10-يناير-2020

لم ترد إيران أن تكون ضربتها الصاروخية كافية لإشعال حرب (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

في خطوة تشير لرغبة طهران بعدم التوجه للمزيد من التصعيد مع واشنطن في الوقت الراهن، كشف نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في مقابلة مع شبكة CBS الأمريكية أن طهران بعثت برسائل للجماعات المسلحة الموالية لها تطلب منها "بألا تتحرك ضد أهداف أمريكية أو مدنيين أمريكيين"، معربًا عن أمله بأن "تجد تلك الرسائل صدى"، على خلفية التصعيد العسكري الأخير الذي شهدته الساحة العراقية مطلع الشهر الجاري.

نقلت وكالة رويترز عن مصادر أمريكية وأوروبية أنهم يعتقدون أن طهران تعمدت "أن تخطئ" الهجمات التي ضربت القاعدتين العسكرتين "للحيلولة دون خروج الأزمة عن نطاق السيطرة"

هل تجنبت طهران التصعيد العسكري مع واشنطن؟

جاءت تصريحات الدبلوماسي الأمريكي بعد ساعات من تبني الحرس الثوري الإيراني الهجمات الصاروخية التي استهدفت، قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار العراقية، بالإضافة لقاعدة عسكرية أمريكية في محافظة أربيل في إقليم كردستان العراق، ردًا على استهداف طائرة مسيرّة بصواريخ متطورة قائد فيلق القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري قاسم سليماني إلى جانب نائب رئيس ميليشيا الحشد الشعبي أبي مهدي المهندس.

اقرأ/ي أيضًا: استقطاب وانقسام.. كيف تفاعل الأمريكيون مع اغتيال سليماني؟

وتعتبر الهجمات الصاروخية التي شنتها قوات الحرس الثوري الإيراني على مواقع عسكرية أمريكية متمركزة في العراق فجر أول أمس الأربعاء، الأولى من نوعها في سياق استهداف القوات الإيرانية المباشر للقوات الأمريكية أو حلفائها، منذ استيلاء المحتجين الإيرانيين على السفارة الأمريكية في طهران عقب انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979.

وأعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن بلاده "لا تريد حربًا"، لكنها "سترد بقوة" على أي هجوم عسكري قد تقوم واشنطن بتنفيذه، في حين كان رد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الهجوم الإيراني بأن "كل شيء على ما يرام" في إشارة لاقتصار الأضرار على الماديات فقط دون أن يكون هناك قتلى في صفوف الجنود الأمريكيين المتمركزين في القواعد المستهدفة.

وكان وزير الخارجية الإيراني قد كشف إخطار واشنطن عبر جنيف – التي ترعى المصالح الأمريكية في طهران – لحظة تنفيذ الهجوم الصاروخي على القاعدة التي انطلقت منها الطائرة المسيرة لاستهداف الجنرال سليماني، مشيرًا إلى أن طهران قامت "بخطوة مشروعة"، وتتوافق تصريحات ظريف مع وجهة نظر مسؤولين أمريكيين وأوروبيين معًا، يعتقدون أن طهران تعمدت تجنب وقوع ضحايا في صفوف القوات الأمريكية خلال الهجمات الصاروخية.

ونقلت وكالة رويترز عن مصادر أمريكية وأوروبية أنهم يعتقدون أن طهران تعمدت "أن تخطئ" الهجمات التي ضربت القاعدتين العسكرتين "للحيلولة دون خروج الأزمة عن نطاق السيطرة مع توجيه رسالة عن قوة العزم لدى إيران"، فيما قال مصدر أمريكي بشكل منفصل إن الإيرانيين أرادوا "الرد مع عدم التصعيد بشكل يقترب من اليقين".

الكونغرس يصوت على قرار "سلطات الحرب"

عمّقت الضربة الجوية التي استهدفت بتوجيهات من ترامب الجنرال سليماني الانقسام الحزبي داخل الكونغرس الأمريكي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، ويتفق اثنان من الجمهوريين مع الديمقراطيين على عدم تقديم الإدارة الأمريكية أدلة تثبت تصريحات ترامب بأن سليماني كان يشكل "خطرًا وشيكًا" على واشنطن، بعد تشكيكهم بالأدلة التي قدمتها الإدارة الأمريكية، وتقول فيها إن الهجوم كان "مبررًا قانونيًا".

