15-سبتمبر-2018

أطلق الإعلامي المصري محمد الباز دعوة قتل صريحة لثلاثة من الشخصيات المعارضة للنظام المصري (صحف مصرية)

التحريض على العنف ودعوات القتل المفتوحة سمة تميز بها الإعلام المصري في السنوات الأخيرة، غير أن هذا التحريض وهذه الدعوات عادة ما تكون عمومية دون تحديد لأسماء الضحايا المحتملين، لذا كان ما فعله الصحفي المصري محمد الباز في برنامجه التلفزيوني، تأسيس لمرحلة جديدة في التحريض ودعوات القتل في الإعلام المصري.

التحريض العمومي على العنف سمة ميزت الإعلام المصري، لكن كان أمرًا جديدًا دعوة القتل الصريحة التي أطلقها الإعلامي محمد الباز ضد أيمن نور

حرض الباز في إحدى حلقات برنامجه على بشكل صريح على قتل لثلاثة أشخاص هم: أيمن نور زعيم حزب غد الثورة ورئيس مجلس إدارة قناة الشرق المعارضة التي تبث من تركيا، ومعتز مطر المذيع بنفس القناة، ومحمد ناصر المذيع بقناة مكملين المعارضة التي تبث من تركيا أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلام المصري.. خارطة مشبوهة

وتأتي دعوة الباز هذه بعد نحو خمسة أشهر من تهديد سابق للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خص به القنوات الفضائية في الخارج، في أيار/مايو 2018، حيث قال: "والله كله ليتحاسب".

تحريض الباز

تاريخ الباز يكشف عن علاقاته الواسعة بالأجهزة الأمنية المصرية، منذ سنوات طويلة، فكان هو أول من فكرت فيه الأجهزة الأمنية ليتولى رئاسة تحرير صحيفة حزب الغد خلال فترة الصراع بين أيمن نور مؤسس الحزب ونظام مبارك.

لاحقًا، وإلى جانب عمله في التدريس بكلية الإعلام، تولى الباز رئاسة تحرير صحيفة البوابة التي كانت تتلقى تمويلًا إماراتيًا عن طريق رئيس مجلس إدارتها عبدالرحيم علي. ثم مع الصدام الذي حدث بين علي وبعض الأجهزة الأمنية وصولًا لمنع الصحيفة من الطباعة، انسحب الباز بشكل مفاجئ من رئاسة تحريرها قبل تفاقم الأمور، ثم أعلن عن شراء صحيفة الدستور في صفقة تردد أن من ورائها الأجهزة الأمنية.

هذه السيرة المهنية تضع الباز في مكانة مختلفة عن غيره من الإعلاميين المعروفين بصراخهم المستمر، لذا فإن دعوة القتل التي وجهها عبر شاشة برنامجه، ليس كصراخ أحمد موسى مثلًا. يبدو أن الباز أكثر قيمة لدى الأجهزة الأمنية من أحمد موسى، ولأحاديثه اعتبارات أخرى خلاف الخطب الشعبوية.

قال الباز في برنامجه "90 دقيقة" على شاشة المحور: "لو فيه حد مصري يطول معتز مطر أو أيمن نور أو محمج ناصر، يقتلهم". ولم يكتفي بذلك، بل أضاف: "لو هتقولي إنت بتحرض على القتل، فنعم أنا بحرض على القتل. وإذا أتيح لأحد أن يقتلهم فليفعل"!

أما ردة فعل أيمن نور فكانت أن ألقى الكرة في ملعب الأجهزة الأمنية، بأن تقدم ببلاغ لمكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، للتحقيق في الواقعة.كما قرر تقديم بلاغ للنائب العام للنظر في الأمر والتحقيق فيه.

وأصدر المرصد العربي لحرية الإعلام، بيانًا يدين التحريض على قتل أيمن نور ومعتز مطر ومحمد ناصر، محملًا الإعلامي محمد الباز مسؤولية أي ضرر يتعرض له الثلاثة، مطالبًا الجهات القانونية المصرية بالتحقيق في الأمر. وأورد البيان نصوصًا دستورية وقانونية تقضي بضرورة فتح تحقيق في التحريض.

التحريض ودعوات القتل

دعوات التحريض علي القتل لم تكن جديدة على الإعلام المصري كما ذكرنا، ولكنها هذه المرة صريحة، وتخص أشخاصًا بشكل مباشر. ومنذ ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011، ودعوات التحريض على العنف منتشرة وبكثرة، ومن مختلف وسائل الإعلام ومن مختلف الاتجاهات. وانتقلت من التحريض على القتل أو الاعتداء، إلى انتهاك الحياة الشخصية والدعوة للتجسس على المواطنين. 

