16-يناير-2018

يعتقد محمد بن زايد بالخراب هدفًا (Getty)

بعد أشهر مضت على فرض الحصار وحرب التلفيق الإعلامي وتحالف الرشاوى وشراء الذمم الدبلوماسية على عتبات اليمين الحمائي"البانوني" في واشنطن وردائفه من الفاشيات المتصاعدة أوروبيًا، دون نسيان "جزية القرن" المجبية لترامب في الرياض وتبعاتها بشان المزاد العلني على تصفية القضية الفلسطينية مرة وللأبد، يعود حلف خراب أبوظي-الرياض ليجد نفسه أمام متباينة صفرية بشأن حصار قطر، كما  الحال في ملفات خراب متعمد وممنهج أخرى في الأرض العربية للحلف عينه.

 في عقيدة حلف أبوظبي-الرياض وعقدته، الخراب والإبقاء على تحجر الزمن العربي هو الهدف وليس الوسيلة!

من جديد تتمخض جولات محاولة استعادة عافية الحصار عن مسلكيات كيدية مستجدة، هذه المرة في سماء الخليج العربي، بادعاءات إماراتية عن اعتراض طيرانها المدني لم تحقق ما أمل وعمل ملفقوها على إنجازه. إذ قبل التجاهل وعدم الموثوقية من الأجسام الدولية المعنية، التي للمناسبة استقبلت توجه الدوحة بشأن الخرق الحربي للأجواء القطرية، صفعت هذه الادعاءات بإخماد أمريكي مبكر لما عول عليها من نيران، عبر رفض تبنيها، أو حتى تصديقها، كما أوضحت تحركات البيت الأبيض. فيما يبدو أنه إعادة إنتاج لمنهجية أمريكية كلاسيكية تتعلق بضبط الأزمات لا حلها، خاصة في ظل شروط التوازن المؤسسي المستوعب لحقيقة خلفية الادعاءات ضد الدوحة والواعي لآفاق التصفيق الترامبي الموسمي لحلف الرياض، أمام كساد مسننات الإنتاج الحربي والمحركات العملاقة في درة تاج نوستالجيا اليمين الحمائي، ديترويت.

لم تكن تجربة حصار قطر برمتها تلك المغامرة الصيفية التي يمكن لمحمد بن زايد الانتهاء منها بدزينة من الوصلات المتلفزة، أو ورشة فبركة معارضة وتصنيع معارضين

اقرأ/ي أيضًا: تركيا وإيران.. درس عقلاني لا يفهمه تلاميذ بلير 

بين أبرز ما يمكن التقاطه من مسلكيات رعاة الثورات المضادة و"الصلح"/التطبيع العلني في أبوظبي أن هناك خذلانًا شاسعًا على مستوى تقييم الطاقات والقدرات. أي أن لدى محمد بن زايد ثقة زائدة وغير مبررة وتشويش في التفريق بين الممكن والمأمول. فتبني بروباغندا "ما بعد فيسبوكية" بشأن شغف الإمارة بالفنون، مشروع لوفر أبوظبي ولوحة ابن سلمان بأموال "مكافحة الفساد" مثال أخير، والادعاء الغرائبي برعاية "العلمانية" كأنها موجة غرافيتي، والاستناد على الاعتقاد بكونية أبوظبي سياسيًا وثقافيًا، بما يمنح من استثمارات أمنية لمتقاعدي الجيش الإسرائيلي، أو لأرتال من مشاريع حصد الجوائز لكتبة كل الأنواع الأدبية ذات الجوائز وشعراء "لا تجعل مفكرتك خالية من قصيدة حنين لأبوظبي". كل هذا، رفقة "تكنيكات" توني بلير ومحمد دحلان وألف ليلة وليلة يوسف العتبية، وسيل الأموال والاستخبارات المهدورة على درب هدر المصائر العربية لم يمنح سيد التخريب المطرقة الكبرى التي لا يستوي حال ما بعدها عما سبقها. الطريق بعيد جدًا عن أن تكون أبوظبي عاصمة قرار وإعادة رسم خرائط راسخة، فما استطاعت التميز فيه إلى الآن هو أن تكون عاصمة لتجارة الرقيق والتجسس الإلكتروني، على مواطنيها أولًا، والمعتقلات السرية كما تمويل كارتلات معاداة الديمقراطية بالجملة.

