05-يوليو-2022
يطالب المحتجون في ليبيا بعدم المماطلة في إجراء انتخابات (رويترز)

يطالب المحتجون في ليبيا بعدم المماطلة في إجراء انتخابات (رويترز)

تواصلت الاحتجاجات الشعبية في ليبيا بسبب تردي الأوضاع المعيشية، وفشل الأجسام السياسية في تسوية الخلافات بينها، رغم المحاولات التي جرت مؤخرًا في كل من القاهرة وجنيف لتقريب وجهات النظر للوصول لاتفاق يتم بموجبه إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية كحل يأمل الليبيون أن يؤدي إلى الاستقرار، في بلد لا يزال واقعًا تحت تأثير الانقسامات السياسية وتردي الأوضاع الأمنية.

تواصلت الاحتجاجات الشعبية في ليبيا بسبب تردي الأوضاع المعيشية، وفشل الأجسام السياسية في تسوية الخلافات بينها

وطالب المشاركون في مظاهرات الجمعة بتحسين الظروف المعيشية وإنهاء أزمة الكهرباء، واقتحموا مقر البرلمان في طبرق وأضرموا النار في جزء منه، كما طالبوا بحل البرلمان مرددين هتافات منها "ارحلوا يا سراقة (لصوص)". كما أكد المحتجون أنهم سيواصلون التظاهر إلى أن تتنحى جميع النخب الحاكمة عن السلطة.

 وتجددت الاحتجاجات الشعبية التي كانت قد انطلقت الجمعة في مناطق متفرقة من ليبيا، وانتشرت مقاطع فيديو لمجموعة شباب اعتصموا أمام مقر المجلس الرئاسي في منطقة النوفليين بطرابلس وهم يحملون لافتات تطالبه برحيل المجلس مع كل الكيانات السياسية الحالية. وكان متظاهرون طالبوا المجلس الرئاسي بإعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي الدولة والنواب مع الحكومتين، وتسلم زمام الأمور وقيادة البلاد مع المجلس الأعلى للقضاء إلى الانتخابات.

كما تحركت مجموعات شبابية في أنحاء متفرقة من طرابلس وقاموا بإشعال الإطارات في الطرقات تعبيرًا عن رفضهم لاستمرار الأجسام السياسية الحالية، كما طالبوا بتوفير الكهرباء التي تنقطع يوميًا نحو 15 ساعة. وفي منطقة جودايم أغلق المحتجون طريق طرابلس-الزاوية، أما في منطقة ورشفانة المحيطة بطرابلس غربًا وجنوبًا، فقد أغلق المتظاهرون طرقًا عدة، وطالب مجلس حكماء وشيوخ ورشفانة في بيان لهم بمنع ترشح المسؤولين الحاليين في الانتخابات القادمة، وكذلك مزدوجي الجنسية، مؤكدين استمرار المظاهرات وملوحين بالعصيان المدني.

وتجددت احتجاجات مماثلة في مدينة زليتن شرقي طرابلس، حيث خرجت مجموعة من الشباب للطريق الساحلي منددين بسوء الوضع المعيشي والخدمات، وطالبوا برحيل الحكومتين والمجلس الرئاسي ومجلسي النواب والدولة. وفي مصراته خرجت مظاهرة كبيرة جابت شوارع المدينة، وطالبت الهتافات والشعارات فيها برحيل الأجسام السياسية، وأغلق المتظاهرون بالرمال  مقر المجلس البلدي في المدينة، مطالبين بفتح الموانئ وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وامتدت ألسنة لهب الاحتجاجات الشعبية إلى مدينة بني الوليد مطالبة برحيل جميع الأجسام التشريعية والتنفيذية من سدة الحكم، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من التراب الليبي، إضافة إلى تحسين الظروف المعيشية والخدمية، وعلى رأسها توفير التيار الكهربائي. هذا وأكد  تيار "بالتريس" الشبابي أن حركة الاحتجاج ستصعد حملتها ابتداء من الأحد. ودعت المتظاهرين إلى "نصب خيام في الميادين بالمدن وإعلان العصيان المدني إلى أن يتحقق هدفهم المتمثل في إسقاط المؤسسات السياسية وإجراء انتخابات جديدة". وأضاف التيار الذي يركز في الأغلب نشاطاته حول الظروف المعيشية "نؤكد عزمنا على مواصلة التظاهر السلمي حتى آخر رمق إلى حين تحقيق الأهداف"، مؤكدًا أنه "سيحتل الشوارع والميادين حتى يعلنوا استقالتهم أمام العلن"، في إشارة إلى جميع الكيانات السياسية الحاكمة.

وبالمجمل، كان المطلب المشترك في كل الاحتجاجات التي عمت المدن الليبية هو رحيل الكيانات السياسية الحاكمة. فمن هي تلك الكيانات التي تطالب الاحتجاجات الشعبية برحيلها وتحملها مسؤولية تدهور الحالة المعيشية وتردي الوضع الأمني والانقسام الحاصل في ليبيا؟

مجلس النواب الليبي

Speaker of the House of Representatives of Libya, Aguila Saleh and Moroccan Foreign Minister Nasser Bourita hold a joint press conference after their...

انتُخب المجلس في عام 2014، ليكون البرلمان الوطني للبلاد بتفويض مدته أربع سنوات للإشراف على الانتقال إلى دستور جديد تصيغه هيئة منتخبة. لكن خلافًا ظهر حول شرعية انتخابات عام 2014، ورفض المجلس التشريعي السابق تسليم السلطة، ما سرع بحدوث انقسام بين الفصائل والمليشيات المسلحة في شرق وغرب ليبيا.

