في عام 2011، حين صار بإمكان أي أحد أن يجعل من نفسه مراسلًا صحفيًا، ينقل بكاميرا هاتفه المحمول تفاصيل القمع والإبادة؛ ظن السوريون أن مجزرة حماة 1982 لن تتكرر. تلك المجزرة التي قادها رفعت الأسد الشقيق الأصغر للرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد، وارتكب فيها أبشع ما عرفه التاريخ السوري المعاصر، حتى اندلاع الثورة السورية الأخيرة.
كانت وحشية النظام السوري في مجزرة حماة عام 1982، شاهدة على تحول النظام لاستخدام الجيش على نطاق واسع لاخماد التمرد السياسي
إذ شنّ جيش النظام السوري صباح الثاني من شباط/فبراير عام 1982، حملة عسكرية واسعة، ضد ما أسماه عصيان جماعة الإخوان المسلمين في المدينة. واستمرت الحملة الأمنية 27 يومًا، ارتكب خلالها الجيش مجازر عدة، طوّق المدينة وقصفها بالمدفعية والدبابات والطيران، ثم اجتاحها بريًا، ليقضي على عشرات الآلاف من المدنيين من أهالي المدينة.
اقرأ/ي أيضًا: الجيش في سوريا.. من عقائدية المؤسسة إلى مليشيا العائلة وطائفيتها
كانت هذه الوحشية شاهدة على تحول النظام السوري إلى استخدام الجيش على نطاق واسع لإخماد التمرد السياسي في البلاد بين عامي 1979 و1982، كذلك كانت هذه المرة الأولى التي يُقحم فيها النظام المدنيين في أتون صراعه مع المعارضة، التي كانت في جوهرها حينئذ جماعة الإخوان المسلمين من طرف وعدة تشكيلات يسارية وشيوعية في طرف آخر.
سقط في حماة عشرات الآلاف من المدنيين، وعَرِفَ الجميع بطش الآلة العسكرية لنظام الأسد، ولم يجرؤ أحد بعد ذلك على الوقوف في وجه الأسد الأب، وابنه طبيب الأسنان، إلا في خضم الانتفاضة العربية، التي بدأت في تونس.
الاستثناء السوري
مثلما كان الحال في أغلب بلدان المنطقة، كانت المبادرة بتنظيم الحراك من فعل الشباب مستخدمي الإنترنت. وبتشجيع من الانفجار الإقليمي، بدأت شبكات الإعلام الاجتماعي السورية تصدر دعوات للتظاهر منذ شباط/فبراير، خرجت في دمشق تجمعات متواضعة لشباب أظهروا شجاعة كبيرًا، خرجوا للتضامن مع الثورة الليبية، آملين أن يطلق خروجهم هذا ديناميةً سورية.
وفي مدينة درعا الجنوبية أوائل آذار/مارس اشتعل غضبٌ شعبي كرد فعلٍ على اعتقال 15 من تلاميذ المدارس، بعد أن كتبوا على الجدران شعار الثورة التونسية الأشهر: "الشعب يريد إسقاط النظام".
كان لاعتقال التلاميذ ونقلهم إلى أفرع المخابرات في دمشق، والرد المهين على أهاليهم المطالبين بالإفراج عنهم، مع التلميح إلى أنهم لن يروا أولادهم مرة أخرى؛ بالغ الأثر في تفجير الغضب. وتضاعف الغضب بعدما أفرجت السلطات عن التلاميذ المراهقين وعليهم آثار تعذيب وحشية.
امتدت التظاهرات من درعا إلى مدن أخرى، بما فيها العاصمة دمشق، ونُظمت أول جمعة في الانتفاضة يوم 18 آذار/مارس، وسميت بـ"جمعة الكرامة". قامت تظاهرات أكبر وأكبر في مدن عدة، تضامنًا مع درعا، الأمر الذي أفضى إلى سقوط أوائل القتلى تحت وابل من رصاص القمع.