مع الالتزام الحرفي بسيناريو الحصار ضد الدوحة عزز بن سلمان الاعتقاد لدى بن زايد بالطاقة المطلقة، لكنها طاقة إخضاع الحلفاء والتوابع!

لا شك أن خضوع ولي العهد الصاعد "الهائج" محمد بن سلمان وركونه ضمن عباءة محمد بن زايد، كان قد أعطى الأخير تربيتة "لولا الأمل لانفطر الفؤاد". مع الالتزام الحرفي بسيناريو الحصار ضد الدوحة عزز بن سلمان الاعتقاد لدى بن زايد بالطاقة المطلقة، لكنها طاقة إخضاع الحلفاء والتوابع أكثر منها طاقة استراتيجية مؤسسة لقلب الخليج العربي إلى ساحة عبث إماراتي مفتوحة كما سبق وتقدم في الأقطار العربية التي أحبط وحوصر التحول الديمقراطي فيها.

اقرأ/ي أيضًا: الاحتيال السعودي والأسد الذي لم ينتصر

باستطلاع طبائع المواقف من السيناريوهات الإماراتية يتضح أن محمد بن زايد كان يعوزه أكثر بكثير من الدراسة للبيئة التي قرر تنشيط خرابه فيها، فلم تتساوق عُمان مع إيقاع عبثه الذي راق البحرين والرياض، ولم تسعفه الكويت في مسعى تعميم إطلاق فانتازيا الدمار. أما في حربه وحرب ابن سلمان في اليمن فتجريم مشروع استعمار أبوظبي موانئ البلاد وجزرها وزرع السجون السرية فيها لا يحتاج مزيدًا من المصادر والإشارات عليه. بينما لا يغيب السخط التونسي على التلهي الإماراتي المحموم ضد ديمقراطية الحد الأدنى الناشئة في البلاد، كما لا تغيب مساعي أبوظبي في تعميم قبول بقاء بشار الأسد التي لم تنقطع منذ البدايات المبكرة للثورة التي أحيلت حربًا ماحقة. أما فيما يتعلق بالجيران الطبيعيين التاريخيين للعرب، تركيا وإيران، فلم تسفر مغامرة "المحمدين" ابن زايد وابن سلمان ضد قطر سوى إلى مزيد من الانفتاح التجاري ومراعاة حسن الجوار واحترام الاستقلالية المتبادل بينهما وبين الدوحة. كما لم تكن تجربة حصار قطر برمتها تلك المغامرة الصيفية التي يمكن الانتهاء منها بدزينة من الوصلات المتلفزة. أو ورشة فبركة معارضة وتصنيع معارضين كانت آخر فضائح إخفاقها قضية اختطاف عبدالله بن علي آل ثاني. إذ جاءت محاولة التصعيد الإماراتي الأخيرة ونقل حربها المعلنة ضد قطر إلى الأجواء تذكيرًا لا بأس به لمحمد بن زايد بأن بضاعته بما فيها من بروباغندا لم تلق السوق المأمول لا أوروبيًا ولا أمريكيًا وأن حروب الاستعداء الكيدي، على بشاعة أثمانها، ترتد على عواقبها. وتنويهًا بشأن عقيدة حلف خراب أبوظبي-الرياض وعقدته، أن الخراب وإبقاء الزمن العربي متحجرًا هو الهدف وليس الوسيلة!

 

اقرأ/ي أيضًا:    

كي لا نُخدع بنصرٍ آخر

لماذا يتحدث دحلان؟