30-مايو-2018

سلفادور دالي/ إسبانيا

ربما صادفت أحيانًا لوحات رسم تبدو عبثية للغاية وليس لها أي معنى منطقي، ومع ذلك تباع بملايين الدولارات، ما يثير الكثير من الاستغراب لدى المرء، لكن من قال إنه من الضروري أن يكون هناك معنى!

تميزت الأعمال السوريالية بعنصر المفاجأة والصدمة، بالإضافة إلى العشوائية وغياب التسلسل

هذا ما تدعو إليه المدرسة السوريالية في الفن، التي تسعى إلى التعبير وفقط. وفي عالمنا اليوم، المشبع بالمنطق والعلم، تختبئ السوريالية في كثير من الأعمال الفنية، ليس فقط في لوحات الرسم، وإنما أيضًا في الكتابة والتصوير والمسرح والسينما، لتخفف على المتلقين حدة عقلانية الأشياء ودفعهم نحو عوالم غريبة تستحق التجريب وإن كانت تبدو بدون معنى.

لكن ما السوريالية؟

لطالما كان المفكرون المبدعون يتلاعبون بالواقع بطريقة قصدية، كما تظهر اللوحات الجدارية القديمة، فمثلًا صوّر الرسام الإيطالي غيسيبي أرسيمبولدو، خلال عصر النهضة، وجوها بشرية مشكلة من الفاكهة والزهور والحشرات والأسماك، في حين حوّل الرسام الهولندي هيرونيموس بوش الأدوات المنزلية إلى وحوش مرعبة في لوحاته الفنية.

لكن السوريالية كاتجاه فني واضح المعالم لم يبدأ تبلوره سوى مع أوائل القرن العشرين، حيث حفزت فوضى ومأساة الحرب العالمية الأولى التي شهدتها أوروبا الفنانين والفلاسفة المبدعين في الابتعاد عن التقاليد السائدة واستكشاف أشكال جديدة للتعبير، من خلال البحث عن طرق لتحرير النفس والاستفادة من الخزانات الخفية للإبداع، مدفوعين بأفكار فرويد حول اللاوعي، والأعمال الثورية  لـ"دادا".

ومن ثمّ بدأ رهط من الفنانين يتمردون على المعاني المتفق عليها، والقواعد الأخلاقية والنظرة السائدة التي يرى بها الناس العالم، ليدشنوا نهجًا طليعيًا للفن يسخر من عبثية الواقع وادعاء المنطق بامتلاكه الحقيقة المطلقة، بالاعتماد على تقنيات مقصودة لإنتاج أعمال غريبة تلامس العقل الباطن للرسام الذي أنتجها والمتلقي الذي يتذوقها.

على هذا المنوال سار الأدباء وجربوا الكتابة التلقائية لتحرير خيالهم من كل القيود، التي قد تملي عليهم ما يكتبون بما في ذلك المنطق، وقدموا أعمالهم طازجة بما تحتويه من أفكار مقطعة ومعان غريبة، في حين عمد الرسامون إلى إنجاز لوحات بشكل جماعي وبدون تنسيق لمراد اللوحة، ليحصلوا في الأخير على رسومات غريبة أبدعتها أيادٍ عدة.

هكذا تشكلت الفلسفة السوريالية كاتجاه ثقافي يتحدى المنطق وينتصر للواقع المتخيل واللاوعي، بهدف حل تناقضات الواقع المنطقي وتنفيس المكبوتات النفسية الكامنة في الباطن بعيدا عن كل القيود، للوصول إلى ما يسميه السورياليون بـ "الحقيقة الفائقة" التي لا يتآلف معها العقل البديهي.

لهذا السبب تميزت الأعمال السوريالية بعنصر المفاجأة والصدمة، بالإضافة إلى العشوائية وغياب التسلسل، فالسوريالية لا تكترث بالقواعد الاجتماعية التي يتوافق حولها الناس، ولا تسعى إلى الفهم – الذي يتطلب المنطق-  بالضرورة، ، وإن كانت بعض الأعمال السوريالية قد تحتوي فعلا على معنى ما أو قصة، لكنها تبدو كلغز، بحيث يكون مضمونها مبطنا داخل الرموز أو الصور المشهدية، وبعضها الآخر قد لا يقصد صانعها أي معنى أصلا، بل فقط يعبر بتلقائية ويترك للمتلقي تذوق اللوحة بطريقته الخاصة.

أبرز الفنانين السورياليين

هناك اتجاهان في المدرسة الفنية السوريالية، اتجاه يعبر عن الحس السوريالي من خلال التصوير المشهدي، وآخر يعتمد على التجريد والرموز، وهؤلاء أبرز الفنانين الذين تندرج أعمالهم في الإطار السوريالي.

1. سلفادور دالي

كان الرسام الإسباني سلفادور دالي (1904-1989) يجسد السريالية ليس فقط في فنه بل وفي سلوكه اللامبالي بالقواعد الاجتماعية، كان دالي أحيانا يستلقي على السرير أو في حوض الاستحمام إلى أن تراوده أحلام ثم يرسم رؤياه السوريالية، وزعم أن ساعات الذوبان في رسوماته الشهيرة "The Persistence of Memory" ، جاءت من هلوساته الذاتية.

سلفادور دالي

2. بول كلي

يعتقد الفنان الألماني السويسري بول كلي (1879-1940) أن الفن لا ينبغي أن يعيد إنتاج الواقع، وإنما مهمته أن يجعل الواقع الخفي مرئيًا، فكان يعبر بلوحاته التلقائية عن مكنوناته الروحية ومكبوتاته الطفولية، معتمدًا على التصوير والألوان، وقد تسببت أعماله السوريالية، التي كانت تسخر من النازية، في نهب منزله وطرده من وظيفته في ألمانيا، مما دفعه للعودة إلى موطنه الأصلي بسويسرا.

بول كلي
بول كلي

3. رينيه ماغريت

كانت الحركة السوريالية جارية بالفعل عندما انتقل الفنان البلجيكي رينيه ماغريت (1898-1967) إلى باريس وانضم إلى مؤسسيها، فأصبح معروفًا بعروضه الواقعية لرسومات الهلوسة، والتوازنات المزعجة، والتورية البصرية. على سبيل المثال، يضع في غحدى لوحاته القتلة المعتدين مع رجال يرتدون بدلات وقبعات في وسط مسرح جريمة رهيبة.

رينيه ماغريت
رينيه ماغريت

4. أندريه ماسون

أصيب أندريه ماسون بصدمة نفسية أثناء الحرب العالمية الأولى من جراء المآسي التي خلفتها، جعلته يتبنى السوريالية إلى أقصى حد، فكان يلجأ إلى المخدرات ويحرم نفسه من النوم ويرفض الطعام، لإضعاف سيطرته الواعية على حركات قلمه، بحثًا عن العفوية في أعماله الفنية، وقد قادته تجاربه الغريبة إلى مقاربات جديدة في التعبير بالفن.

أندريه ماسون
أندريه ماسون

5. ألبيرتو جياكوميتي

تبدو التماثيل التي قام بها السريالي المولود في سويسرا، ألبيرتو جياكوميتي (1901-1966)، وكأنها لعب أطفال أو قطع فنية بدائية، ولكنها في الحقيقة تشير إلى إشارات مقلقة تثير الصدمة وهواجس جنسية يعاني منها الرسام، في هذه الرسمة يصور ألبيرتو الأجزاء التشريحية لحلق امرأة مقطوع ومشوه.

لذلك لم يكن غريبا أن الحركة النسوية كانت أشد المنتقدين للاتجاه السوريالي، ويعتبرونه حركة ذكورية تتبنى مواقف قديمة ضد المرأة، مثل تصويرهم بشكل رمزي النساء في قوالب نمطية وأعراف جنسية، وربطهم بقيم توحي بالغموض والرغبة، لكن مؤرخة الفن، ويتني تشادويك، ترفض هذا النقد وتقول: "لقد خاضت السريالية أيضا معارك ضد المؤسسات الاجتماعية - الكنيسة ، والدولة ، والعائلة - التي تنظم مكانة المرأة في إطار النظام الأبوي".

ألبيرتو جياكوميتي
ألبيرتو جياكوميتي