16-يونيو-2016

يوسف العوني/الجزائر

تحتفل وزارة الثقافة في الجزائر سنويًا باليوم الوطني للفنان في الثامن من حزيران/يونيو، وهو اليوم الموافق لاغتيال الفنان علي معاشي من طرف الاحتلال الفرنسي، بإقدام المديريات التنفيذية لهذه الوزارة في المحافظات الثماني والأربعين على تكريم نخبة من الفنانين، بشكل صوري تسلّم فيه شهادات ورقية وتقال شهادات شفوية، ويعود المدراء إلى مكاتبهم المغلقة، والفنانون إلى واقعهم الذي يُجمعون على أنه لا يليق.

لماذا يقبل بعض مثقفي الجزائر التكريم من طرف مدراء لم يقدّموا شيئًا لتغيير واقع يستهجنونه؟

غير أن الأسئلة التي تطرح نفسها بنفسها على هذا النوع من الفنانين: لماذا تقبلون التكريم من طرف مدراء لم يقدّموا شيئًا لتغيير واقع تستهجنونه؟ لماذا تتعاملون مع وزارة تقولون مع مطلع كل شمس إنها لم تستطع أن تضيء ملامح المشهد الثقافي في البلاد، رغم الميزانية السمينة التي باتت تحظى بها؟ لماذا تغرقوننا بسخطكم على الوزير في مواقع التواصل الاجتماعي، بغض النظر عمّن يكون، ثم تنسخون ذلك كله بمدحه وتمجيده، إن هو رتّب لكم تكريمًا أو وليمة أو رحلة في أسبوع ثقافي بالخارج، أو ضمن لكم شطرًا من تورتة ما؟ ناسين أنكم شتمتوه قبل ذلك بقليل، فتعتذروا من باب النبل على الأقل؟

اقرأ/ي أيضًا: مزاد القتلى

لماذا يأكل بعضكم لحوم بعض، على مسمع ومرأى الوزارة والإدارة، رغم أن أسباب ذلك أتفه من أن ترقى إلى التفريق بين الصعاليك في البارات والحارات، ناهيكم عن تفريق النخبة الفنية والثقافية التي يفترض أنها تخلق الأفكار وتدافع عن القيم، ثم تطالبون هذه الوزارة/الإدارة بأن تحترمكم؟ لماذا فشلتم في تأسيس نقابة حرة وقوية، تدافعون من خلالها عن حقوق مادية ومعنوية لكم، حصل على مثلها الفلاحون والمعاقون والنساء والتجار، من خلال نقاباتهم مستقلة وتابعة؟

لماذا تزايدون على المثقفين والفنانين النزهاء الذين اختاروا أن يرتبطوا برهانات الوطن لا برهانات الوزارة والحكومة والرئاسة، فتصفونهم بالخيانة الوطنية إن هم هاجروا إلى الخارج أو كتبوا في منابره، وتصفونهم بالتناقض وعدم الانسجام مع ذواتهم وخطاباتهم الناقدة إن هم اشتغلوا في مؤسسة ما من مؤسسات البلاد، وكأنها حكر على السلطة السياسية القائمة وملك لها؟ 

ما معنى أن تخرسوا حين يهضم حق أحدكم من طرف إدارة تقولون إنها جافة، أو يظلمه مدير تصفونه بالجهل، بل إن بعضكم يتطوع إما تلقائيًا أو مأجورًا للدفاع عن الإدارة والمدير، ثم تنتظرون منهما أن يكونا في خدمتكم والسهر على مصالحكم ومصالح الفن؟ لماذا تقترفون مجازر في حق الفن والفنانين حين توكل إليكم مهام رسمية، تمنحكم نفوذًا وسلطة، تساوي أو تفوق المجازر التي تقترفها الإدارة؟

اقرأ/ي أيضًا: رغم ذلك أحبّ دمشق

كم فنانًا جديدًا ذبحتموه بالإقصاء والتهميش والتثبيط والتشكيك والإشاعة والتخويف والتتفيه وتسفيه أحلامه؟ 

كم فنانًا جديدًا ذبحتموه بالإقصاء والتهميش والتثبيط والتشكيك والإشاعة والتخويف والتتفيه وتسفيه أحلامه؟ كم موهبة جديدة لجأت إليكم من باب الثقة، فانتهزتم الفرصة وأرسلتموها إلى الظلام؟ كم مبادرة ثقافية حقيقية عتّمتم عليها وعلى باعثيها، في مقابل تزكية مبادرات مغشوشة، بعثتها وجوه وأسماء مغشوشة؟

لقد عيّنت الحكومة المئات منكم في مناصب رسمية، ومهرجانات ثقافية، ميزانية بعضها تتفوق على ميزانية بعض الدول الأفريقية، فماذا فعلتم للفن والفنانين؟ أي تقاليد ثقافية حقيقية كرستم؟ أي فراغات ثقافية ملأتم؟ غير أنكم زكيتم النظرة الرسمية القاصرة للثقافة والمثقفين، وأعطيتم، بصفتكم فنانين ومثقفين، شرعية إضافية لسلطة سياسية يفترض أنكم تكونون في طليعة الشرائح التي تعري زيفها وغشها وزورها وتزويرها؟ العزاء في أن التاريخ يشبه شرطيًا نائمًا، لكنه يسجّل كلَّ شيء.

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا تعلمنا من جيل الحرب اللبنانية؟

سوريا.. من عصر الطاغية إلى عصر الطغاة