أخذت الدينامية السورية في التصاعد، بعد أن استلمت راية الثورة من ليبيا وطالبت برحيل آل الأسد عن السلطة، كما طالب الليبيون برحيل القذافي. لكن ثمة اختلافات جوهرية ما بين الديناميتين السورية والليبية.
- الاختلاف الأول:
سرعان ما تفجرت الانتفاضة الليبية بشكل معمم، حتى لامست مدن البلاد الرئيسية، على خلاف الانتفاضة السورية التي تطوّرت تدريجيًا، وبدت الانتفاضة في شهورها الأولى مقتصرةً على التخوم حول المدن.
كذلك سرعان ما سيطرت الانتفاضة الليبية على المدن الكبرى على عكس السورية، وبدت ليبيا منقسمةً بين معسكرين جغرافيين في وقت مبكر من عمر الثورة. كما أن الضعف الذي كان متجذرًا في المعارضة الليبية بفعل استبداد نظام العقيد القذافي، عوضه الانضمام المبكر إلى الانتفاضة من قبل قادة رفيعي المرتبة في الدولة؛ أمثال وزير العدل مصطفى عبدالجليل وأمين مجلس التخطيط الوطني محمود جبريل.
وإذ حازت الانتفاضة الليبية عاصمة لها هي مدينة بنغازي، فإنها مع تشكل المجلس الوطني الانتقالي، اختارت لها قيادة ميدانية سياسية، بينما هناك على الجانب الآخر في سوريا، كانت التظاهرات خاطفة سريعة تحت وطأة البطش النظامي، ولم تكن الانتفاضة قادرة على الاستدامة في المدن الكبيرة كحماة وحمص، كما لم يتصدع نظام الأسد من أعلاه ليعوّض ضعف المعارضة.
- الاختلاف الثاني:
أن المجلس الانتقالي الليبي كان مكونًا من أطياف المجتمع الليبي، من رجالٍ قطعوا مع النظام في خضم الأحداث، وبعض المنشقين والمعارضين الطبيعيين للنظام، إضافةً للتنوع الإقليمي والقبلي من أبناء الصحراء.
وعلى الجانب السوري، ولأشهر طويلة، ظلت القيادات المنظمة للانتفاضة محلية، مكونة من شباب الإنترنت الداعي ابتداءً للتظاهر، ولم يتشكل المجلس الوطني السوري إلا في تشرين الأول/أكتوبر 2011، بعد شهور من المفاوضات بين مكونات المعارضة ولجان التنسيق المحلية، وفي ظل تدخلات من حكومات غربية وإقليمية. وبينما أنشئ المجلس الوطني الليبي في بنغازي، تأسس نظيره السوري من اسطنبول، ليباشر تنظيم الانتفاضة من خارج الأراضي السورية.
- الاختلاف الثالث:
تمثّل في صلادة النظام السوري، الذي لم يشهد انقسامات مؤثرة على عكس النظام الليبي، حيث شهد استقالة اللواء عبدالفتاح يونس وزير داخلية العقيد، وانضمامه للثوار، ليكون القائد الأول للجيش الليبي الحر الذي كونته الانتفاضة. في سوريا الارتباط العضوي داخل النظام والتكوينة الطائفية لأركانه جعلت من انقسامه أمرًا صعبًا.
كان باديًا مذ بدأ النظام مواجهة الاحتجاجات، أن الطريق إلى الحرب الأهلية ممهدة، وأن اعتماد المجلس الوطني السوري على السلمية التي نجحت في مصر وتونس، ليس الخيار المتاح للنهاية. وفي هذا يقول جلبير الأشقر في كتابه "الشعب يريد": "لا أرى سوى احتمالين في سوريا: إما أن يستمر النظام بصورة دموية أكثر وأشرس، وباستبدادٍ مضاعف، أو سنكون أمام حربٍ أهلية. سقوط الحكم يُمكن أن يكون عبر انفجار الجهاز المسلح. وإذا حصل ذلك فسندخل في حرب أهلية".
