21-مايو-2019

ما زال الصراع بين قوى المعارضة والمجلس العسكري مستمرًا في السودان (فيسبوك)

وصلت المفاوضات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي في السودان إلى طريق مسدود، فشلت إثره محاولات إنقاذ الجولة الأخيرة مساء الإثنين من الانهيار، ورغم الأجواء المتفائلة والتكتم الشديد على سير التفاوض، وتجنب لغة التصعيد، إلا أن حالة من الإحباط انسحبت بعد ذلك على مقر الاعتصام وسط العاصمة الخرطوم، حينما أدرك الثوار أن المواقف التفاوضية تصلبت، واصطدمت بالجدار، وأضحت معالم السلطة المدنية الكاملة أثرًا بعد عين.

وصلت المفاوضات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي في السودان إلى طريق مسدود، فشلت إثره محاولات إنقاذ الجولة الأخيرة مساء الإثنين من الانهيار

انحصرت نقاط الخلاف في طبيعة ومهام المجلس السيادي، ونسبة المدنيين فيه، فبينما تطالب قوى التغيير بنسبة أعلى للمدنيين ورئاسة المجلس الذي يعتبر بمثابة رأس الدولة، تمسك الجيش بالرئاسة ومنح المدنيين تمثيلًا محدودًا، مما تسبب في انهيار الجولة الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: المرحلة الانتقالية في السودان.. صراع الأجندة الخفية

استحقاقات الثورة

في بيان تلقى "ألترا صوت" نسخة منه، أشار المجلس العسكري الانتقالي إلى أن نقطة الخلاف الأساسية ما تزال عالقة بين قوي الحرية والتغيير والمجلس العسكري حول نسب التمثيل ورئاسة المجلس السيادي بين المدنيين والعسكريين، قائلًا إنه "استشعارًا منا بالمسؤولية التاريخية الواقعة على عاتقنا فإننا سنعمل من أجل الوصول لاتفاق عاجل ومرضي، يلبى طموحات الشعب السوداني ويحقق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة"، غير أن الواقع كان يخبئ مفاجأة غير سعيدة للمتمسكين باستحقاقات الثورة.

فنهاية الأسبوع الماضي أفلحت الجهود في إحداث اختراق في سير التفاوض، وذلك بعد الاتفاق على تعيين  300 عضو بالمجلس التشريعي، بنسبة 67% لقوى الحرية والتغيير و33% للقوى السياسية الأخرى، واعتماد فترة انتقالية مدتها 3 سنوات، تخصص الأشهر الستة الأولى منها للتوقيع على اتفاقيات السلام ووقف الحرب في أرجاء البلاد، واختيار حكومة كفاءات ورئيس وزراء مدني. وتبقت فقط جولة أخيرة، لكن أحداثًا مؤسفة كما بدت، عطلت التفاوض، أعقبها تصعيد العمل الميداني وإطلاق الرصاص على المعتصمين، مما تسبب في سقوط ستة قتلى أحدهم ضابط في الجيش وعشرات الإصابات.

بيان البرهان

أجبرت حالة الاحتقان رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان على تلاوة بيان عبر التلفزيون الرسمي علق فيه التفاوض مع قوى الحرية والتغيير لمدة 72 ساعة، وذلك على خلفية إصدار جدول بالتصعيد الثوري متزامن مع سير التفاوض من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير، والاستفزاز المباشر والإساءة البالغة للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وفقًا لبيان البرهان، بجانب "قفل الطرق والجسور مما خلق حالة من الاحتقانات المرورية في العاصمة القومية، وقفل خط السكة الحديد مما أدى إلى قطع الإمداد عن الولايات وعدم وصول المواد الضرورية من مواد التموين والمشتقات البترولية للكهرباء"، وتسلل عناصر مسلحين داخل مكان الاعتصام، معتبرًا أن الثورة انتفت سلميتها، وطالب بفتح خط السكة الحديد لإمداد الولايات التي تضايقت كثيرًا من شح المواد التموينية والبترولية، على حد زعمه.

تسقط مرة أخرى

وعلى الرغم من استئناف المفاوضات تحت أجواء متفائلة إلا أن إعلان الفشل في التوصل إلى اتفاق جاء مخيبًا للآمال، وتعالت الأصوات مرة أخرى تهتف "لا للتفاوض على استحقاقات الثورة، وتسقط بس". وعلى ما يبدو فإن المجلس العسكري مارس ضغوطًا نفسية على قوى الحرية والتغيير ووضعها في موقف تحسس أطرافها الشعبية والقيام بمهام مزدوجة، مثل تدارك إيقاف التصعيد وإغلاق الطرق والجسور بعد أن أعلنت عنه، بجانب أن قوى الحرية والتغيير شحنت ميدان الاعتصام بعد أن وضعت "حكومة مدنية كاملة، ورئاسة المجلس السيادي"، كسقف أعلى للتفاوض، بينما أخذها المعتصمون كمطالب لا رجعة فيها، وهو ما لا يبدو أنه سيتحقق كلية على أرض الواقع، مما صعب مهمة قوى التغيير على طاولة التفاوض وفي ميدان الاعتصام معًا.