وصوّت الكونغرس الأمريكي الخميس على قانون سلطات الحرب الذي يلزم إدارة الرئيس ترامب بعدم استخدام القوات الأمريكية في إيران أو ضدها ما لم يعلن الكونغرس الحرب أو يوافق على تشريع يجيز استخدام القوة، ومن المتوقع أن يمر القرار بسهولة في مجلس النواب، وحتى لحظة إعداد التقرير حظي القانون بموافقة 224 عضوًا مقابل اعتراض 194 عضوًا آخرين.

لكن من المتوقع أن يواجه القرار وقتًا أصعب في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون الذين يدعمون ترامب في سياسته الخارجية المتشددة اتجاه طهران، وقال السيناتور الجمهوري عن ولاية يوتا مايك لي، والسيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي راند بول إنهما سيدعمان الجهود المبذولة لتقييد الموقف العسكري لترامب تجاه إيران بسبب عدم تقديم الإدارة الأمريكية أدلة كافية على مبررات الهجمات الصاروخية.

طهران ترد على واشنطن بهجمات سيبرانية

لا يظهر أن رد طهران على اغتيال الجنرال الإيراني سيقتصر على الهجمات الصاروخية، بحسب ما تظهر المعطيات المباشر لطبيعة الرد، فقد عمدت طهران إلى الشروع بشن هجمات سيبرانية على مواقع حكومية أمريكية خلال الأيام الماضية التي أعقبت استهداف موكب سليماني في مطار بغداد، وفقًا لما ذكرت تقارير صحفية، بإشارتها لأن الهجمات السيبرانية من شأنها أن تسبب أضرارًا جسيمة بتكاليف منخفضة، وبصمات غير مباشرة لدور إيران في تنفيذها.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن خبراء في مجال الأمن السيبراني قولهم إن الأنشطة الضارة من قبل القراصنة الإيرانيين ازدادت خلال اليومين الماضيين، ويقول الخبراء السيبرانيين إن إيران كانت من بين أربعة دول، مع كوريا الشمالية، الصين، روسيا، جرى تصنيفها كمصدر للتهديدات السيبرانية خلال العام الماضي، مشيرين إلى قدرتها "على إحداث آثار تخريبية مؤقتة محلية" في الهجمات السيبرانية التي تشنها.

وقالت شبكة CNN الأمريكية نقلًا عن باحثين في أمن الإنترنت إن الهجمات السيبرانية التي تتبع لعناوين IP إيرانية تضاعفت ثلاث مرات تقريبًا خلال الـ48 ساعة الماضية بوصولها لنصف مليار محاولة في اليوم الواحد، بالتزامن مع تعرض مواقع إلكترونية للاختراق من قبل قراصنة إيرانيين، وهي: وزارة الزراعة في ولاية تكساس، ومجموعة المحاربين القدامى في ولاية ألاباما، وموقع آخر تابع لمكتب النشر الحكومي.

وأوضحت الشبكة الأمريكية بأنه على الرغم من تزايد النشاط الضار من داخل إيران، إلا أن الهجمات التي تنطلق من دول أخرى زادت أيضًا، لافتًة إلى أن ذلك قد يشير لأن المهاجمين الإيرانيين المهاريين يخفون مواقعهم الحقيقية، أو إلى قيام متسللين غير إيرانيين باستغلال حالة الفوضى الطارئة.

مخاوف من عرقلة طهران لإمدادت النفط الخام

كان من أبرز تداعيات الأزمة الدبلوماسية المتصاعدة بين واشنطن وطهران، وبلغت ذروتها خلال الأيام الماضية، أنها عززت من مخاوف عدم اقتصار الأضرار على ناقلات النفط التي تعبر في منطقة الخليج، إنما امتدت لتشمل مخاوف من وصولها لمواقع إنتاج النفط، خصيصًا في العراق الذي يشهد سحب شركات النفط العالمية العمال الأجانب من المنطقة.

وتشير تقارير صحفية إلى أن شركة أرامكو السعودية بدأت تدرس تحويل مسار الناقلات المحملة بمنتجاتها النفطية لتفادي مضيق هرمز، في الوقت الذي يتوقع مراقبون أن يكون مضيق هرمز خيارًا من بين مجموعة خيارات ترد بها طهران على اغتيال الجنرال سليماني خلال المرحلة القادمة بعرقلتها لإمدادات النفط الخام القادمة من دول الخليج العربي، ما يهدد بارتفاع سعر البرميل الواحد إلى ما يقارب مائة دولار.