أخذت الثورة تتسلح بشكلٍ حثيث صيف 2011، إلى أن ترسخت الحرب الأهلية في سوريا عام 2012. ولا تعمد العواصم الغربية إلى تسليح المواطنين خوفًا من استخدام السلاح ضد مصالحهم في الأمد المتوسط أو البعيد، إضافةً إلى الاستثناء السوري المتمثل في وجود حدود مشتركة مع فتى أمريكا المدلل في الشرق الأوسط، أو دولة الاستعمار الإسرائيلي.
القرار خارج القاهرة
ألقى ارتفاع أسعار النفط في سبعينات القرن الماضي، الضوء على أهمية الموقف النفطي العربي، حيث كان لرفع الأسعار إبان الحرب العربية الإسرائيلية بالغ الأثر على القرار الأمريكي الداعم للاحتلال. وعلى الجانب الآخر، فإن كثيرًا من المتابعين تنبأوا بانتقال مركز القيادة العربية من القاهرة إلى ممالك الخليج، حيث بداية الحقبة النفطية، وبدا أن كل الجهات العربية استسلمت لهذا الانقلاب، الذي جعل الأمة العربية تواجه العالم بمؤخرتها أو بأضعف حلقاتها؛ حلقة النفط.
وفي الوقت الذي كان فيه النفط أهم ورقة بيد العرب، انقلبت الصورة المُشرقة من تاريخ العرب إلى صورة كريهة، وانتهى عقد النفط بأكبر هزيمة سياسية وعسكرية ووطنية للعرب. خلال عقد النفط (1973-1983) فازت إسرائيل بالصلح مع مصر، بالإضافة إلى ضم القدس والجولان وثلاثين ألف مستوطنٍ في الضفة ليصلوا اليوم حدود الـ600 ألف، كما احتلت عاصمة عربية لأول مرة، ودخلت في مفاوضات مباشرة مع لبنان، وضربت المفاعل الذري للعراق، ورفعت الفيتو الأمريكي في وجه أي نشاط ذري عربي محتمل، واستنزفت العراق وإيران والخليج في حرب الثماني سنوات.
كان هذا كافيًا لأن يعيد العرب التفكير في مصيرهم المشترك، أن يُعملوا عقلهم الجمعي لأجل خلاص الكل، لكن الإمبريالية الغربية كانت قد بسطت من خلال عملائها يدها على شعوب المنطقة، وأبقتهم حيث تريد لهم أن يبقوا، مذبذبين لا إلى التحديث بنمطه الأوروبي المتكامل، ولا إلى سبر تجربتهم الخاصة في التحرر. موت سريري للمشروع العربي، مع ثلاث حلقات من التبعية.
تمثلت الحلقة الأولى والأساسية في التبعية الكاملة للغرب، تبعيةً سياسية وثقافية واقتصادية، يُعاد تدوير المال، وتسرق خزائن الشعوب بعد تغيير أنماط معيشتهم وتغذية نزعاتهم الاستهلاكية. وحلقة أخرى من التبعية ظهرت في الحكام الديكتاتوريين، الذين هم أدوات الاستعمار ورعاة مصالحه.
أما الحلقة الثالثة فكانت نتاج الطفرة النفطية، حيث تبعية بعض العرب لبعضهم، وضياع هيبة الدول العربية التاريخية لصالح ممالك النفط. ومن خلال هذه الحلقة الأخيرة، استطاع المحتل أن يدير لعبته، فيخيف هذه البلاد بالعداون عليها ويفرض عليها نظير الحماية، فتمتلئ الخزائن الأمريكية والأوروبية بالمال المدفوع سلفًا نظير النفط، ويفرض ذات المحتل جناح رحمته على العرب الفقراء في الدول الأخرى، ولو كان نفط العرب للعرب -كما دعا لذلك محمد جلال كشك في كتابه "قيام وسقوط إمبراطورية النفط"- لما استطاع المحتل إخافة الدول الصغيرة ولا إذلال الكبيرة.
