02-يوليو-2019

تتطور الشائعات وتأخذ أشكالًا مختلفة بشكل متسارع (Shutterstock)

عند تعريف الشائعة، ربما ينبغي الانتباه إلى أنها نفسها، مع كونها شائعة، تتغير وتنمو بصورة سريعة، فضلًا عن ارتباطها الوثيق بالسياق الذي تنتشر فيه، لذا قد يكون من الضروري مواكبة سرعة تطور الشائعة مفاهيميًا.

ليست كل الشائعات خيال محض، فالكثير من الشائعات أساسها تحريف معلومات صحيحة ووقائع حدثت بالفعل

في كتاب "سيكولوجية الإشاعة"، يعرف عالم النفس الأمريكي جوردن ألبورت، الشائعة بأنها "كل قضية أو عبارة نوعية مقدمة للتصديق وتتناقل من شخص إلى شخص، وذلك دون أن تكون هناك معايير أكيدة للصدق".

اقرأ/ي أيضًا: وداعًا للصحافة.. أهلًا في جمهورية "السوشال ميديا" للأخبار الكاذبة!

وبالتجربة البشرية، فللشائعة قدرة كبيرة على الانتشار الواسع، لدرجة قد تصل أحيانًا لأن تتبناها مؤسسات صحفية ووسائل إعلام وازنة. ووفقًا لألبورت، فإن الشائعات تزدهر في ظل غياب المعلومات والمعايير الموضوعية الأكيدة لاستقاء المعلومات. كما يشير إلى أن الشائعات تستهدف إثارة الإنسان، وانفعالاته، وهو أمر تشترك فيه الشائعة مع الخبر الصحيح، كونهما يندرجان تحت المعلومة، لذا فإن الفرق بين الشائعة والخبر، وفقًا لألبورت، يكمن بشكل أساسي في الصدق.

كتاب سيكولوجية الإشاعة
كتاب سيكولوجية الإشاعة لجوردن ألبورت

لكن ليست كل الشائعات خيال محض، فالكثير من الشائعات أساسها تحريف المعلومات الصحيحة، وهنا قد لا تكون النوايا السيئة واحدها السبب، فأحيانًا كثيرة، تؤثر مشاعر الإنسان وانفعالاته العاطفية في إدراكه للموقف أو الحدث، وبالتالي في نقله والإخبار به، وقد يحدث ذلك بشكل لا واعي.

فضلًا عن ذلك، فالشائعات المنظمة، التي تستهدف التأثير النفسي على المتلقي، وهي أسلوب رائج في أوقات الحروب؛ قد تتولد عنها شائعات أخرى، يكون المتلقي هو منتجها، بعد أن خضع لتأثير الشائعات النظمة. بمعنى أن الشائعات المنظمة قد تتولد عنها إشاعات عشوائية.

قانون الشائعة

في بحث "تعريف الشائعة وأنواعها ودوافعها"، يحدد عالم النفس المصري محمود السيد أبوالنيل، شرطين أساسيين، يجب توفرهما لانتشار الشائعات:

  1. الأهمية.
  2. الغموض.

وكان جوردن ألبورت قد وضع قانونًا للشائعة، هو: "الشائعة = الأهمية × الغموض"، موضحًا أنه إذا لم يكن للحدث أهمية على مستوى جماعي، فإن الغموض وحده ليس كافيًا لتوليد شائعة.

كما أن الأسلوب الأكثر تقليدية في انتشار الشائعة، هو عبر تسلسل شبكي، فتبدأ الإشاعة من نقطة، وتنتقل سريعًا عبر عدة محاور شبكية.

تصنيف الشائعات

وضع علماء النفس تصنيفات للشائعات على أساس الزمن والموضوع والدوافع والآثار المترتبة على الشائعة اجتماعية، ومن هذه التصنيفات: 

  • الشائعة الحابية: تعتمد على الأساس الزمني. 
  • الشائعة الاندفاعية: تنتشر بين الناس بشكل سريع وواشع. 
  • شائعات الأحلام والأماني: منها ما يتعلق برغبات الانتصار في الحروب مثلًا. 
  • الشائعة الغامضة الترويجية: تظهر وتختفي ثم تعاود الظهور مرة أخرى في مناسبات مختلفة.
  • شائعات الخوف: وهي التي يحفزها القلق والخوف، حيث يكون الجمهور في هذه الحالات عرضة للتوهم وتصديق أمور لا تستند إلى الواقع. 
  • شائعات الكراهية: تعبر هذه الشائعات عن العدوانية تجاه آخر، وتعتمد على اتهامات الخيانة وعدم الولاء، وربما أيضًا تعتمد على أساس التمييز والتفرقة العنصرية.

