07-ديسمبر-2016

رجل مصري يقرأ صحيفة ورقية في منطقة الأقصر السياحية (الأناضول)

من يريد أن يقضى على الصحف المصرية؟ لا أحد يملك الإجابة. ولا أحد أيضًا يريد حجبها أو مصادرتها، لكنها تتبرع بقول ما تريد السلطة أن تقرأه، وليس ما ينفع الناس ويمكث في الأرض. في الشكل، لم يحمِ كل هذه الصحف من الحملات الشرسة، أو يضمن لها دعمًا من الدولة بل جعلها تواجه المدافع وحدها وما يتربص بها من السلطة ورجالها، حتى أبلغت "مؤسسة الأهرام"، الحكومية الصحف بزيادة أسعار الطباعة بنسبة 80%، وهو الرقم الذي جاء صادمًا للجميع.

أبلغت مؤسسة الأهرام الحكومية الصحف بزيادة أسعار الطباعة بنسبة 80%، وهو الرقم الذي جاء صادمًا للجميع

وفي المضمون، تواجه هذه الصحف، أزمة قارئ. يشكل استقطابه جهدًا لا ترتقي إليه "ماكينات" التحرير واستراتيجيات إداراتها، فهي وإن توافقت لمرة واحدة مع القارئ، يكون توافقًا عرضيًا، لا يقترب من مشاكله.

وتواجه غالبية صحف القاهرة مخاوف من شبح الإغلاق، أو مضاعفة أسعارها. ستظل المشكلة قائمة خاصة لأن الصحف لا تباع، فأكثر صحيفة خاصة توزّع في مصر، هي "المصري اليوم"، ولا تزيد أعداد النسخ المباعة منها عن أربعين ألفًا، وهو رقم ضئيل جدًا نسبة إلى سكان القاهرة.

اقرأ/ي أيضًا: تجميل داعش في الصحف المصرية

وتأتي في المركز الثاني صحيفة "الوطن" بعدد مبيعات يصل إلى 25 ألف نسخة، وفقًا لإحصاءات "الأهرام"، وتصدر صحف لا وجود لها، لكن تحتفظ بشرف المحاولة، وهي "اليوم السابع" و"البوابة" و"الدستور" و"الشروق". ولا تموّل الصحف المصرية بالإعلانات أو المبيعات، إنما بالمال السياسي، الذي تضخه دول صديقة لمصر، أو رجال أعمال، وهو ما يخلق الآن حالة من التداعي، فكلها تواجه خطر الإغلاق، والاكتفاء بنسختها الرقمية (الأونلاين).

لكن ما هي أسباب ارتفاع أسعار الطباعة؟. حدّد خطاب "الأهرام" السبب في أمرين. الأول، تضاعف سعر الدولار أمام الجنيه، والثاني، زيادة فواتير الكهرباء. وقال نصًا: "المطابع تطالب مسؤولي الصحف بتفهم الموقف الحالي للمطابع وأسباب هذا القرار، وعليكم إرسال موافقة كتابية، على ما تقدم من طلب رفع أسعار الطباعة بنسبة 80%، حيث كان سعر الدولار قبل عدة أشهر نحو 7.68 جنيهًا فيما ارتفع الآن ليسجل 17.5 جنيهًا بنسبة زيادة قاربت 140% وهو ما مثل قوة ضاغطة على عناصر التكلفة من لوازم إنتاج ممثلة في خامات وقطع غيار يتم استيرادها من الخارج، فضلًا عن توالي الزيادات السنوية في سعر الطاقة الكهربائية، إضافة إلى عناصر الإنتاج ممثلة في القوى العاملة".

لا تموّل الصحف المصرية بالإعلانات أو المبيعات، إنما بالمال السياسي، الذي تضخه دول صديقة لمصر، أو رجال أعمال

وفقًا لتسريبات من داخل إدارات الصحف، فإن "المصري اليوم" و"الوطن"، المملوكتين لمجموعة رجال أعمال مصريين، ستكتفيان بتقليل عدد النسخ المطبوعة مع رفع سعر النسخة إلى ثلاثة جنيهات. بينما ستقلص "اليوم السابع" عدد النسخ المطبوعة، وتفكر "البوابة"، المموّلة إماراتيًا، في إغلاق طبعتها الورقية إذا لم تجد مموّلًا من رجال الأعمال يتحمّل فرق التكاليف، ولا تزال "الشروق" في مرحلة متقدمة من مفاوضات نقل ملكية الصحيفة إلى "بارون الإعلام" الجديد، أحمد أبو هشيمة، وتسري أنباء تؤكد انتهاء صفقة بيع "الدستور" إلى رجل أعمال لم يعلن اسمه. ولن تنتهِ الإجراءات التي ستتخذها الصحف لتحصين نفسها عند هذا الحد، وفقًا لتوقعات الخبراء المصريين.

اقرأ/ي أيضًا: تلك الزوايا بالصحف المصرية

وتدرس سلطات القاهرة، ومجالس إدارات الصحف، بتوجيه سياسي، تحويل أغلب إصداراتها إلى مواقع إلكترونية توفيرًا للنفقات. خصوصًا أنها تمثل إهدارًا للمال العام لأنها لا توزع ولا تحصل على إعلانات تسدّ مصروفاتها. "الأهرام" تتجه إلى الاكتفاء بإصدار الصحيفة اليومية، وتحويل الإصدارات الأسبوعية، التي تتراوح ما بين صحف "تابلويد" ومجلات، إلى مواقع. "الأخبار" كذلك، يدرس رئيس مجلس إدارتها ياسر رزق الاكتفاء بثلاثة إصدارات ومنع صدور أي إصدار لا يحقق تكاليف طباعته. أمّا "روز اليوسف" فتملك مطبعتها الخاصة، وتخطط للتحوّل إلى موقع إلكتروني واسع النطاق على المدى البعيد. و"الإذاعة والتلفزيون"، التابعة لـ"ماسبيرو"، تواجه مشكلات مالية عاصفة تهدد استمرارها.

وهناك اتجاه قوي لدى الصحف الأسبوعية المصرية الخاصة، محدودة التكاليف والإمكانيات، إلى الاكتفاء بمواقعها الإخبارية، وطي الصفحات المطبوعة للأبد، وأبرزها: "الخميس" و"الموجز" و"اليوم الجديد". وهو ما دفع نقابة الصحفيين المصريين إلى اقتراح على لسان سكرتيرها جمال عبد الرحيم، يدعو جميع الصحف إلى "إنشاء شركة مساهمة"، تتولى إنتاج مستلزمات الطباعة محليًّا، منعًا لاستيرادها بتكاليف مرتفعة. لكن الاقتراح لم يجد صدى ولا قبولًا، ويرجّح أن يكون ذلك بسبب الأزمة المالية التي يمرّ بها الإعلام المصري.

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. صلوات الصفحات الأولى في حرم آل سعود

صحف مصر توحد هجومها ضد الإخوان.. اسألوا المخابرات!