مصر ورحلة البحث عن موقف
بينما آلت السلطة للمجلس العسكري المصري في شباط/فبراير 2011 بعد تنحي الرئيس محمد حسني مبارك، حاول المجلس تأطير سياسته الخارجية الجديدة بعد الثورة، ومد جذور التواصل إلى محيطه العربي، فكان أبرز ما دل على ذلك إيفاد اللواء مراد موافي رئيس المخابرات العامة آنذاك إلى دمشق في آذار/مارس 2011، ضمن جولة عربية موسعة. لكن انشغال السلطة في مصر باضطرابات الداخل حال دون هذا التأطير، وبقيت السياسة الخارجية المصرية خارج أولويات المجلس العسكري.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 أكد السيسي في حديث للتلفزيون البرتغالي دعم النظام المصري للجيش السوري النظامي في عملياته
وتزامن مع هذا اشتعال الأزمة السورية وتصاعُد وتيرة العنف، فانعكس ذلك بوضوح -على الرغم من الأهمية السورية في الوعي السياسي المصري- على الموقف المصري، حيث لم تكن القاهرة لاعبًا رئيسيًا في صياغة قرارات الجامعة العربية وتوجهاتها في عهد المجلس العسكري، نتيجة أوضاعها الداخلية التي أثرت سلبًا على أداء وزارة الخارجية، إذ اتسم الموقف المصري -حتى نهاية تموز/يوليو 2011- باللاموقف، أو بعدم الاكتراث.
اقرأ/ي أيضًا: تفاهمات الطغاة في الغوطة الشرقية..مصر السيسي في صف الأسد
لكن مع مطلع آب/أغسطس تزايدت حدة العنف الممنهج من قبل النظام السوري، وبدأت التنديدات الدولية تتوالى على رموزه، مع تحول لافت في الموقف الخليجي، أخذ الموقف المصري المبدئي يتبلور، حول التأكيد على ضرورة الحل السلمي ورفض الحلول الأمنية وتدويل "المسألة السورية". كان الموقف ضعيفًا حينها مقارنة بمواقف دول العالم، ما دفع البعض لاتهام النظام آنذاك بالانحياز خلف نظام الأسد. والثابت أن القاهرة في هذا الوقت فقط أرادت إثبات موقفٍ من الأزمة، لكن ما إذا كان هذا الموقف مبنيًا على رؤية مصرية إستراتيجية لحل الأزمة أو نزع فتيلها نظرًا لأهمية سوريا في المخيال السياسي المصري، فهذا لم يحدث.
بدأت القاهرة تستتر شيئًا فشيئًا خلف الموقف العربي المتمثل في مخرجات الجامعة العربية، مثقلةً بميراث كبير من التراجع السياسي، لافتقارها أدوات التأثير المادية والمعنوية، إلى جانب عجزها عن المبادرة لرسم مسارات سياسية خارجية. وفي تشرين الثاني/نوفمبر جمدت الجامعة العربية عضوية سوريا، رغم الاعتراض المصري، حتى كان مشروع الجامعة العربية أمام مجلس الأمن مطلع العام 2012، بالعمل مع المجتمع الدولي على حل الأزمة، ودعم عملية التحول الديمقراطي في سوريا بيد أبناء سوريا أنفسهم سلميًا دون تدخلات خارجية، في استدعاء استنكاري للنموذج الليبي، حيث تدخلات الناتو العسكرية التي أسقطت نظام القذافي.
وفشلت مساعي الجامعة العربية في وجود الفيتو الروسي الصيني. لكن ما ينبغي الإشارة إليه في خضم هذا السرد، أن الموقف المصري اتسم بالتماهي مع الموقف العربي الرسمي، دون تأطير رؤية مصرية خالصة تقوم على رعاية المصالح المصرية.