لاحقًا، أبرم اتفاق سياسي عام 2015 نال بموجبه مجلس النواب اعترافًا دوليًا باعتباره البرلمان الشرعي، إضافة إلى المجلس الأعلى للدولة باعتباره الغرفة الثانية الاستشارية بالبرلمان. كما تم الاعتراف بحكومة الوفاق الوطني المؤقتة كجهة تنفيذية. غير أن هذا الاتفاق لم يوقف القتال بين الأطراف المتناحرة، وظل مجلس النواب في مدينة طبرق في شرق البلاد، حيث دعم رئيسه عقيلة صالح وأغلب أعضائه حكومة موازية في الشرق، وميليشيات عسكرية تربطها علاقات إقليمية مثيرة للجدل.

بالمقابل يقول منتقدو مجلس النواب إن التفويض الذي ناله انتهى أجله، وبالتالي شرعيته، ويتهمون رئيس المجلس باستغلال القواعد البرلمانية للدفع بجدول يخدم مصالحه الشخصية، ويخضع لأوامر زعيم المليشيا القوي في شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

المجلس الأعلى للدولة

Head of the Libyan High Council of State Khalid Al-Mishri speaks to media within "International Istanbul Meetings" organized by Centre for...

تشكل المجلس الأعلى للدولة من أعضاء أول برلمان ليبي مؤقت، والذي انتخب عام 2012، ويشكك أعضاؤه في شرعية انتخابات 2014. وبموجب الاتفاق السياسي الليبي المبرم عام 2015 يعتبر المجلس الأعلى للدولة الغرفة الثانية الاستشارية للبرلمان ودوره استشاري، وأي تعديلات كبيرة في الدستور أو تشكيل حكومات جديدة تتطلب موافقة المجلسين للحصول على الدعم الدولي.

ويقول منتقدو المجلس الأعلى للدولة إنه يفتقر للشرعية الشعبية، وإن رئيسه خالد المشري يعمل نيابة عن تنظيم سياسي خسر في انتخابات عام 2014، ويسعى للتشبث بالسلطة.

حكومة الوحدة الوطنية

Libyan Prime Minister, Abdul Hamid Dbeibeh attends Eid al-Fitr prayers marking the end of the holy fasting month of Ramadan at the Al-Ghalban Mosque...

 خلال فترة توقف الاقتتال عام 2020، انعقد ملتقى الحوار الوطني في جنيف وضم شخصيات من مختلف التيارات السياسية. اتفقت هذه الأطراف على خريطة طريق بتم بموجبها إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية يوم 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021، ونالت خريطة الطريق دعم الأمم المتحدة. ووافق المشاركون في الملتقى على تشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة وحدة وطنية للإشراف على إجراء الانتخابات، كما وافقوا على أن يحل هذان الكيانان محل حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في طرابلس، وعلى أن يقود ذلك إلى حل الحكومة الموازية في الشرق التي كانت مدعومة من قبل مجلس النواب.

واختار الملتقى بعد التصويت على عدد من المرشحين تعيين عبد الحميد الدبيبة رئيسًا لحكومة الوحدة الوطنية، ووافق مجلس النواب على حكومته في آذار/ مارس 2021، لكن الخلافات بين الحكومة والمجلس على القواعد الحاكمة للعملية الانتخابية حالت دون إجرائها وتم تأجيلها.

الحكومة الموازية التي عينها مجلس النواب

Fathi Bashagha, Prime Minister-designate by the eastern-based Libyan House of Representatives in Tobruk, makes a statement during a press conference...

عين مجلس النواب رئيسًا للوزراء هو وزير الداخلية في حكومة الوفاق السابقة فتحي باشاغا، معلنًا أن حكومة الوحدة الوطنية انتهى تفويضها يوم 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021 بعد تأجيل الانتخابات، وأثار ذلك خلافات جديدة وجدد الانقسام بين شرق ليبيا وغربها، وجمد العملية السياسية، ووضع البلاد في أزمة جديدة.

وأدى باشاغا وحكومته اليمين الدستورية أمام مجلس النواب، لكنه لم يتمكن من دخول طرابلس أو السيطرة على أي مؤسسة حكومية رغم العديد من المحاولات.

بالمجمل، كان المطلب المشترك في كل الاحتجاجات التي عمت المدن الليبية هو رحيل الكيانات السياسية الحاكمة

المجلس الرئاسي الليبي

Chairman of the Presidential Council of Libya Mohamed Yunus al-Menfi arrives for an EU Africa Summit on February 17, 2022 in Brussels, Belgium. The...

المجلس الرئاسي الليبي هو هيئة تنفيذية تم تشكيلها بموجب بنود الاتفاق السياسي الليبي الذي تم توقيعه في 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة. وتمت إعادة تشكيله وفق خريطة الطريق عام 2020، وتم انتخاب أعضاء المجلس من الأقاليم الليبية الرئيسية الثلاثة في الغرب والشرق والجنوب، لكن لم يلعب دورًا يذكر في حل الأزمة السياسية، وقد لمح  رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي  إلى استعداده لقيادة المرحلة الانتقالية المقبلة. حيث قال إنه "يقف إلى جانب مطالب الشعب"، مؤكدًا "التزام المجلس باستحقاقات المرحلة وتلبية تطلعات الشعب الليبي بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وفق إطار توافقي بين جميع الأطراف".