22-يوليو-2022
مصير غامض للعملية التركية في شمال سوريا بعد قمة طهران (Getty)

مصير غامض للعملية التركية في شمال سوريا بعد قمة طهران (Getty)

على الرغم من تحذيرات موسكو وطهران وواشنطن لتركيا من شن هجوم جديد في الشمال السوري، جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديده بتنفيذ عملية عسكرية تستهدف قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة والتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة. وارتفعت نبرة أردوغان عقب قمة طهران الثلاثية التي جمعته مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي، حيث طالب الرئيس التركي من الولايات المتحدة الانسحاب من مناطق شرق الفرات، والتوقف عن دعم "الجماعات الإرهابية" في المنطقة حسب قوله في إشارة إلى الوحدات الكردية.

السيناريو الأكثر حضورًا حاليًا هو بأن تشن تركيا عملية عسكرية محدودة في محيط تل رفعت بريف حلب، على أن يكون هناك تفاهم على باقي المناطق

وعلى الرغم من أن البيان الختامي للقمة الثلاثية في طهران، أكد على لسان الدول الثلاث "تصميمها على مواصلة التعاون للقضاء على الإرهابيين في سوريا، مع رفضهم أي محاولة لخلق وقائع جديدة على الأرض بحجة مكافحة الإرهاب"، بالاضافة للوقوف بـ"وجه أي تهديد للأمن القومي للدول المجاورة لسوريا"، لكن لم تحظ تركيا بتفويض لشن هجوم واسع، وهو ما أكده المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي  خلال استقباله أردوغان، مشيرًا أن "عملية عسكرية تركية ستعود بالضرر على سوريا وتركيا والمنطقة".

وهو ما ذهب إليه وزير خارجية النظام فيصل المقداد في طهران التي زارها غداة القمة، حين قال إن "أردوغان لم ينجح في تحقيق الأهداف التي كان يسعى إليها". كل هذه التصريحات المتضاربة تضع تساؤلات عن المؤشرات غير الواضحة من حدوث اتفاق أو عدمه بخصوص العملية العسكرية التركية المرتقبة خلال قمة طهران. ويذهب محللون عسكريون وسياسيون للقول بأن الغاء العملية العسكرية التركية شمال سوريا مرهون بما تستطيع أن تقدمه روسيا وإيران لتركيا لضمان أمنها القومي، لكن إن كان الأمر يتعلق بالضمانات الروسية السابقة والتي شملت تعهدات بإرسال مجموعات من قوات النظام السوري إلى الحدود التركية فمن المرجح أن تركيا لن تقبلها.

في هذا السياق، تشير الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية دارين خليفة لوكالة فرانس برس "لم تمنح القمّة أردوغان الضوء الأخضر للمضي في هجومه". لكنّها تذكّر بأن تركيا "أطلقت مرارًا عمليات عسكرية في سوريا من دون ضوء أخضر" ورغم اعتراض قوى رئيسية بينها موسكو وواشنطن. من جهتها تقول منى يعقوبيان من معهد الولايات المتحدة للسلامة لوكالة الصحافة الفرنسية بأن القمة لا "تثني أردوغان الذي يتحضر لانتخابات رئاسية في 2023 عن القيام بخطوة رمزية تتيح له الادعاء بأنه قام بتحرك، ولكن من دون شن هجوم عسكري واسع"، خصوصًا أنه" يعتقد أن هجومًا في سوريا وربطه بمسعى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم سيكسبه تعاطفًا قبل الاستحقاق".

إشارات يتفق معها مسؤولون أتراك، حيث أكد وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو الخميس أن "تركيا لا تطلب الإذن مطلقًا من أحد قبل شن عملية عسكرية في سوريا"، مضيفًا "يمكننا تبادل أفكار، لكننا لم ولن نطلب مطلقًا إذنًا لعملياتنا العسكرية ضد الإرهاب".

في المقابل، فإن الحديث عن إنهاء "الإدارة الذاتية" يصطدم بتصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال جولته بالشرق الأوسط، التي أكدت على أن الولايات المتحدة لن تبتعد عن المنطقة وتترك فراغًا تملؤه روسيا والصين وإيران. وفي نفس الإطار تأتي تصريحات قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا الذي أشار إلى "معارضة المؤسسات العسكرية والحكومية الأمريكية أي هجوم تركي محتمل ضد مناطق شمالي وشرقي سوريا"، وجاء هذا التصريح بعد لقاء جمع كوريلا مع القائد العام لـ"قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي وفق بيان للمكتب الاعلامي لقسد.

هذه التصريحات تشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى عن حلفائها في شرق الفرات، وتتركهم عُرضة للهجوم من قبل القوات التركية، وهو ما يدفع واشنطن لمحاولة إيجاد أرضية مشتركة مع أنقرة للبحث عن حل في الشمال السوري بعيدًا عن مسار "أستانة" المتعلق بشكل رئيسي بالشأن الميداني أكثر من أي شأن آخر إنساني أو سياسي في سوريا.

السيناريو الأكثر حضورًا حاليًا هو بأن تشن تركيا عملية عسكرية محدودة في محيط تل رفعت بريف حلب، على أن يكون هناك تفاهم على باقي المناطق، بحيث تكون هناك إجراءات تختبرها تركيا لتراقب تأمين عدم تسلل المجموعات التي تصنفها تركيا على أنها إرهابية إلى الأراضي التركية، أو إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري شمال سوريا.

الحديث عن إنهاء "الإدارة الذاتية" يصطدم بتصريحات الرئيس الأمريكي التي أكدت على أن الولايات المتحدة لن تبتعد عن المنطقة وتترك فراغًا تملؤه روسيا والصين وإيران

يذكر أن تركيا شنت بين عامي 2016 و2019 ثلاث عمليات عسكرية في سوريا لإبعاد القوات الكردية عن حدودها، وتتهم أنقرة الوحدات بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربًا ضدها منذ عقود. وتشكل تل رفعت ومنبج اللتان تهدد تركيا باستهدافهما جزءًا من "منطقة آمنة" بعرض 30 كيلومتراً تريد تركيا إقامتها قرب حدودها الجنوبية.