متى تصبح مغادرتك لفريقك خيانة؟
14 يونيو 2025
يمكن للاعب أن يخرج من أكبر أبواب فريقه، ويمكن أيضًا أن يخرج من الباب الخلفي، وكأنه لم يكن بين صفوف لاعبيه. وتعتمد صورة الخروج تلك على كيفية خروجه من النادي، وكيف تقبلتها الإدارة، والأهم من الإدارة هو تقبُّل الجماهير لها أم لا، لأنهم رأس مال أي فريق في نهاية المطاف.
تتعقّد الأمور عندما يخرج لاعب محبوب من الجماهير بصورة مثيرة للجدل، من فريقه بشكلٍ يراه البعض خيانة، دون أن يضعوا في الاعتبار أن بعض اللاعبين يُعاملون هذه الرياضة كعملٍ بدوامٍ كامل، ومن حقه أن يطمح لما هو أفضل له، سواء من الناحية المادية أو الفنية.
علاقة الجماهير باللاعب ترسم صورة خروجه
"أنا مجرد فتى من ليفربول، وحققت حلمي للتو"، كان هذا كلام ترينت ألكساندر أرنولد بعد فوزه بدوري أبطال أوروبا 2019 مع ليفربول.
تظل علاقة الجمهور باللاعب أعمق من مجرد 90 دقيقة على أرضية الملعب. ويزداد الرابط مع مرور المواسم، الصعبة قبل السهلة، ومع وصول البطولات واستمرار الأداء الجيد، ومع كل تصريح يخرج به اللاعب عن حبه للمدينة وللقميص الذي يرتديه كل أسبوع مع فريقه. يُصبح اللاعب أيقونة بالنسبة للجمهور، ولا يتوقع أحد منهم أن يخلع القميص لصالح فريقٍ آخر، وذلك بسبب حبهم له ولِما يقدمه لناديهم أكثر من أي شيء آخر.
تتعقّد الأمور عندما يخرج لاعب محبوب من الجماهير من فريقه بشكلٍ يراه البعض خيانة، دون أن يضعوا في الاعتبار أن بعض اللاعبين يُعاملون هذه الرياضة كعملٍ بدوامٍ كامل
صميم هذه العلاقة، على أرض الواقع، هو الاستثمار. يُغنّي الجمهور للاعب ويشجّعه، بل ويدافع عنه إن لزم الأمر، أملًا في أن يظل اللاعب في الفريق ويقدّم أفضل مستوياته حتى نهاية مشواره، وينسون أن هذا اللاعب مُحترف، وله مسيرة يريد أن يُحدّدها هو بنفسه، مما قد يضع الضغط عليه قبل خروجه من ناديه، خوفًا من ردة فعل الجماهير على خبر خروجه.
أشكال الخروج التي لا تُرضي الفريق
توجد طُرق للخروج من الفريق قد لا تُثير الغضب، ويحترم المشجعون القرار ويظلون خلف اللاعب خارج أسوار ناديهم، وهناك طُرق أخرى قد تقضي على هذه العلاقة، وتَسم اللاعب بـ"الخائن" مهما كانت أسبابه. وهذه الطُرق قد تُثير الأعصاب أكثر من غيرها.
الخروج المجاني دون أي منفعة للفريق
فتح انتقال ألكساندر-أرنولد إلى ريال مدريد، بالمجان، النيران عليه من قبل جمهور ليفربول. رأى الجمهور أن عدم تمكين النادي من الحصول على مبلغ مالي مقابل خدمات اللاعب خيانة في حد ذاتها، خصوصًا أن أرنولد كان المرشح القادم لخلافة قائده في المستقبل، وخرج من أكاديمية النادي، ويمتلك كل الصفات التي تجعله النجم الأول للفريق بعد بضعة أعوام.
ماطل أرنولد في مفاوضات التجديد مع الفريق منذ عامين، وقضى العام الماضي في مناقشات مع إدارة النادي، لكنه كان قد اتخذ القرار مسبقًا، وهو الذهاب إلى ريال مدريد بالمجان بعد نهاية عقده، الذي لم يُجدده حتى يتسنى لريال مدريد الحصول على خدماته دون مقابل، كما فعل قبله كيليان مبابي، الذي رأى جمهور باريس أنه خائن، مثل زميله الجديد.
