05-ديسمبر-2021

ضعف مقاومة الأطعمة المعالجة ليست مرتبطًا فقط بضعف الإرادة، وإنما بحالة الإدمان التي تسببها لدى المستهلك (Getty)

يحاول ملايين الناس حول العالم كل عام تقليل تناول الأطعمة فائقة المعالجة، والتي تتكون عادة من تركيبات صناعية تحتوي عادةً على نسبة عالية من الدهون المضافة أو الكربوهيدرات المكررة أو كليهما. كالكعك ورقائق البطاطس والبيتزا، إلا أن المعروف أن نسبة كبيرة من الناس يخفقون في ذلك، وينتكسون عائدين إلى استهلاك تلك الأطعمة، وربما بشكل أكبر. هذا المقال المترجم بتصرف عن موقع "ذا كونفيزيشن"، يسلّط الضوء على الجانب الإدماني في هذه الأطعمة، والذي لا يقلّ سوءًا عن إدمان التبغ.

بحسب دراسة أجرتها لجنة مؤلفة من 37 عالمًا تشكل الأنظمة الغذائية غير الصحية خطرًا على صحة الإنسان أكثر من الجنس غير الآمن وتعاطي الكحول والمخدرات

 تنبع الرغبة بتجنب الأطعمة فائفة المعالجة لدى الكثيرين من خشيتهم من الأمراض التي قد تهدد حياتهم، مثل السكري وأمراض القلب. يؤثر النظام الغذائي على الصحة بشكل كبير فبحسب دراسة أجرتها لجنة مؤلفة من 37 باحثًا، فإنها قد تشكل خطورة على صحة الإنسان وعافيته أكثر من الجنس غير الآمن وتعاطي الكحول والمخدرات.

يعرف الكثير من الناس أن معظم الأطعمة فائقة المعالجة ليست صحية. لكن التقليل منها أو الابتعاد عنها يمكن أن يكون هدفًا صعب المنال لدرجة أن غالبية هذه المحاولات تبوء بالفشل.

يرجع سبب هذا الفشل إلى عامل كثيرًا ما يتم تجاهله. فقد تكون هذه الأطعمة فائقة المعالجة مسببة للإدمان، وتتشارك خصائص مع منتجات التبغ أكثر من الأطعمة الكاملة مثل التفاح أو الفاصوليا.

إدمان الأطعمة فائقة المعالجة

أنا طبيبة نفسية إكلينيكية أدرس علوم الإدمان والسمنة واضطراب الأكل. خلال تدريبي في جامعة ييل، أصبح من الجلي بالنسبة لي أن الكثير من علامات الإدمان تظهر على الأشخاص في علاقتهم بالأطعمة فائقة المعالجة - أشياء مثل فقدان السيطرة على الاستهلاك، والرغبة الشديدة في استهلاك هذه الأطعمة وعدم القدرة على تركها بالرغم من آثارها السلبية.

لذلك قمت أنا وزملائي بوضع مقياس ييل لقياس إدمان الطعام. وهو مقياس يمتثل للمعايير المستخدمة في الجمعية الأمريكية للطب النفسي لتشخيص اضطرابات الإدمان الأخرى، ويهدف لتشخيص الأشخاص الذين قد يكونوا مدمنين على الأطعمة فائقة المعالجة.

بناءً على تقديراتنا الحالية، يتخطى 15% من الأمريكيين عتبة إدمان الطعام، والذي يؤدي إلى أمراض النظام الغذائي والسمنة وضعف جودة الحياة. تتساوى هذه النسبة مع نسب الإدمان على المواد المحظورة أو ذات الوضع القانوني الخاص المسببة للإدمان مثل الكحول حيث تبلغ نسبة الأشخاص المصابين باضطرابات تعاطي الكحول في الولايات المتحدة 14%.

يتضح من بحثنا أن الناس لا يعانون من أعراض الانسحاب الإدماني مع جميع الأطعمة بل يتعلق الأمر بالأطعمة فائقة المعالجة التي تحتوي على مستويات عالية من الدهون والكربوهيدرات المكررة مثل السكر والدقيق. وليس من المستغرب أنهم لا يفقدون السيطرة عند تناولهم البروكلي والفاصوليا والخيار مثلًا.

