ظلَّ تقديم الكعك والحلويات تقليدًا متجذرًا في الاحتفالات والمناسبات، إذ يُعبِّر عن الفرح والبهجة. ورغم ارتباط تحضير الحلويات في المجتمعات الإسلامية بعيد الفطر، إلا أن جذور هذه العادة تعود إلى العصور القديمة، حيث كانت تقدم كقرابين للآلهة في الطقوس والمناسبات الدينية، وهو تقليد ما زال مستمرًا حتى يومنا هذا بأشكال مختلفة.
الحلويات في بلاد الرافدين القديمة
في كتابه "الكيمياء والتكنولوجيا الكيميائية في وادي الرافدين"، يستعرض مارتن ليفي مظاهر الترف في بلاد الرافدين وأذواق سكانها. فخلال العصر البابلي الحديث، أي قبل حوالي 500 عام قبل الميلاد، اشتهر البابليون بصناعة أنواع متنوعة من الحلويات والمعجنات، ومن بينها "الكولوبو"، وهي حلوى مكونة من زيت السمسم والقمح المحشو بالزبيب أو التمر، والتي تشبه "الكليجة" العراقية الحالية.
رغم ارتباط تحضير الحلويات في المجتمعات الإسلامية بعيد الفطر، إلا أن جذور هذه العادة تعود إلى العصور القديمة
تكشف النصوص الطينية المكتشفة في معابد أوروك عن تفاصيل تتعلق بالكولوبو وقطع البسكويت المقلي والمحشو بالتمر، حيث ورد في أحد النصوص الطقسية: "تقديم 1200 قطعة بسكويت مقلية بالزيت إلى جانب الكعك المحشو بالتمر".
وكان هذا النوع من الكعك يُشكَّل غالبًا على هيئة الهلال أو القمر داخل المعابد، ورغم تغير أشكاله مع مرور الزمن، إلا أنه لا يزال جزءًا أساسيًا من احتفالات عيد الفطر في العراق، حيث يتم تناوله بحشوات مختلفة مثل الجوز والتمر.
أصل تسمية "الكليجة"
أما عن أصل تسمية "الكليجة"، فهناك عدة آراء؛ فمنهم من يربطها بوحدة وزن عباسية، بينما يرى آخرون أن أصلها إيراني، في حين يعتقد البعض أنها مشتقة من لغات بلغارية أو روسية أو أوزبكية.
حلويات أخرى من بلاد الرافدين
كما أورد مارتن ليفي وصفًا لأنواع أخرى من الحلويات التي ربما اندثرت، مثل "الموتاكو" المصنوعة من القمح والعسل وزيت السمسم، و"الكوبوسو" التي تأتي على شكل عمامة، بالإضافة إلى "ميرسو"، وهي خليط من العسل والتمر مع نوع من الزبدة.
الحلويات في الحضارة الفرعونية
أما في الحضارة الفرعونية، فتوضح النقوش أن المصريين القدماء كانوا يعدون الكعك في المناسبات الدينية ويقدِّمونه قرابين للآلهة. وقد اشتهرت النساء المصريات بصناعته على شكل أقراص مزخرفة برسومات، وأُطلق عليه اسم "القرص" لارتباطه الرمزي بقرص الشمس، وكان يُقدم للمعابد والكهنة كجزء من الطقوس الدينية.
الحلويات في حضارة المايا
في المقابل، نجد أن حضارة المايا في أمريكا الوسطى ابتكرت أقراص الشوكولاتة التي كانت تُقدَّم أيضًا للآلهة. وكان سكان المايا، الذين عاشوا في مناطق مثل غواتيمالا وهندوراس منذ نحو 500 عام قبل الميلاد، يعدّون حلوى تُعرف باسم "وانتيغوا"، والتي لا تزال تُصنع حتى اليوم في احتفالاتهم التقليدية.
وقد لا يكون من المستغرب أن تُعرف بذور الكاكاو لأول مرة باسم "طعام الآلهة"، وهو مصطلح أطلقه عالم النبات السويدي، مستندًا إلى التسمية الأصلية "Theobroma cacao" التي استخدمها سكان المايا.
المكونات الأساسية للحلويات عبر التاريخ
عند التأمل في مكونات الحلويات عبر التاريخ، نجد أنها ارتبطت بالموارد الزراعية المتاحة، حيث اعتمدت على التمر، العسل، الزبدة، الطحين، والمكسرات، وهي مكونات لا تزال أساسية في صناعة الحلويات الحديثة.
الحلويات التقليدية في العيد بالدول العربية
أما عن الحلويات التقليدية التي تُقدَّم في العيد في مختلف الدول العربية، فيأتي على رأسها المعمول أو كعك العيد، الذي يُحشى بالتمر أو المكسرات مثل الجوز والفستق الحلبي أو الحلقوم، ويشتهر في لبنان، سوريا، الأردن، السعودية، فلسطين، العراق، ومصر.
وفي الجزائر، يُحضّر المقروط وحلوى النقّاش، المشابهة للكليجة العراقية في شكلها ومكوناتها. أما في تونس، فتبرز حلويات الصمصة، المقروض، وكعك الورقة ضمن أطباق العيد التقليدية، بينما تعتبر حلوى كعب غزال من أشهر الحلويات المغربية الخاصة بعيد الفطر.
وفي موريتانيا، تتميز المائدة بحلويات مثل اللقيمات، البوتايا، والشباكية. ورغم اختلاف التسميات والتقاليد، فإن الحلويات التي تُقدَّم في الأعياد تكاد تكون متشابهة بين الدول العربية، مثل البقلاوة، القطايف، والغريبة، التي تُعرف في المشرق كما في المغرب العربي.
تشابه الحلويات عبر الثقافات
ورغم اختلاف التسميات والتقاليد، فإن الحلويات التي تُقدم في الأعياد تكاد تكون متشابهة بين الدول العربية، مثل البقلاوة، القطايف، والغريبة، التي تُعرف في المشرق كما في المغرب العربي. كما أن هذا التشابه يمتد إلى الأعياد المسيحية واليهودية، حيث تُصنع حلويات خاصة تتوارثها الأجيال، مستمدةً أصولها من تقاليد المنطقة العريقة.