ويضرب ألبورت مثالًا مستوحى من ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى، حيث نشر الخبر التالي في صحيفة ألمانية: "عندما وصل نبأ سقوط المدينة قُرعت أجراس الكنائس"، بينما نشر في صحيفة فرنسية بهذه الصياغة: "أجبر العدو رجال الدين في المدينة على قرع أجراس الكنائس"، وفي صحيفة بريطانية، بهذا العنوان: "رجال الدين البلجيكيون الذين رفضوا قرع أجراس الكنائس عند سقوط المدينة، أقيلوا من وظائفهم".

لم يتوقف الأمر عند ذلك، فنشرت صحيفة إيطالية الخبر بعنوان: "رجال البلجيكيين التعساء الذين رفضوا قرع أجراس الكنائس عند سقوط المدينة، حكم عليهم بالأشغال الشاقة"، ثم عادت نفس الصحيفة الفرنسية السابقة إلى نشر الخبر، مع معلومات مضللة: "عاقب الغزاة البرابرة رجال الدين البلجيكيين التعساء الذي رفضوا قرع الأجراس عند سقوط المدينة، بأن ربطوهم في الأجراس من أرجلهم ورؤوسهم إلى جهة الأرض فبدت كمطارق حية".

بهذا الشكل، وُلّدت شائعات انبنت على حدث ذي ارتباط غير وثيق بما قيل في الشائعة. والأمر الأساسي هنا هو الحرب التي تسببت في تبني كل طرف رواية تعزز سرديته في مواجهة الطرف الآخر، وإن لم تكن الرواية سوى مجرد شائعة.

الشائعة والأسطورة

بحسب البورت، فمن الممكن القول بأن الأسطورة، هي شائعة ثابتة، أي مجموعة من المقولات التي ثبتت عند حد معين، بعد تاريخ من التحريفات، وهكذا تصبح الأسطور عبارة عن شائعة، تحولت لجزء من تراث شعب ما.

وقد لعب النقل الشفاهي دورًا مؤسسا في خلق شائعة الأسطورة، كما أنه السبب في أن الأسطور الواحدة ربما تختلف فيها بعض التفاصيل بحسب كل مكان تُروى فيه، وهو ما يؤكد من جهة أخرى، على أن الشائعة مقترنة بالسياق التي تقال فيه.

الشائعات في عصر السوشيال ميديا

في الوقت الحالي، تطورت الشائعات بشكل كبير، وفي حين كانت الشائعات قديمًا بحاجة ربما إلى أشهر كي تنتشر، أصبحت الآن أسرع انتشارًا بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، التي ساهمت بشكل كبير في تطور الشائعات وتأثيرها.

السوشيال ميديا
الشائعات في عصر السوشيال ميديا أخطر من أي وقت آخر

كما أخدت الشائعات أشكالًا أكثر خطورة، وذات قدرة أكبر على التأثير. وتعتبر السوشيال ميديا الوسيط الأبرز في بناء الشائعة ونشرها. وقد استخدمت بشكل مكثف في مواقف سياسية حاسمة، مثل انتخابات الرئاسة الأمريكية التي فاز بها ترامب، وكذلك في البريكسيت.

وفقًا لخبراء، باتت الشائعات، التي تندرج تحتها الأخبار الكاذبة والفبركات، أكثر قدرة على إحداث أضرار أكبر على مستوى أوسع، ويمكن تلمس ذلك في قضية حصار قطر، التي بدأت بشائعات هي عبارة عن أخبار مفبركة نشرت عبر وكالة الأنباء القطرية (قنا) بعد اختراقها، كما أكدت FBI ووكالات متخصصة في الأمن المعلوماتي.

باتت الشائعات حديثًا، والمروجة تحديدًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر خطرًا على المجتمعات، وتمثل في أحيانٍ كثيرة تهديدًا حقيقيًا

على مستوى آخر، باتت الشائعات حديثًا، والمروجة تحديدًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر خطرًا على المجتمعات، وتمثل في أحيانٍ كثيرة تهديدًا حقيقيًا، اجتماعيًا ونفسيًا وصحيًا، عبر نشر معلومات خاطئة في قضايا صحية، تأخذ طريقها في الانتشار الواسع والسريع، أو عبر نشر أخبار مزيفة قد تؤثر على قرارات مجموعات من الناس بشكل خطير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تؤثر السوشيال ميديا على الحقائق؟

"بوليغراف" على التلفزيون العربي.. جهاز كشف الشائعات والأخبار الكاذبة