27-أبريل-2023
Getty

يرى بايدن في ترامب المنافس الأمثل له والقادر على هزيمته (Getty)

"كل جيل لديه لحظة يتعين عليه فيها الدفاع عن الديمقراطية، الدفاع عن حرياته الأساسية. أعتقد أننا لها، ولهذا السبب أنا أترشح لإعادة انتخابي كرئيس للولايات المتحدة"، بهذه الكلمات، حسم الرئيس الأمريكي جو بايدن فترة من التكهنات والترقب حول إعلان ترشحه في الانتخابات بشكلٍ رسمي، جاء ذلك عبر مقطع مصور نشره بايدن على تويتر. 

حقق بايدن الكثير من وعوده الانتخابية، لكن هناك الكثير منها لم يتحقق خاصةً بعد فوز الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي

وحمل إعلان الترشح في هذا التاريخ دلالةً رمزية، إذ صادف الذكرى الرابعة لإعلان المرشح الديموقراطي جو بايدن دخوله سباق الانتخابات الرئاسية السابقة تحت شعار "من أجل روح أمريكا" التي هزم فيها الرئيس السابق دونالد ترامب، وحرمه من ولاية ثانية.

لا يظهر بايدن في أفضل أحواله شعبيًا، فقد أظهر استطلاع جديد أجرته The Economist وYouGov أن قلة من الديمقراطيين يعتقدون أن جو بايدن هو أقوى مرشح لحزبهم في انتخابات عام 2024. حيث يعتقد 44% من الذين صنفوا نفسهم كأنصار للحزب الديمقراطي بأن بايدن يمتلك أفضل فرصة للفوز بالانتخابات. و47% فقط أرادوا أن يترشح بايدن لولاية ثانية كرئيس. بالطبع، لم يكن أداء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أفضل بكثير لدى أنصار الحزب الجمهوري، الذي فضله 53% منهم. 

Getty

ويبدو أن طريق الرئيس الأمريكي للوصول لولاية ثانية حافل بالتحديات، بداية من عامل السن، والتعامل مع العديد من الملفات الداخلية، بالإضافة للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة في  الصراعات الجيوسياسية مع عدد من البؤر المتوترة في العالم، وصولًا إلى لمواجهة لن تكون سهلة مع الخصم الجمهوري.

تحدي السن

أفادت تقارير طبية صدرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 و شباط/فبراير 2023 بأن الرئيس جو بايدن "في وضع صحي جيد" وأنه "مؤهل لممارسة مهامه".

لكن الرئيس الذي يبلغ حاليًا من العمر 80 عامًا، وسيكون بعمر 86 عامًا في نهاية ولايته الثانية، إن فاز بالسباق الرئاسي بعد عامين، وعليه أن يقنع الجمهوري الأمريكي بقدرته على تولي المنصب لأربعة أعوام أخرى. علمًا أن بايدن هو أكبر الرؤساء سنًا في تاريخ الولايات المتحدة. ويرتبط هذا التحدي في القدرة على أداء المهام، خاصةً أن برنامجه للفترة القادمة سيكون مكثفًا بالنظر للحملة الانتخابية التي تنتظره، وما تتطلبه من جهد ذهني ونفسي وبدني.

وحول هذه الجزئية، لا يتحدث بايدن عنها بشكلٍ خاص، لكن من المرات النادرة التي تطرق فيها لهذا الأمر، كان خلال زيارته الأخيرة لإيرلندا. وخلال خطابه أمام نواب برلمانها في دبلن، قال الرئيس الأمريكي: "أنا في نهاية مسيرتي المهنية وليس في بدايتها". معتبرًا أنه اكتسب "بعض الحكمة مع مرور السنوات"، وأضاف "لدي خبرة أكثر من أي رئيس آخر في التاريخ الأمريكي. هذا لا يجعلني أفضل أو أسوأ إنما يعطيني بعض الأعذار".

في المقابل، اعتبر الحزب الجمهوري أن جو بايدن "منفصل عن الواقع" بعد إعلانه الترشح، ويحاجج الحزب الجمهوري في العديد من المناسبات حول مسألة الوضع الذهني للرئيس، للإيحاء بأن تقدمه في العمر ينال من قدرته على القيام بمهامه، والاستمرار في منصبه.

