19-يناير-2022

(Getty Images)

أعلنت الصين يوم الإثنين أن معدل المواليد فيها قد شهد هبوطًا ذريعًا للعام الخامس على التوالي في العام 2021، وهو ما قد يعني أن الدولة الأكبر من حيث عدد السكّان قد باتت على مشارف تحوّل خطير، في حال بدأ أعداد مواطنيها بالتراجع، وهو ما ينذر كذلك بأزمة ديمغرافية في الصين، قد يكون لها انعكاسات على اقتصادها، وربما على استقرارها السياسي، وذلك بحسب التقرير التالي الذي ننقله بتصرف عن نيويورك تايمز الأمريكية.


يمثل تراجع النمو السكاني في الصين أزمة خطيرة على المستوى الاقتصادي والسياسي

إن تراجع أعداد المواليد في الصين، والذي يترافق مع زيادة في متوسط الأعمار بسبب التحوّل الاقتصادي الذي شهدته الصين خلال العقود الأربعة الماضية، يعني أن عدد الصينيين "النافعين"، أي أولئك الأشخاص ضمن الفئة العمرية العاملة، مستمرٌ في التراجع، في مقابل زيادة أعداد أولئك الأشخاص الذين تجاوزوا سنّ العمل والإنتاج. هذا الوضع يهدّد بتناقص الأيدي العاملة، وإعاقة النمو الاقتصادي، وخفض عائدات الضرائب الضرورية من أجل توفير الدعم والرعاية لمجتمع يشيخ.

كما أن هذا الوضع يخلف أزمة سياسية ضخمة لبكين، وهي التي تعاني بالفعل حاليًا من ضغوط اقتصادية، حيث تراجع النمو في الصين في الربع الأخير من العام بواقع 4 بالمئة، وهو ما دفع الحزب الشيوعي الحاكم في الصين إلى اتخاذ خطوات عديدة، ولاسيما فيما يتعلق بالمعضلة السكانية. فقد عمدت الحكومة إلى إلغاء سياسية الطفل الواحد، حيث سمحت بطفلين لكل أسرة في العام 2016، ثم خففت القيود على الإنجاب مرة أخرى في العام الماضي، حين سمحت بثلاثة أطفال. كما أن الحكومة تقدم الحوافز للأزواج الجدد للتشجيع على الإنجاب، إضافة إلى إجراء تحسينات في أماكن العمل ومؤسسات التعليم والحضانة المبكرة، من أجل مساعدة الراغبين في الإنجاب.


للمزيد عن إلغاء سياسة الطفلين في الصين يمكن الاطلاع على هذا التقرير

للمزيد عن سياسات الصين في القضاء على الفقر يمكن الاطلاع على هذا التقرير


إلا أن كل هذه الخطوات لم تنجح بعد في تغيير الواقع والحقيقة التي يصعب إنكارها، ألا وهي أن أعدادًا متزايدة من النساء الصينيات لا يفكرن بالإنجاب.

أما بلغة الأرقام، فقد تراجع عدد المواليد الجدد في الصين إلى 10,6 مليون في العام 2021، مقارنة بزهاء 12 مليون مولود في العام الذي سبقه، وذلك بحسب الإحصاءات الرسمية، من مكتب الإحصاءات الوطني في الصين. وهذا الرقم منخفض للغاية، وهو أقل من عدد المواليد الذي سجّل في العام 1961، وهو العام الذي شهد مجاعات وظروفًا صعبة عاشها الصينيون بسبب سياسية ماو تسي دونغ، التي عرفت باسم "القفزة العظيمة إلى الأمام".

كما أن هذه الحالة هي المرّة الأولى، منذ "القفزة العظيمة إلى الأمام"، التي قد تكون فيها الصين أمام شبح تقلص أعداد سكّانها. ففي العام 2021، بلغ عدد الوفيات 10,1 مليون وفاة، وهو رقم قريب جدًا من عدد المواليد. بل إن بعضًا من المختصين في الشأن الصيني يرون أن الصين قد بلغت هذه العتبة، وأن عدد الوفيات قد عادل عدد المواليد بالفعل أو قلّ عنه.