شعبوية خطاب مرسي.. غير الفاعلة
بدأت بوادر تشكل الموقف المصري مع دخول المؤسسات المنتخبة، مجلسي الشعب والشورى، على خط الأزمة، بعدما كان جهاز المخابرات هو الوحيد المعني بمتابعة الملف. وقرر مجلس الشعب تجميد العلاقات مع مجلس الشعب السوري فى السابع من شباط/فبراير 2012. والتقت لجنة العلاقات العربية بعدد من ممثلي فصائل المعارضة في الشهر نفسه. كما استدعت مصر سفيرها من دمشق للتشاور، في 19 شباط/فبراير، قبل أن تنهي عمله بداية تموز/يوليو. وبدأت الخارجية تنخرط في الأزمة بحضور وزير الخارجية المصري محمد كمال عمرو مؤتمرًا لأصدقاء الشعب السوري، داعيًا لفتح قنوات اتصالٍ مع المعارضة السورية لتوحيدها.
وكان وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة ابتداءً بمجلس الشعب في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وانتهاءً بوصول محمد مرسي كرسي الرئاسية مطلع تموز/يوليو 2012، إيذانًا بتغير الموقف المصري إلى دعم الثورة، وفتح قنواتٍ مع الثوار السوريين، مع الإبقاء على ما رسخه المجلس العسكري من سياسات عريضة.
ومع كل خطوة قطعها الإخوان بعيدًا عن النظام السوري، كانت تقربهم من المعارضة. وتمثل ذلك في حضور مصري لمؤتمري أصدقاء سوريا في تونس وإسطنبول، وسط دعوات مصرية لضرورة توحيد المعارضة السورية.
وشهدت هذه الحقبة من تاريخ الدبلوماسية المصرية الكثير من التذبذب، بين شعارات الرئيس مرسي الرنانة، التي اعتبر فيها النظام السوري نظامًا دكتاتوريًا، وبين تقاربه مع نظام طهران. حيث تُوج هذا التقارب بزيارة الرئيس أحمدي نجاد للقاهرة، حيث اعتبر مرسي أن إيران جزء أصيل من الحل.
وشكلت مرحلة حكم الإخوان المسلمين دعمًا واضحًا للمعارضة السورية، حيث القاهرة ملاذًا آمنًا ليس فقط لشخصيات المعارضة، بل لكثير من السوريين الذين وجدوا في مصر أكثر الأماكن راحة بسبب التسهيلات الممنوحة للسوريين من جهة، ولتقارب البيئتين المصرية والسورية في مستوى المعيشة من جهة ثانية.
إعادة الاعتبار للدكتاتورية العربية من بوابة مصر
بُعيد الإطاحة بالرئيس المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في الثالث من تموز/يوليو 2013، أنهى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مرحلةً دعمت فيها مصر المعارضة السورية، لكنه لم يكن في البداية قادرًا على إعلان دعمه للأسد، الذي كانت تدينه غالبية دول العالم في هذا التوقيت لوقوفه وراء تفاقم الوضع السوري، حيث إن موقفًا كهذا سيكون خارج المألوف دوليًا وإقليميًا، كما كانت القاهرة حريصة على توازنات مختصة بالدعم الخليجي.
وبدلًا من أن يدعم السيسي في أول حكمه نظام الأسد، عمد إلى إقصاء بعض عناصر المعارضة السورية بداعي التطرف، وشهد العام 2015 انفتاحًا مصريًا على المعارضة السورية التي يصنفها النظام المصري "معتدلة"، فكان أن دُعيت هيئة التنسيق الوطنية السورية إلى مؤتمري القاهرة الأول والثاني على حساب الائتلاف الوطني السوري.
انتقادات جمّة سيقت للتدخل المصري في الأزمة، واعتبرها معارضون سوريون محاولة مصرية لإعادة إنتاج النظام مع بوتقة من المعارضة المدجّنة، والقابلة للسيطرة بعيدًا عن تلك الراديكالية المصرّة على إسقاط النظام. ثم ما لبث الرئيس المصري أن دندن على وتر الحرب على الإرهاب في سوريا، وهي الدعاية التي يسوقها النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون لسحق المعارضة.