صراع على المجلس السيادي

في السياق عينه أعلنت قوى التغيير والحرية مساء الإثنين تعليق المفاوضات مع المجلس العسكري لتمسكه برئاسة المجلس وحيازة الأغلبية طوال الفترة الانتقالية، وأدى تمترس المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير حول موقفيهما من نسب التمثيل بالمجلس السيادي إلى فض الاجتماع الذي استمر منذ التاسعة من مساء الأحد إلى الرابعة من فجر الإثنين دون التوصل لاتفاق، وعلم "ألترا صوت" أن المجلس العسكري أصر على الغلبة داخل المجلس السيادي المقترح من قبله، حيث يتكون من (10) أعضاء، (7) منهم عسكريون و(3) مدنيون، أي أن يحوز المجلس العسكري على الثلثين لتمرير ما يريده، وهو ما رفضته بدورها قوى التغيير.

 وبدا لافتًا أن تنصل المجلس العسكري من تسليم السُلطة للمدنيين جاء بعد أن أودعت المملكة العربية السعودية الأحد مبلغ 250 مليون دولار في حساب بنك السودان المركزي، وتعهدت قبل ذلك مع الإمارات بدعم السودان بعد الإطاحة بالبشير بنحو ثلاثة مليارات دولار، في شكل مساعدات بترولية وغذائية، ما عزز موقف المجلس العسكري، وذلك وسط تقارير صحفية تتحدث عن دور خفي للإمارات بشأن التطورات المتسارعة في البلاد.

دفتر التصعيد الثوري

وفي أعقاب فشل المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير أعلن تجمع المهنيين السودانيين خطوات التصعيد الثوري، مناديًا بفتح دفتر الحضور الثوري للإضراب السياسي العام، قائلًا إن الترتيبات التي ابتدرها منذ بدايات الحراك الثوري تُستكمل من أجل تحديد ساعة الصفر وإعلان العصيان المدني والإضراب السياسي العام بجداول معينة، وقال تجمع المهنيين في بيان عبر صفحته في فيسبوك، إن المجلس العسكري لا يزال يضع عربة المجلس السيادي أمام حصان الثورة، ويصر على إفراغها من جوهرها وتبديد أهداف إعلان الحرية والتغيير وتحوير مبناه ومعناه، وفي أول بادرة لدعوة تجمع المهنيين، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية استجابتها للتوقيع في دفتر الحضور الثوري للإضراب العام والعصيان المدني، اعتبارًا من يوم الخميس المُقبل.

محاذير الدعم السريع

بدوره، فإن قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان حميدتي، حذر جهات لم يسمها من المضي في مخططاتها لزعزعة الأمن، قائلًا "نحن لها بالمرصاد". وكشف حميدتي عن توقيف الجناة الذين هاجموا المعتصمين بالقيادة العامة للجيش الأسبوع الماضي، وسط شكوك كبيرة بأن المتهمين الذين تم عرضهم عبر التلفزيون السوداني ليسوا هم المطلوبين، حيث يعتقد جزء من المحتجين أن من أطلقوا النار ينتسبون للدعم السريع نفسه، بحسب بيان لقوى الحرية والتغيير. واتهم حميدتي جهات لم يسمها، قال إنها تعمل عبر واجهة بعض الدول بتشويه صورة قوات "الدعم السريع"، مؤكدًا عزم المجلس العسكري على محاسبة كل المفسدين من قادة النظام السابق. وأضاف: "نحن نريد الديمقراطية التي يتحدثون عنها، ونريد ديمقراطية حقيقية وانتخابات حرة ونزيهة، ومن يريده الشعب السوداني هو الذي يحكم".

اقرأ/ي أيضًا: حراك السودان ومعركة الحكومة المدنية.. تحولات حاسمة

وتأتي مجمل المحاذير وتعثر المفاوضات على إثر مسيرة نظمها تيار نصرة الشريعة ودولة القانون هدد خلالها قادته بشن حرب على المجلس الانتقالي في حال تسليمه السُلطة لقوى الحرية والتغيير دون سواها، وإقصاء القوى السياسية الأخرى، ويعارض قادة هذا التيار التقارب بين المجلس العسكري وقوى المعارضة تحت ذريعة أن الأخيرة ترتب لتأسيس دولة علمانية لا مكان للشريعة والدين فيها، وقال عبد الحي يوسف للمصلين في مسجده بضاحية جبرة، جنوب الخرطوم، يوم الجمعة الماضية إن بعض أعضاء المجلس العسكري الانتقالي أبلغوه أنهم "غير مقتنعين ولا راضين بالاتفاق" ما يعني بداية انشقاق داخل ضباط المجلس العسكري.

في أعقاب فشل المفاوضات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير أعلن تجمع المهنيين السودانيين خطوات التصعيد الثوري، مناديًا بفتح دفتر الحضور الثوري للإضراب السياسي العام

وعلى ما يبدو، فقد استخدم المجلس العسكري الجميع ضد الجميع للمحافظة على سلطته، وهو كما يرى البعض يتلاعب بكل الأوراق للحفاظ على نفوذه، وفي الوقت الذي يفاوض فيه قوى التغيير في الظاهر يدعم في الخفاء تيار نصرة الشريعة، كمضخة هواء ربما لملء أشرعته ومن ثم الإبحار والاصطفاف فى صراع المحاور الإقليمية، لا سيما وأنه الأقرب للمحور السعودي الإماراتي، ما يعني تعثر محاولات انتقال السُلطة للقوى المدنية وإجهاض الجنين الديمقراطي. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

ورطة البشير بين المذهب المالكي وعقيدة بوتين.. من يكاتب الجنرال في سجن كوبر؟

مليونية الدولة المدنية.. قطار الثورة السودانية يشق طريقه الوعر