كان لسياسة الطفل الواحد للحزب الشيوعي الصيني آثار ديمغرافية خطيرة (NYT)

لا شكّ أن الصين ليست وحدها بين الدول المتقدمة اقتصاديًا أمام هذا الكابوس الديمغرافي. إلا أن الوضع في الصين أكثر تعقيدًا، وقد يكون أكبر فداحة، خاصة وأن السياسات السابقة لضبط أعداد السكان، متمثلة بسياسة "الطفل الواحد" سيئة الذكر، والتي استمرت بين منذ 1980 حتى 2015، قد تركت أثرًا عميقًا في الثقافة السائدة بين الناس وتعاطيهم مع مسألة الإنجاب، إضافة إلى خلق واقع ديمغرافي غير تكاثري.

فرغم أن الهدف الأساسي لتلك السياسة كان خفض معدل المواليد لتعزيز النموّ الاقتصادي، إلا أن أحد آثارها اليوم هو تراجع عدد النساء القادرات على الحمل. ومع تحسن الأوضاع الاقتصادية، بدأت الحكومة الصينية برفع القيود على تنظيم الحمل، إلا أن تحسّن وضع المرأة الاقتصادي والتعليمي، ترافق مع تعزّز رغبتها في تأجيل الزواج والإنجاب، وتزايد أعداد النساء اللواتي لا يرغبن بالإنجاب بالمرّة.

ثمة أيضًا محذور سياسيّ هنا. فسياسة "الطفل الواحد" ذات الآثار الكارثية اليوم، مثّلت ثابتًا مقدسًا لدى الحزب الشيوعي الحاكم على مدى عقود، وهذا ما يجعل التعرّض لهذه السياسة بالنقد أو التصريح بأنها مسؤولة عن الوضح الديمغرافي الحرج في الصين اليوم، مخاطرة سياسيّة غير محمودة العواقب. أحد الاقتصاديين الصينيين، في ورقة بحثية نشرها على حسابه على موقع صيني للتواصل الاجتماعي، قال إن الحكومة بحاجة إلى تخصيص ما يعدل 313 مليار دولار أمريكي، وإنفاقها على الحوافز والإعفاءات الضريبية للأزواج وبناء المرافق الخاصة برعاية الأطفال وحضانتهم، وأن ذلك قد يساعد في حل المشكلة، وتوفير 50 مليون مولود إضافي خلال 10 أعوام. إلا أنه حتى هذا المستوى من الاقتراحات العامة يثير غضب السلطات الصينية على ما يبدو، إذ إنها تعني ضمنًا أن سياسات الحزب فاشلة، وخلقت مشاكل يحتاج حلها مئات المليارات من الدولارات. وقد جرى إغلاق حساب هذا الاقتصادي على منصة "وايبو"، وذلك بحجة "مخالفة القوانين السارية".

نينغ جيزهي، مدير مكتب الإحصاءات الوطني الصيني، قال إن انخفاض معدل المواليد ظاهرة شائعة في العديد من البلدان، من بينها اليابان وكوريا الجنوبية، إلا أنه عبر عن أمله في أن يكون لتعديل السياسات التي تسمح بإنجاب ثلاثة أطفال أثر على النمو السكاني في المستقبل القريب.

يشكّك مختصّون بإمكانية إلغاء سياسة الطفلين تغيير الواقع الديمغرافي الحالي في الصين

إلا أن هذا التفاؤل ما يزال موضع شكّ لدي عدد من المختصين بالشأن الديمغرافي، إذ ثمة اتفاق بأنه في الدول ذات العدد الضخم من السكان، مثل الصين، فإن انخفاض الفرق بين عدد المواليد والوفيات إلى بضع مئات من الآلاف وحسب يعني عمليًا أن هذه الدولة قد حققت نموًا سكانيًا صفريًا، وأن عكس هذا التناقص السكاني ليس بالأمر السهل.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الصين تفرض غرامة بعشرات الملايين على "ملكة" التسويق الرقمي هوانغ واي

مترجَم: الولايات المتحدة والمأزق الصيني.. هل يمكن الهرب من "فخ ثوسيديدس"؟

دلالات: