض المؤسسات الديمقراطية والمستقلة في تونس". وتابع المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بقوله: "لقد أبلغنا باستمرار رسائل للسلطات التونسية بشأن أهمية مبدأ الفصل بين السلط في الأنظمة الديمقراطية".

وشدّد نيد برايس، على أنّ الخارجية الأمريكية "تواصل حث السلطات التونسية على عملية إصلاح شاملة وشفافة مع مساهمات من منظمات المجتمع المدني وطيف متنوع من السياسيين لتقوية شرعية عملية الإصلاح السياسي" على حد تعبيره.

وكان الرئيس التونسي قد قال في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية لاجتماع مجلس الوزراء بإشرافه مساء الأربعاء، إن "الواجب المقدس يدفعنا لاتخاذ هذا القرار التاريخي حفاظًا على السلم الاجتماعي وعلى الدولة"، ضد شخصيات لم يسمّها قال إنها قامت بجملة من الجرائم دون أن يقدم بشأنها أي أدلة. وأضاف سعيّد "لقد أعطيت الفرصة تلو الفرصة والتحذير تلو التحذير حتى يطهر القضاء نفسه... ولكن لا يمكن أن نطهر البلاد من الفساد وتجاوز القانون إلا بتطهير كامل للقضاء".

وعدد الرئيس التونسي التهم الموجهة للقضاة وتتمثل في "تعطيل التحقيقات في ملفات إرهابية وعددها 6268 ملفًا، وعدم الحياد وتجاوز الصلاحيات وتوجيه التحقيقات"، كذلك "مساعدة مشتبه فيه بتهمة الإرهاب، ومنها منحه الجنسية التونسية والتواطؤ فيما يُعرف "بالجهاز السري"، والارتباط بأحزاب سياسية، إلى جانب فساد مالي وارتشاء وثراء فاحش وفساد أخلاقي". وادعى سعيّد "أننا لا نتدخل أبدًا في القضاء، ونرفض أي تدخل مهما كان مصدره"، مضيفًا أنه "لن يقبل بأي تطاول على القضاة الشرفاء وبأي تجاوز للقانون".

تحركات ومخاوف

في هذا السياق، قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي إن "الاتحاد سيتحمل مسؤولياته من أجل دولة القانون والمؤسسات الفعلية والدفاع عنها في البلاد"، ودعا الطبوبي إلى 'النأي بالقضاء والأمن عن التدخل في الصراعات السياسية في تونس". وأمام تفرد سعيّد بالقرارات ورفضه الحوار، أعلنت جبهة الخلاص الوطني في تونس الثلاثاء عن بدء مرحلة نضالية جديدة ضد ما سمته "انقلاب الرئيس قيس سعيّد على الديمقراطية ومشروعه الشعبوي الساعي لتدمير مؤسسات الدولة".

وأكدت جبهة الخلاص الوطني خلال الندوة السياسية للإعلان عن الانطلاق الرسمي لها، والذي حضره قياديون منها، إنه "قد حان الوقت لأن تتداعى القوى الحية للتصدي للهجمة الشعبوية التي تقوض المجتمع". وشددت الجبهة على أن "الانقلاب أربك أداء الدولة وأجهزتها، مما أدى إلى ركود الاقتصاد وتقليص فرص العمل"، وأضافت أن "النظام عاد للاحتجاز القسري ومنع الاجتماعات العامة وتلفيق التهم لتصفية الخصوم".

بدوره قال رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي إن "الانقلاب لن يزيد الأزمة إلا تعقيدًا، وهو يدفع بالبلاد نحو المجهول"ز وأضاف أنه "عوض أن يراجع سعيّد نفسه ويعود للاستماع لكل الأطراف في الداخل والخارج عبر حوار وطني جامع، نراه يهرب إلى الأمام ويصر على تنظيم استفتاء شكلي لن يزيد الأزمة إلا تعفنًا ويدفع البلاد إلى المجهول". وتابع الشابي "يتأهب سعيّد في هذه الآونة إلى الزج بالقضاء في مغامرة إيقاف قيادات من الصف الأول بافتعال قضايا مقدسة لدى الشعب التونسي وهي قضايا الشهداء"، في إشارة لقضية اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين اغتيلا في عام 2013.