Getty

سجل حافل بالإنجازات الداخلية

فور الإعلان عن ترشحه للسباق الانتخابي، ظهر الرئيس بايدن، يوم الثلاثاء، أمام حشد من أنصاره، في مؤتمر لنقابات عمال البناء، وهم يهتفون "أربعة أعوام أخرى". ويبدو أن بايدن يملك سجلًا جيدًا في العديد من القضايا المتعلقة بالشأن الداخلي، فقد وفر المزيد من الوظائف، مع المزيد من الفرص للعمال بدون شهادات جامعية. وشيد الكثير من الطرق والجسور، بالإضافة للانتقال للطاقة النظيفة. وقال بايدن إنه في غضون عامين ونصف فقط، تمكن من النهوض بالولايات المتحدة بعد الجائحة التي انهكت المواطنين، وتسببت في انهيار مجتمعي، مؤكدًا أن خطته الاقتصادية تعمل بشكلٍ جيد.

أصوات من تحت الركام

إلى جانب الحزمة البالغة قيمتها تريليون دولار المخصصة للبنية التحتية، والتي تم تمريرها بأصوات أعضاء الحزب الجمهوري، يمكن للرئيس الأمريكي أن يتباهى بانتصارات تشريعية كاسحة كانت تبدو غير ممكنة الإنجاز عندما تولى منصبه. بالإضافة إلى مجموعة من التشريعات الأخرى التي مررها عبر الكونغرس بأغلبية ديمقراطية ضيقة، مثل حزمة إغاثة بقيمة 1.9 تريليون دولار للتعافي من جائحة كوفيد-19، واستثمارات كبيرة لمكافحة تغير المناخ، وخفض تكاليف الأدوية الموصوفة لكبار السن، وزيادة الضرائب على الشركات، وتوسيع العلاج المقدم للمحاربين القدامى، والحوافز لتعزيز صناعة أشباه الموصلات.

وستكون إحدى الركائز الأساسية في حملته الانتخابية، كيفية إعادة بناء الطبقة الوسطى التي استطاع ترامب أن يشكل قاعدة انتخابية عريضة في صفوفها. 

وعود لم تطبق

ومع ذلك، لم يتمكن بايدن من الوفاء بوعوده الرئيسية الأخرى، بما في ذلك سن تشريع لحظر الأسلحة الهجومية، وتغييرات في جهاز الشرطة لمواجهة الاستعمال المفرط للقوة. بالإضافة، لقانون إصلاح شامل للهجرة، يوفر طرقًا للحصول على الجنسية للمهاجرين، وإجازة مرضية وطنية مدفوعة الأجر، وسن تشريع يسمح بإنشاء روضات مجانية للأطفال.

أما الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يسعى لخوض سباقه الرئاسي الثاني ضد بايدن في عام 2024، لم يمنح خصمه المحتمل أي تقدير، قائلًا في بيان: "عندما أقف في مرحلة النقاش وأقارن سجلاتنا، سيكون هذا أسوأ كابوس للديمقراطيين المتطرفين لأنه لم يكن هناك سجل بهذا السوء، ولم يمر بلدنا بهذا القدر من السوء".

Getty

كابوس التضخم

على الصعيد الاقتصادي، يعتبر سجل بايدن معقد نوعًا ما. فقد خلق أكثر من 12 مليون وظيفة منذ أن تولى منصبه مع انتعاش الاقتصاد من الوباء، ووصلت البطالة عند أو بالقرب من أدنى مستوياتها منذ نصف قرن. لكن التضخم ارتفع إلى أعلى مستوياته منذ أربعة عقود، وهو ما دفع ببعض النقاد إلى إلقاء اللوم على الإنفاق الفيدرالي المفرط في عهد بايدن، على الرغم من أن ارتفاع التكلفة كانت ظاهرة عالمية. وبالمثل، قفزت أسعار الغاز إلى مستويات قياسية. 

في وقت تبدو فيه معارضة نواب الحزب الجمهوري في الكونغرس مصممة على استخدام كل الأوراق الممكنة للتصدي لمشاريع الموازنة التي عرضها بايدن، وصولًا الى حد التلويح بخطر التخلف عن السداد.

بين عمل القضاء وتشريعات بايدن؟

وفي مجال القضاء، عمل بايدن بعكس ما كان يفعله سلفه ترامب في محاولته التأثير على عمل القضاء. فقد دفع بالمزيد من التعيينات القضائية عبر مجلس الشيوخ في أول عامين له مقارنة بسلفه، وأوفى  بوعده بتعيين أول امرأة سوداء في المحكمة العليا. لكنه لم يكن قادرًا على العمل مع المشرعين، فقد اعتمد على تفسير موسع لسلطته التنفيذية لتحقيق أهداف السياسة، وأبرزها قراره بشطب 400 مليار دولار من ديون القروض الطلابية، والتي جسدت واحدة من أكثر قضايا الفصل بين السلطات في التاريخ الأمريكي. فقد رفعت 6 ولايات أمريكية دعوى قضائية ضد قرار الرئيس الأمريكى جو بايدن بشطب مئات مليارات الدولارات من ديون القروض الطلابية. 

وكان بايدن قد استند إلى حالة الطوارئ الوطنية لمحاربة وباء كوفيدــ 19، لإلغاء ديون 95% من الطلاب المقترضين، وارتكز أيضًا إلى قانون فرص إغاثة التعليم العالي للطلاب لعام 2003، والذي يسمح لوزير التعليم بالتنازل أو تعديل شروط قروض الطلاب الفيدرالية في أوقات الحرب أو الطوارئ الوطنية.

Getty

مواجهة ترامب خيار مفضل

لا يخفي جو بايدن تفضيله مواجهة دونالد ترامب في انتخابات عام 2024، فهو امتلك سابقة في هزيمته، كما أن ترامب في نظر أنصار الحزب الديمقراطي شخصية تثير المخاوف، بالإضافة إلى إدانته في القضاء. والقلق الذي يدور في الحزب الديمقراطي، هو ظهور منافس آخر، مثل حاكم فلوريدا رون دي سانتيس.

حرب أوكرانيا والتصعيد مع الصين

على الصعيد الدولي، عمل بايدن على تنشيط العلاقات الدولية التي توترت في عهد سلفه ترامب، وأعاد الالتزام بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بالإضافة للانضمام إلى اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ. لكن، جهوده لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه ترامب لم تسفر عن تقدم ملموس.

كما أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد 20 عامًا تحول إلى كارثة، وفشل ذريع، فقد سيطرت حركة طالبان على البلاد بشكل السريع مع انسحاب غير منظم. 

Getty

وأدى الانسحاب الفوضوي للقوات الأمريكية والحلفاء، مع فرار حشود من المتعاونين الأفغان، إلى وقوع هجوم في مطار العاصمة كابول بعد تفجير انتحاري أودى بحياة  13 جنديًا أمريكيًا و170 مدنيًا.

وعلى الرغم من انتقادات ترامب لهذا الانسحاب، إلا أن بايدن عبر مرارًا عن أن قام بإكمال اتفاقية ترامب التي عقدت مع طالبان، للانسحاب من البلاد. فيما جادل بعض الخبراء بأن الفشل الذريع في الانسحاب عبر مطار كابول، شجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اعتقاد أن بايدن كان ضعيفًا. وهي نقطة تحداها بايدن بشكلٍ فعال، مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، من خلال تقديم الدعم لكييف وحشد الحلفاء حولها. وخصص بايدن أكثر من 100 مليار دولار لتسليح الجيش الأوكراني، وتمكين الحكومة والشعب الأوكراني من مواجهة الهجوم الروسي. فيما تحول هذا الإنفاق على أوكرانيا، إلى نقطة هجوم من قبل أنصار الحزب الجمهوري ونوابه، لن يمنحوا أوكرانيا "شيك على بياض".

بخصوص العلاقة مع الصين، فقد بنى بايدن كل سياسته الخارجية على أساس التنافس معها، خاصة الوقوف في وجه طموحها بضم جزيرة تايوان

أما بخصوص العلاقة مع الصين، فقد بنى بايدن كل سياسته الخارجية على أساس التنافس معها، خاصة الوقوف في وجه طموحها بضم جزيرة تايوان. ويُقر بايدن خلال تسجيل انطلاق حملته الانتخابية، والخطاب الذي تلاه يوم الثلاثاء، بأنه لم ينجز كل ما كان يرغب فيه، قائلًا: "أمامنا الكثير من العمل للقيام به".