وخلص تقرير صدر عن الأمم المتحدة، الأربعاء، إلى أن جماعة أنصار الله الحوثي اليمنية – المتحالفة مع طهران- لم تكن مسؤولة عن الهجمات الصاروخية التي ضربت منشآتي النفط السعوديتين في منطقة أبقيق وخريص في أيلول/سبتمبر الماضي، بعد تشكيك المحققين بأن تكون الطائرات المسيرة وصواريخ الكروز المستخدمة في الهجوم "ذات نطاق يكفي لإطلاقها من الأراضي اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين".

ووصف مسؤول في شركة تعمل في أوروبا تضم ​​أكثر من 20 ناقلة نفط الشرق الأوسط بأنه "برميل بارود"، على خلفية التصعيد العسكري الذي تعيشه المنطقة مؤخرًا، لكنه في مقابل ذلك توقع عدم تعرض ناقلات النفط التي تعبر الخليج لهجمات جديدة، مشيرًا إلى تلقيهم "تأكيدات شفهية من إيران بأن السفن لن تتعرض للضربات".

لماذا تجنبت طهران استهداف الجنود الأمريكيين بالهجمات الصاروخية؟

في معرض تعليقها على الهجمات الصاروخية ضد القاعدتين العسكريتين اللتين تستضيفان القوات الأمريكية، قالت شبكة CNN الأمريكية إن طهران لم تكن ترمي من وراء هذه الضربات قتل أكبر عدد ممكن من الجنود الأمريكيين، مرجعة سبب عدم وقوع ضحايا لثلاثة احتمالات، يأتي في مقدمتها عدم إدراك الزعيم الإيراني الأعلى أية الله علي خامنئي لقدرات القوات الإيرانية المسلحة، إضافًة لمبالغته "في تقدير فاعلية الضربات التي فشلت".

وترى الشبكة الأمريكية أن "انتصار الاعتدال" من الممكن أن يكون احتمالًا ثانيًا، بحيث أن الرد الإيراني انتهى بضرب أهداف عسكرية بعدد قليل من الصواريخ لتكون بمثابة "مخرج يرغب به الطرفان"، مضيفًة أن الاحتمال الثالث يبقى في إطار محاولة طهران منح واشنطن "إحساسًا زائفًا بالأمان"، وأنها ضعيفة عسكريًا فيما تقوم بالإعداد لرد قد يكون أسوأ.

في حين تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن طهران من خلال استهدافها لمنشآتي النفط السعوديتين، أظهرت امتلاكها لمجموعة من الأسلحة الخفية في ترسانتها العسكرية قد تشكل تهديدًا أكبر من السابق في حال تصاعدت الأعمال العدائية، الأمر الذي يتماشى مع وجهات نظر ترى أن القدرات الهجومية لدى طهران أقوى من القدرات الدفاعية، ما يجعلها تملك القدرة على إحداث أضرار جسيمة قد تجعل كلفة الحرب معها كبيرة.

عمّقت الضربة الجوية التي استهدفت بتوجيهات من ترامب الجنرال سليماني الانقسام الحزبي داخل الكونغرس الأمريكي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون

ووفقًا للصحيفة الأمريكية فإن رأيًا آخر يبرز بين المحللين يميل إلى أن الزعيم الإيراني الأعلى قد أمر فعليًا بأن يكون الهجوم "رمزيًا.. وغير ضار نسبيًا" دون أن تثير حربًا شاملة مع واشنطن، إنما أرادها فقط لإظهار أنه استجاب بسرعة لمطالب الإيرانيين بالانتقام للجنرال الإيراني، فيما ذهب محللون آخرون للقول إن طهران من الممكن أن ترد على الهجوم الصاروخي عبر حلفائها في المنطقة من خلال الهجمات السرية أو غير المباشرة بدون أن تترك دليلًا واضحًا يحمل طهران مسؤوليتها.

اقرأ/ي أيضًا: أسئلة ما بعد سليماني.. الحسابات الإستراتيجية أمام احتمالات التصعيد

وكان الرئيس ترامب قد أعلن دخول فرض إدارته عقوبات مشددة على طهران حيز التنفيذ أمس الخميس، ونقلت وكالة الأنباء العالمية على لسان ترامب قوله: "لقد دخلت (العقوبات) حيز التنفيذ بالفعل.. إنها مشددة للغاية، ووافقت عليها للتو مع وزارة الخزانة"، لافتًا إلى أن الإعلان عن تفاصيل العقوبات بشكل رسمي من المكتب البيضاوي سيكون قريبًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 ما بعد اغتيال سليماني.. هل انتهى عصر الحرب بالوكالة في المنطقة؟

تقدير موقف: الأزمة الأمريكية – الإيرانية.. كيف ترد إيران على مقتل سليماني؟