وتعهد الشابي بتحقيق النصر على مشروع سعيّد في وقت قريب قائلًا إن "هذه الجبهة قوة مستقبل الديمقراطية، وهي تجتمع على الدفاع عن المؤسسات والدستور، وسنبنيها في الميدان". من جهتها قالت نائب رئيس البرلمان المنحل وعضو جبهة الخلاص الوطني سميرة الشواشي إن "المخاوف من إيقاف قيادات سياسية جدية، لأننا نتعامل مع رئيس سلطة قائمة يهدم المؤسسات والهيئات الوطنية، ولا يتوانى حتى عن طرد ممثلي منظمات دولية بسبب رأيها القانوني والتقني، بما يعني أنه لا يقف أمام أي حدود". وأضافت "نحن نتوقع الأقصى، لأنه كلما زادت عزلة سعيّد زادت مشاكل التونسيين وكلما كان خطابه أعنف في اتجاه هدم آليات الديمقراطية". لكن الشواشي أردفت أنهم في جبهة الخلاص "مستعدون لكل شيء وسنتصدى لأي محاولات للانتقام والتشفي من الأحزاب والمكونات السياسية المقاومة للانقلاب، ولذلك كلفة معروفة سندفعها".

يشار إلى أن جبهة الخلاص الوطني تتكون من أحزاب وقوى سياسية عديدة  منها حركة النهضة، وائتلاف الكرامة وقلب تونس، وحزب أمل، وحراك تونس الإرادة، بالإضافة لمبادرات مواطنية هي مواطنون ضد الانقلاب، والمبادرة الديمقراطية، واللقاء الوطني للإنقاذ، وتوانسة من أجل الديمقراطية، واللقاء من أجل تونس، واللقاء الشبابي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتنسيقية نواب المجلس.

وتشكلت الجبهة خلال تجمع لشخصيات سياسية وبرلمانية نظمته حملة "مواطنون ضد الانقلاب" حيث دعا أحمد نجيب الشابي إلى إنشاء جبهة باسم "الخلاص الوطني". هذا وتزامن المؤتمر الصحفي لجبهة الخلاص الوطني مع إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل وهو الهيئة النقاببة الرئيسية في البلاد عن تنفيذ إضراب عام في القطاع العمومي يوم 16 حزيران/يونيو المقبل، بسبب ما قال إنه "تعمد الحكومة التونسية ضرب مبدأ التفاوض والتنصل من تطبيق الاتفاقيات المبرمة وعدم استعدادها لإصلاح المؤسسات العمومية".

وتضمن البيان الصادر عن الاتحاد إقرار "الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل دخول كافة أعوان المنشآت والمؤسسات العمومية (159 مؤسسة ومنشأة) في إضراب كامل يوم الخميس 16 حزيران/يونيو 2022 لكي يستعيد التونسيون قدرتهم الشرائية". وتابع بيان الاتحاد أن "الإضراب يأتي في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار وتدهور المقدرة الشرائية للموظفين مع تضخم بلغ 7,5% في نيسان/أبريل".

ويشار إلى أنّ الأمين العام المساعد الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري قد قرأ في 23 أيار/مايو 2022 الماضي بيان الهيئة الإدارية للاتحاد أين طالب الحكومة بـ"تنفيذ التزاماتها في سحب المنشور عدد 20، وتطبيق الاتفاقيات القطاعية والترفيع في الأجر الأدنى المضمون والشروع في مفاوضات اجتماعية، لتعديل الأجور في الوظيفة العمومية والقطاع العام".

ويطالب الاتحاد أيضًا بالبدء الفوري في خطة "إصلاح للشركات لا تشمل بيعها"، مشيرًا إلى أنها "تحتاج ضخ تمويل حكومي على وجه السرعة مع إعادة حوكمتها على غرار الشركات في القطاع الخاص".

قيس سعيد يطلق منصة إلكترونية لتلقي مقترحات تعديلات الدستور | مرصد الشرق  الأوسط و شمال أفريقيا

ويعد هذا الإضراب العام تصعيدًا ضد جهود الحكومة التونسية للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، حيث قدمت الحكومة خطة إصلاح إلى صندوق النقد الدولي تنص على تجميد رواتب القطاع العام، وتخفيض تدريجي لبعض الإعانات الحكومية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، لكن صندوق النقد الدولي أراد أن تحظى هذه الوعود بدعم الشركاء الاجتماعيين بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل لضمان تطبيقها.

عبّر قضاة وسياسيون وأساتذة قانون دستوري وغيرهم عن استنكارهم لما وصفوه بـ"المجزرة بحق القضاء"

ويواجه الاقتصاد التونسي أزمة هي الأسوأ منذ استقلال البلاد بسبب عدم الاستقرار السياسي، وتطلب تونس مساعدة بنحو 4 مليارات دولار هي الثالثة خلال 10 سنوات في حلقة جديدة من رحلة الاقتراض، حيث تعاني الشركات العمومية عجزًا ماليًا بمليارات الدولارات بسبب الخسائر المتفاقمة والديون وارتفاع عدد الموظفين.