08-نوفمبر-2016

مقطع من لوحة لـ سعد يكن/ سوريا

ماذا تريدْ؟
أتريدُ أنْ تغوي الحياةَ ببسمةِ الطفلِ الشريدْ
أتريدُ أنْ تخضرَّ عشبًا والملوحة في عروقكَ
كلّستْ حتى سمومَ الهمّ في النوكتين 
هل تدري بأنّ دخانَ تبغكَ طيفُ أهلكَ 
ربمّا أنتَ احتراقُ التبغِ تسحبهُ وتسجنُ بعضهُ
وتبثُّ باقيَـكَ الطليقَ ليمنحَ الأفقَ المديدَ
هديّةَ القربانَ 
لا تقلقْ فقدْ يبنونَ قبركَ داخلَ الروضِ الرغيدْ
لنْ يشربوكَ وأنتَ رطبُ القلبِ
سوفَ يحمّصونكَ كي تنكّهَ ثغرهمْ
يا قهوةَ الضيفِ البعيدْ
ماذا تريدْ
أتريدَ أنْ تتنفّسَ الأحلامَ من غدكِ الملوّثِ بالغبارِ المستثارِ 
من الحوافرِ بالسباقِ الطائفيّ
تريدُ معجزةً ووحيًا واقعيًا عاجلًا ليـفلترَ الأحلامَ من هذا الغبار
أما تعبتَ من الكلامِ؟ ومنْ تكـلّمُ؟ من سيسمعُ؟
أنتَ وحدكَ لمْ تمتْ لتكلّمَ الأمواتَ عن صدأ العظامِ
ولم تعشْ لتكلّمَ الأحياءَ عن رؤيا المنامِ
كأنكَ المجنونُ ذو العقلِ المدبّرِ
أو بخورِ الحرملِ المنثورِ في نار المعبّرِ
من عدوّكَ؟
لا تقلْ لي حاقدٌ قد جاءَ من كتبِ اليهودِ
ولا تقلْ لصٌّ قديمٌ جاءَ يسرقُ منكَ ميراثَ الجدودِ
عدوّكَ السمُّ الذي يسري بذيلِ عقاربِ الساعاتِ
قفْ زمنًا لوحدكَ خارجًا من كلّ شيءٍ هادئًا
نمْ قمْ تحرّكْ، أنتَ في بلدٍ أمينٍ ليسَ يوتوبيا
ولا الفردوسُ، أنتَ على بساطِ الحكمةِ العمياءِ
فامشِ ولا تخفْ، هذا المكانُ يكوّرُ الماضي 
على ظهرِ الغدِ الآتي فيصطحبان.
- صوتٌ قال: لا تقلقْ تعالَ
- نداءُ طفلٍ جالسٍ فوقَ البساطِ بكفّهِ نايٌ
- أتيتُ فقالَ لي: أفرغْ من الرئتينِ كلّ هوائـكَ
الماضي وخذْ نفسًا عميقًا هادئًا واسمعْ ترانيم الخلودْ.
الآنَ صرتَ محررًا من كل أشكالِ القيودْ
الآنَ أمسكتَ المياهَ وما تبخّرَ من دموعِ الأنبياءْ
الآنَ أنقذتَ الغريقَ ببحرِ روحكَ واكتشفتَ خريطةَ الكنزِ الخبيئةَ
في تعاريجِ السماءْ.
- تابعْ مسيركَ لا تخفْ ، قال الصبيّ
مشيتُ فانكشفتْ جهاتي كلها في لحظةٍ آنيّةٍ
قدْ أصبحتْ عيناي تاجًا دائريًا 
عن يميني محرسٌ لمدينةٍ أثريّةٍ أبوابها من فوقِ 
تفتحُ كلما سقطتْ عليها تمرةٌ من نخلةٍ علويةٍ 
وعن اليسارِ بحيرةٌ حمراءُ تملؤها المدينةُ من أنابيبٍ ممددةٍ
ومن خلفي جبالٌ سبعةُ تمشي على ظهرِ الجمالِ
النورُ، ثورٌ، طارقٌ، أحدٌ، عسيبُ، الطورُ، سابعُها
جديدٌ لم يسمّى بعدُ، قمّتهُ لها ريشٌ يفيضُ النورُ من ألوانهِ
ومن الأمامِ الدربُ يجذبني إلى صوتٍ يقولُ:
ستبلعونَ الليلَ حتّى تظلموا
وتحاربونَ الزهرَ حتى تـُـهزموا
وتغادرونَ النبعَ حتى تظمؤوا 
وتراقصونَ الموجَ حتى تهدؤوا
من بعدها تجدونَ لؤلؤةً تُضيءُ مسيركمْ
- لكَ أنْ تراها الآنَ فامشِ بخفةٍ مثل النسائمِ
- هل تراها الآن؟
- لا أدري أهذي لؤلؤةْ؟
أمْ هذهِ عينٌ لأمي؟
- هذهِ مشكاةُ قبرِ أبيكَ
- أينَ أبي؟
أبوكَ الآنَ نام بغيمةٍ شتويّةٍ غسلتْ بقايا الزيزفون
أبي ظلالكَ في حقولِ القمحِ
في فروٍ يجيءُ من الغروبِ إلى غناءِ الشاي في جمرِ المواقدِ
في خضارِ البائعِ الجوالِ
في حجرِ التلالِ
وفي انهياري من نهاري
دونَ وجهكَ 
أينَ وجهكَ؟
أينَ أنظرُ؟
لا أرى إلا عيونكَ حاولتْ ألاّ تعجّـلَ لي دماري.
مدّ لي من شعرِ حاجبكَ الكثيفِ حصيرةً أرتاحُ فيها يا أبي
قد عدتُ من رعي الخرافِ على طريقِ التلّ
أينَ التلّ ؟ أينَ الخانُ؟
أينَ تبخّرَ الأعمامُ في ذاكَ الطريقِ الضيقِ المتمزّقِ
المفتوحِ نحو الذكرياتْ
مَنْ أورثوني دورةً دمويّةً من نفحةِ الناياتْ
مَنْ أورثوني الخوفَ من نظري إلى المرآةْ
مَنْ أورثوني البيتَ، بيتَ الشعرِ أركضُ نحوهُ 
هربًا من الأمطارِ في سحبِ العواطفِ
زمّليني يا حروفُ ودثريني بالبلاغةِ 
هدّئيني كلما ارتجفتْ غصونُ الشوقِ في شجرِ الفؤادِ
وقطّـريني نقطةً أصفى وأنقى من ندى الأزهارِ
ولْيمتصّني ورقُ الدفاتر ِفي صباحٍ مدرسيّ هادئٍ
وليكتبِ الطلابُ أغنيةَ الحمامِ بحبرِ قلبي ثمّ يهدوها
لعشّ الشمسِ في أفقِ الغروبِ عسايَ أشرقُ من جديدْ
أنا نقطةٌ قد خزّنتْ كل البحار وحكمةَ الأمطارِ
فلأسقطْ على عطشِ الحقيقةِ علّني سأريحُ مصباحَ
الفلاسفة القدامي من لهيبِ الزيت أو أنهي التناقضَ في الحياةْ
أنا نجمةٌ ضاعتْ بليلِ الأغنياتْ
أنا نصفُ حرفٍ في مناغاة الرضيعْ
أنا شامةٌ في وجهِ أمي غسّلتها بالدموعْ
وأنا السنونو الغائبُ المنفيّ لي عشٌّ بزاويةِ الجدار
متى ستقبلُ يا ربيعْ؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

أحلام ما بعد منتصف الطريق

مثل ثور معصوب العينين