حتى كانت النقطة الفاصلة بتصويت مصر لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن، الداعي إلى "فصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفة"، وذلك في تشرين الأول/أكتوبر 2016، الشهر ذاته الذي شهد زيارة رسمية لوفد أمني سوري رفيع المستوى برئاسة رئيس المخابرات العامة اللواء علي المملوك إلى القاهرة، ليقابل نظيره آنذاك اللواء خالد فوزي. وجاءت الزيارة بناءً على دعوة رسمية من النظام المصري، كما نقلت وكالة الأنباء السورية.
وهو الشهر نفسه الذي قطعت فيه السعودية إمدادات البترول عن مصر دون إبداء أسباب معلنة، لكن متابعين أرجعوا الموقف السعودي إلى تصويت مصر في مجلس الأمن لصالح القرار الروسي، وكان مندوب الرياض وصفه حينها بـ"المؤلم".
ورغم الرسالة الصريحة التي أرسلتها مصر من دعوتها للوفد الأمني السوري، حيث التعاون الاستخباراتي المكثف، إلا أنه لا دليل على الانخراط العسكري المصري المباشر في سوريا، رغم ما يشاع حول الأمر ما بين الحين والآخر، ورغم الصور التي بثتها بعض القنوات الفضائية لسلاح مصري مستخدم من قبل الجيش السوري النظامي، فعلى الأرجح أنها تعود لعقود مضت من التعاون العسكري قبل اندلاع الانتفاضة وما تلاها من حرب أهلية.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر من نفس العام، خرج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على التلفزيون البرتغالي، ليؤكد في ثنايا حديثه على أن "خيار السلطات المصرية في الأزمة السورية بدعم الجيش السوري في عملياته داخل الأراضي السورية. والحل السياسي كأولوية على أي خيار". ملخصًا بشكل لا يقبل الشك رؤيته للأزمة السورية، وتعاطيه معها.
ما الذي يعنيه كل ذلك؟
مر الموقف المصري من الأزمة السورية بثلاث حلقات، كانت كل حلقة منها انعكاسًا لتفاعلات الداخل، فحينما كانت القاهرة منكفئة على داخلها المضطرب، لم تكن مهتمة بتأطير رؤيتها للأزمة السورية، واكتفت بالبيانات الرسمية والخطوط العريضة.
ومع مجيء الإخوان المسلمين إلى السلطة، بدأت التفاعلات المصرية تأخذ شكلًا مغايرًا، ولم تفلح محاولة مرسي لنقل مركزية القرار إلى القاهرة في إطار تجمع إسلامي شرق أوسطي فاعل، تكون القاهرة وطهران وأنقرة أعمدته الأساسية، حتى جاء نظام الثالث من تموز/يوليو 2013 ليعيد الاعتبار للدكتاتورية العربية بدعم نظام الأسد بشكل واضح وصريح.
جاء نظام الثالث من تموز/يوليو 2013 في مصر، ليعيد الاعتبار للديكتاتورية العربية، بدعم نظام بشار الأسد بشكل واضح وصريح
ويتمركز القرار المصري داخليًا وخارجيًا حول قضايا الإرهاب ومعاداة الثورات وتغيير الأنظمة، وهي التي يكتسب منها شرعية بقائه، كذلك فإن السعودية والإمارات على نفس المسافة من ثورات الربيع العربي، وهو ما جمع الثلاثي في خانة واحدة. صحيح أن الموقف السعودي تغير من الدعم للثورة السورية إلى التحضير لبقاء الأسد كجزء من الحل، إلا أن الموقف السعودي الأولي كان مدفوعًا بنزعات الطائفية، ومتناقضًا مع الموقف المبدئي للسعودية بمحاربة التغيير.
اقرأ/ي أيضًا:
التدخل المصري في سوريا.. ألعاب السيسي للاستئثار بالحكم في مصر!