07-أبريل-2018

العلاقات المستقرة من أسرار إطالة العمر (Harvard.edu)

ما هو السر وراء قضاء عمر طويل سعيد؟ المال أم الشهرة أم السلطة أم ماذا؟ دراسة علمية عمرها 80 عامًا، بدأت في الثلاثينات في الولايات المتحدة، وامتدت لـ30 عامًا، تعقبت خلالها 268 طالبًا من طلاب جامعة هارفارد العريقة، حاول فيها العلماء البحث عن أدلة علمية تُرشد للسر وراء الحياة الطويلة والأكثر سعادة.

أجريت دراسة على مئات الحالات في الولايات المتحدة، كشفت أنّ العلاقات المستقرة والمتوازنة، تؤخر التدهور العقلي والجسدي

علاقاتنا تحدد جودة أعمارنا

امتدت الدراسة عشرات السنين، وشملت في البداية 268 طالبًا من طلاب هارفارد في أواخر الثلاثينات. وبقي ممن أُجريت عليهم الدراسة أول مرة 19 شخصًا على قيد الحياة، أغلبهم في التسعينيات من عمرهم.

اقرأ/ي أيضًا: نصائح لحياة أكثر سعادة 

ومن بين من شملته الدراسة الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي، الذي تعرض للاغتيال عام 1963، وبينهم أيضًا رئيس تحرير صحيفة واشنطن بوست السابق، بن برادلي، الذي وافته المنية عام 2014. لكن الدراسة لم تشمل أيًا من الإناث، حيث كان من النادر دخول النساء للجامعات حينها.

فيما بعد، وسّع الباحثون الدراسة، لتشمل أيضًا ذرية الأشخاص الذين مثلوا عينات الدراسة في البداية، ويبلغ عددهم الآن 1300، ومعظمهم تتراوح أعمارهم بين الخمسينات والستينات، وذلك لمعرفة كيف تُؤثر السنين الأولى من الحياة على الصحة والشيخوخة على مر الزمن. وبعض المشاركين في الدراسة، باتوا الآن رجال أعمال وأطباء ومحامين، بينما انتهى الحال بآخرين كمصابين بالفصام أو مدمنين على الكحوليات.

وفي السبعينات، تم تضمين 456 من سكان مدينة بوسطن، لا يزال 40 منهم على قيد الحياة، ثم قامت الدراسة بتوسيع نماذجها لتشمل زوجات المتطوعين أيضًا. ودرس الباحثون المسارات الصحية للمشاركين وحياتهم الأوسع، بما في ذلك انتصاراتهم وإخفاقاتهم في الحياة المهنية وفي الزواج، وقد أسفرت الأبحاث عن نتائج مثيرة.

روبرت فالدينغر، مدير الدراسة والمشرف عليها، وهو طبيب نفسي في مستشفى ماساتشوستس العام، وأستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد، قال في تصريح عن الدراسة، إن "الملهم فيما وجدناه من نتائجها، هي أن العلاقات المستقرة التي بها قدر كبير من التوازن، تُشكّل خطوط دفاع في أجسادنا ضد المرض، وهي شكل من أشكال رعايتنا الذاتية لأنفسنا".

يُمكن القول إن الدراسة أكّدت أن العلاقات المستقرة والمتوازنة، التي تمنح أصحابها الدعم والاستقرار؛ تُؤخر التدهور العقلي والجسدي.

باحثوا الدراسة الذين فحصوا كمًا مهولًا من السجلات الطبية، وأجروا مئات المقابلات الشخصية، وملؤوا آلاف الاستبيانات، وجدوا أن علاقات هؤلاء الرجال الممتدة والقوية مع عائلاتهم وأصدقائهم، كانت مؤشرًا أفضل على صحتهم النفسية، أكثر أهمية مثلا من مستوى الكوليسترول في الدم.

النساء اللواتي يشعرن بالأمان في علاقاتهن، أكثر سعادة وأقل اكتئابًا من نظيراتهن، بعد مرور السنوات

بهذا الخصوص يقول فالدينغر: "من عبّروا عن ارتياحهم في أوساطهم الاجتماعية في سن الخمسين، كانوا الأكثر صحة في عمر الـ80".

اقرأ/ي أيضًا: كيف أجعل حبيبي يتعلق بي؟

وفي محاضرة حظيت بنسبة مشاهدة تصل إلى 13 مليونًا، على منصة "تيد - TED"، أكد فالدنغر أن السعادة مع الشريك أيضًا من خطوط الدفاع ضد المرض مع تقدم العمر، وأن الأشخاص الذين حظوا بزواج سعيد، عانوا من آلام أقل من غيرهم، حتى في أشد أوقاتهم مرضًا.

و في جزء حديث نسبيًا من الدراسة، وجد الباحثون أن النساء اللواتي يشعرن بالارتباط بشكل آمن مع شركائهن، أقل اكتئابًا وأكثر سعادة في علاقتهن بعد عامين ونصف، ولديهن أيضًا ذاكرة أفضل من مثيلاتهن اللاتي يعانين نزاعات زوجية متكررة.

جورج فايلانت أحد الأطباء النفسيين الذي انضم للدراسة من عام 1966 وحتى عام 2004، قال إنه في الوقت الذي كان يعمل فيه بالدراسة، لم يكن أحد ليهتم بفكرة التعاطف أو التعلق في العلاقات، لكنه شدد على أنّ "الطريق إلى عمر مديد صحّي، هو العلاقات ثم العلاقات ثم العلاقات".

مسار الدراسة

الدراسة الأولى المذكورة، أي دراسة هارفارد، مرّ عليها أربعة مسؤولين، أحدهم كان كلارك هيث الذي أشرف على الدراسة خلال الفترة ما بين عامي 1938 و1954. وآنذاك، عكست الدراسة وجهة النظر السائدة في عصر علم الوراثة والحتمية البيولوجية الكلاسيكية، حيث اعتقد الباحثون في وقت مبكر أن التكوين الجسدي، والقدرة الفكرية، والسمات الشخصية؛ جميعها تحدد مسارات التنمية عند الكبار.

وقام الباحثون أيضًا بعمل قياسات مفصّلة للجسم البشري، كما كتبوا ملاحظات متعمقة حول عمل الأعضاء الرئيسية في جسم الإنسان، وفحصوا نشاط الدماغ من خلال تخطيط أمواج الدماغ (EEG). بل قاموا أيضًا بتحليل خط اليد للمشاركين في الدراسة. 

بسبب عمرها الطويل، تعد دراسة هارفارد في حد ذاتها، تأريخًا للعلوم التي تدور حول حياة أفضل للإنسان

أما الآن، وفي ظل الطفرة الكبيرة في العلوم المتصلة بالجسد البشري، فإن العلماء يقومون باستخراج دماء الرجال لاختبار الحمض النووي، ثم يضعونه في أجهزة المسح بالرنين المغناطيسي لفحص الأعضاء والأنسجة في أجسادهم، وهي تجارب عملية قد تبدو لمن بدأوا الدراسة في الثلاثينات من القرن الماضي، ضربًا من الخيال العلمي، الأمر الذي يجعل من الدراسة نفسها تأريخًا للعلوم التي تدور حول حياة أفضل للإنسان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

5 طرق لقول "لا" دون جرح مشاعر الآخرين

أسرار لإطالة العمر