ولكن هل يمكن اعتبار الأطعمة فائقة المعالجة إدمانًا حقًا؟ أم أن الناس يفرطون في تناول ما يحبونه؟ لمساعدتنا في الإجابة على هذه الأسئلة انتقلت أنا وزملائي إلى واحد من الجدالات غير المحسومة في علم الإدمان - والتي تناقش إذا ما كان التبغ يسبب الإدمان أم لا.

متى تصبح مدمنًا على التبغ؟

أثار السؤال عما إذا كان التبغ يسبب الإدمان الكثر من الجدل على مدى العقود الماضية. 

تسمح منتجات التبغ للناس بممارسة حياتهم اليومية أثناء استخدامها كما أنها ليست مسكرة، ولا تسبب أعراض انسحاب مهددة للحياة على عكس المواد المخدرة الأخرى مثل الكحول والمواد الأفيونية. بالإضافة لذلك لا يحتاج الناس إلى كسر القانون للحصول على منتجات التبغ أو استهلاكها. 

سلطت شركات صناعة التبغ العالمية الكبرى والمُجمَّعة تحت اسم Big Tobacco الضوء على الفرق بين التبغ والمخدرات التي تسبب الإدمان. مما زاد الشكوك حول ما إذا كان التبغ يسبب الإدمان حقًا أم أنه مجرد ادعاء يجنبهم اللوم جراء ممارساتهم الصناعية ويلقي اللوم على المستهلكين لاختيارهم الاستمرار في التدخين.

 في عام 1988 قرر الجراح العام للولايات المتحدة (المسؤول الأول عن الصحة العامة) رسميًا تصنيف منتجات التبغ كمنتجات مسببة للإدمان. فند هذا التقرير بشكل مباشر موقف الشركات الكبرى المصنّعة للتبغ والذي يقضي أن استهلاك التبغ متوقف على اختيار المستهلك.

واستند الجراح العام في تصنيف الكثير من منتجات التبغ على أنها مسببة للإدمان إلى قدرتها على إثارة حوافز قوية، على الرغم من الرغبة في الإقلاع وفي مواجهة العواقب الصحية التي تهدد الحياة. كان الدليل الآخر هو قدرة هذه المنتجات على تقديم جرعات عالية من النيكوتين بسرعة، مما جعل المستخدمين يرغبون في تكرار السلوك الذي يجعلهم يحصلون على المزيد من النيكوتين. كان معيار الإدمان الأخير الذي حققه التبغ هو قدرته على تغيير الحالة المزاجية وزيادة المتعة، وتقليل المشاعر السلبية والتأثير على الدماغ.

من المفاهيم الخاطئة الشائعة أن التصنيف استند إلى تحديد استجابة دماغية معينة للتبغ. في الثمانينيات، عرف الباحثون أن للنيكوتين تأثير على الدماغ. لكن كيفية تأثير العقاقير المسببة للإدمان على الدماغ لم تكن معروفة في ذلك الوقت. في الواقع، لا توجد هناك علامة بيولوجية موضوعية للإدمان، أي استجابة دماغية محددة وقابلة للقياس تؤكد أن شخصًا ما مدمن على مادة ما.

رفع هذا التصنيف نسبة الأشخاص الذين يعتبرون التدخين بمثابة إدمان من 37% في عام 1980 إلى 74% في عام 2002. كما أن الحالة العلمية التي تقول إن السجائر تسبب الإدمان جعلت من الصعب على شركات التبغ الكبرى الدفاع عن ممارساتها.

في عام 1998، خسرت شركات التبغ الكبرى معركة قانونية أدت إلى دفعها مليارات الدولارات للولايات لتغطية التكاليف الصحية الناتجة عن التدخين. وأمرتهم المحكمة بالكشف عن وثائق سرية تثبت أنهم يتسترون على الطبيعة غير الصحية والمسببة للإدمان في منتجاتهم. بالإضافة إلى ذلك، قيد القرار قدرتهم على تسويق منتجاتهم، وخاصة للشباب.