يتحول اللاعب إلى منبوذ من ناديه عند الخروج بهذه الطريقة، إذ يرى المشجعون أنه المستفيد الوحيد من هذه الصفقة، فلم يسمح لفريقه بالتربح من ورائه، ولن يستطيع النادي تعويضه بلاعبٍ آخر، بالأخص إذا كان لاعبًا عالي الطراز.
الخروج إلى المنافس المباشر
تعرف أن مغادرتك إلى الفريق المنافس أمرٌ خاطئ، بالأخص عندما تجد رأس خنزير تُرمى عليك في أول مواجهة لك ضد فريقك القديم. هذا ما تعرض له لويس فيغو، الذي ترك برشلونة لينضم إلى ريال مدريد، غريم فريقه الأول.
يعرف فيغو وغيره من اللاعبين الذين انضموا إلى الغريم أن هذا ليس انتقالًا طبيعيًا، خاصةً بالنسبة للمشجعين. استثمر عشاق النادي مشاعرهم في نجم فريقهم، الذي صار ولاؤه للغريم، بعد أن كان يُمثل روح فريقهم في الماضي، وأصبح ملكًا للفريق الذي تعلمت الجماهير كراهيته منذ الصغر لأي سببٍ كان.
يواجه اللاعب "الخائن" هجومًا مستمرًا قد يمتد طوال مسيرته، ويصبح الأمر أصعب مع وجود منصات التواصل الاجتماعي. ولكن يتغير الأمر من نادٍ إلى نادٍ؛ فأندية مثل أرسنال وتشيلسي بينهما عدد كبير من اللاعبين، وكذلك دورتموند وبايرن، وتكون الأمور أقل حدة، على عكس الانتقالات بين قطبي ميلان، أو بين ريال مدريد وبرشلونة.
مُعضلة "الجسر" لتفادي النيران
تلجأ بعض الأندية إلى استخدام نادٍ آخر كمحطة، ممهدةً لوصول لاعب من الفريق المنافس إليها. تُشتهر هذه العملية في مصر بـ"الكوبري"، وهي كلمة عامية لـ"جسر"، واشتهرت بين ناديي الأهلي والزمالك، وهما الأكبر في الدوري المصري الممتاز.
تُستخدم هذه الطريقة لتقليل حدة رد الفعل، خصوصًا لو كان خصمًا مباشرًا، وعادةً لا تحدث بين الأندية الأوروبية الكبيرة. وأحدث مثال لها كان انتقال إمام عاشور من الزمالك إلى الأهلي، حيث انضم إلى نادي ميتلاند الدنماركي، ولعب سبع مباريات، ثم ذهب إلى الأهلي بعدها في انتقال كان متوقعًا من الجميع.
يستفيد الناديان من هذا الانتقال، فإدارة ناديه الأول غير مستعدة لمواجهة الجمهور إن باعته للنادي الخصم، وناديه الجديد يحاول تقليل حدة هجوم جماهير الفريق الأول، الذي لا ينسى في كل الأحوال، وسيُهاجم لاعبه القديم ويسمه بالخائن في كل الأحوال.
ولا تنطبق هذه القاعدة على بعض الانتقالات الشهيرة، مثل مايكل أوين الذي انضم إلى مانشستر يونايتد في نهاية مسيرته، مع العلم أنه كان نجم ليفربول الأول في بداياته، وهذا لأنه لعب لريال مدريد ونيوكاسل قبل أن ينتقل إلى "مسرح الأحلام"، ولم يكن خيارًا بالنسبة لمانشستر وقتها من الأصل.
كرة القدم: مهنة أم لعبة
يظل الخيط النحيف بين الخيانة والطموح أصغر من أن يراه الجمهور، وذلك لأنهم ينظرون إلى الأمر من ناحية عاطفية أكثر من اللاعب. ينظر اللاعب إلى انتقاله على أنه خروج للبحث عن ما هو أفضل له، سواء من ناحية مادية أو كإضافة لمسيرته الكروية، وليس بالضرورة خيانة يسعى بها إلى كسر جمهورٍ سانده طوال مسيرته.