وكانت أبرز تلك النماذج، المذيعة رشا مجدي والتي اتهمت بالتحريض ضد الأقباط في تشرين الأول/أكتوبر 2011، فيما عرف بـ"أحداث ماسبيرو"، تلك الأحداث التي راح ضحيتها نحو 30 مصريًا أغلبهم من الأقباط، بعد اشتباكات بين متظاهرين من الأقباط وقوات الشرطة العسكرية  أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون في ماسبيرو. ودعت المذيعة على الهواء المواطنين بالتوجه إلي مبني الإذاعة والتلفزيون لحمايته من الهجوم القبطي. 

التحريض أيضًا كان للدولة يد فيه بشكل مباشر، ففي حزيران/يونيو 2012، بثت القنوات الرسمية إعلانًا تحذيريًا لمواجهة "الجواسيس"، وظهر في الإعلان جلوس بعض النشطاء السياسيين مع جاسوس أجنبي، ومن خلفهم شعارات ثورة يناير، وبعد هجوم على الإعلان تقرر وقفه، واعتبر البعض أنه تحريض ضد النشطاء وتقليبٌ للرأي العام عليهم.

كذلك عرفت القنوات الدينية التي تحولت لمنابر سياسية بعد الثورة، الكثير من التحريض ضد المتظاهرين في الأحداث الكبرى بعد الثورة، مثل محمد محمود وأحداث مجلس الوزراء. وكانت تلك القنوات آنذاك ذراع الأجهزة الأمنية، فنشرت من خلالها مقاطع فيديو موجهة ضد المتظاهرين، كما بزغ نجم العديد من الوجوه الإعلامية عبر تلك القنوات، من المحرضين على المتظاهرين خلال تلك الفترة.

وفي عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، ظهرت دعوات قتلٍ وتحريض أيضًا عبر القنوات الدينية أو بعض القنوات المؤيدة للنظام آنذاك. وقد افتى محمود شعبان، أحد أبرز الوجوه المؤيدة للإخوان، آنذاك، بقتل قيادات جبهة الإنقاذ المعارضة لمرسي، والتي تشكلت لإسقاط حكمه.

على الجهة الأخرى، عرفت القنوات التلفزيونية المعارضة للنظام الحالي تحريضًا بالقتل أيضًا، أبرز ملامحه دعوة الإعلامي محمد ناصر الشباب الرافض لوجود السيسي، بالانتقام منه من خلال قتل الضباط. وقال ناصر أيضًا: "اقتلوهم. ولكل زوجة ضابط ضابط، أرجوكي خلي بالك، جوزك هيموت. مفيش خلاص سلميتنا أقوى من الرصاص". 

على الجانب الآخر، كان المعارضون لحكم الإخوان أشد تحريضًا، وقد وصل الأمر إلى الفعل، باقتحام مقار الإخوان في نهايات فترة حكمهم. كما تعاظم التحريض على العنف ودعوات القتل قبيل فض اعتصام رابعة العدوية، كتهيئة للرأي العام لعملية الفض التي راح ضحيتها ما لا يقل عن ألف قتيل.

أخذ التحريض في بعض الأحيان مناحي مختلفة، كالتحريض على السوريين في مصر، كما فعل الإعلامي يوسف الحسيني الذي دعا المصريين لضرب السوريين في الشوارع بالأحذية لأنهم بحسبه "أنصار مرسي"، غير أنه عاد واعتذر. لكن توفيق عكاشة كان أكثر عنفًا، عندما أمهل السوريين 48 ساعة للرحيل، قبل أن يشرع في حرق منازلهم!

 

أما أحمد موسى، فهو واحد من أبرز المحرضين على كل شيء وأي شيء، فقبل الثورة وخلال أزمة مباراة مصر والجزائر في السودان، حرض موسى على قتل الجزائريين في القاهرة، وخلال اعتصام رابعة ادعى الرجل أن هناك "كرة أرضية" في الاعتصام يخفي فيها الإخوان المعارضين لهم! كما كان له دعوات مستمرة لمواجهة المظاهرات بالقتل، وطالب بدك سيناء بأهلها، والإبلاغ عن أي مُقاطع للانتخابات

بعيد ثورة 25 يناير، انتشر التحريض في وسائل الإعلام، وزادت دعوات القتل عبر مختلف القنوات التلفزيونية التابعة لمختلف التيارات السياسية

هذا ولا تزال دعوات القتل والتحريض على العنف مستمرة، وإن اختلفت الوجوه، فها هو محمد الباز، كوجه جديد أكثر ولاءً كما يبدو للأجهزة الأمنية في الإعلام المصري، يحرض بدعوة قتل صريحة لثلاثة من الشخصيات المعارضة للنظام المصري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

طريق الإعلام في مصر.. "آخره لحن حزين"

"لا أرى لا أسمع لا أتكلم".. خطة الإعلام المصري