منذ عام 1980، انخفض استخدام منتجات التبغ في الولايات المتحدة انخفاضاً هائلاً - وهو إنجاز كبير يحسب للصحة العامة.

تحدث الأطعمة فائقة المعالجة نفس الأعراض التي صنف التبغ على إثرها بأنه منتج مسبب للإدمان.

فكلاهما يغيران المزاج بنفس الطريقة، ويزيدان من الشعور بالبهجة ويقللان المشاعر السلبية. وتنشط المستويات العالية من الكربوهيدرات والدهون المكررة في الأطعمة فائقة المعالجة أنظمة المكافأة في الدماغ بشدة.

تحدث الأطعمة فائقة المعالجة نفس الأعراض التي صنف التبغ على إثرها بأنه منتج مسبب للإدمان.

تحفزك الأطعمة فائقة المعالجة وتشكل سلوك وتدفعك لتناول المزيد منها. على سبيل المثال يستخدم المعلمون وأولياء الأمور الأطعمة فائقة المعالجة لمكافأة الأطفال على السلوك الجيد لحثهم على تكرار نفس السلوك الذين كوفئوا عليه. وقد وجد الباحثون في التجارب التي قاموا بها على الفئران أن المذاق الحلو كان محفزاً أكثر من العقاقير المسببة للإدمان، كالكوكايين.

لا أدل على قدرة هذه الأطعمة على التحفيز من المعدلات المرتفعة لفشل الحميات الغذائية، فعلى الرغم من رغبة الناس في تركها يستمرون في تناولها. في المقابل، لا تحفز الأطعمة المغذية والمعالجة بالحد الأدنى مثل الفواكه والخضروات والبقوليات هذا القدر من الإدمان.

انفجرت كمية الأطعمة غير الصحية فائقة المعالجة في الولايات المتحدة في بداية الثمانينيات. في الوقت نفسه، كانت شركات التبغ مثل فيليب موريس و "آر جاي رينولدز" تشتري شركات الأغذية والمشروبات فائقة المعالجة، بما في ذلك جنرال فودز و كرافت فودز و نابيسكو و كولايد. طبق فيليب موريس و آر جاي رينولدز معرفتهما العلمية والتسويقية والصناعية في تصميم وبيع منتجات التبغ التي تسبب الإدمان وتحقق أرباحًا عالية في تشكيلة الأصناف الغذائية فائقة المعالجة. على الرغم من أن شركات التبغ هذه باعت شركاتها الغذائية إلى تكتلات الأغذية والمشروبات العالمية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلا أنها تركت بصماتها بالفعل على البيئة الغذائية الحديثة.

تنتشر سردية مجتمعية حول الأطعمة فائقة المعالجة التي تهيمن على البيئة الغذائية اليوم مفادها أن الأشخاص الذين يكافحون لتناول هذه الأطعمة باعتدال ويفشلون في ذلك بأنهم ضعاف الإرادة. إنها نفس القصة المستخدمة لتفسير سبب عدم تمكن الناس من الإقلاع عن التدخين. يتجاهل هذا التفسير حقيقة أن الصناعة التي ابتكرت السجائر طورت أيضًا وسوقت العديد من هذه الأطعمة، وتعمل عمدًا على تعزيز "الجاذبية" وخلق "مستهلكين دائمين".

تقوض الطبيعة الإدمانية لهذه الأطعمة الإرادة الحرة للمستهلكين وصحتهم، وكل ذلك فيما يصبّ في صالح خدمة الشركات الكبرى المصنعة لها واستدامتها

تقوض الطبيعة الإدمانية لهذه الأطعمة الإرادة الحرة للمستهلكين وصحتهم، وكل ذلك فيما يصبّ في صالح خدمة الشركات الكبرى المصنعة لها واستدامتها. لكن الفرق الوحيد بينها وبين منتجات التبغ، أن لا أحد منا قادر على التخلي عن تناول الطعام. وكما هو الحال مع منتجات التبغ قد يتطلب الأمر فرض تنظيمات تشريعية على الصناعة للتخلص من شعبية هذه الأطعمة و التوعية بالمشاكل الصحية التي تصاحبها.

 

اقرأ/ي أيضًا: