08-أكتوبر-2021

العصر الذهبي للملاذات الضريبية في العالم قد اقترب من نهايته (Twitter)

ألتراصوت- فريق الترجمة 

واجه ما يسمى اتفاق الضريبة العالمي أو الحد الأدنى للضريبة العالمية على الشركات متعددة الجنسيات سلسلةً من الانتكاسات أجّلت التوصل إليه لأكثر من عشر سنوات. وبقرار أيرلندا اليوم الجمعة الثامن من تشرين الأول/أكتوبر التوقيع عليه، باتت الطريق ممهّدة ليرى هذا الاتفاق النور الذي من شأنه أن يحدّ من قدرة الشركات متعددة الجنسيات على التهرب من الضرائب، ويوفّر ما يصل إلى 150 مليار دولار أمريكي سنويًا من إيرادات الضرائب عالميًا. 

من شأن اتفاق الضريبة العالمي أن يحدّ من قدرة الشركات متعددة الجنسيات على التهرب من الضرائب، ويوفّر ما يصل إلى 150 مليار دولار أمريكي سنويًا من إيرادات الضرائب عالميًا. 

ما هو اتفاق الضريبة العالمي؟

اتفاق الضريبة العالمي هو  اتفاق يرمي إلى إعادة كتابة قواعد ضرائب الشركات متعددة الجنسيات، تم اقتراحه من طرف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وينص على فرض حد أدنى لمعدل الضريبة على الشركات متعددة الجنسيات  مثل فيسبوك وغوغل وأمازون وآبل وجوجل وغيرها، لا يقل عن 15%. وقد وافقت على اتفاق الضريبة العالمي حتى الآن أكثر من 140 دولة، ومن المتوقع، مع دخوله حيز التطبيق، أن يحد من التهرب التضريبي، وأن "يدمر الملاذات الضريبية" وفقًا لتقديرات المتحمسين جدا للاتفاق.

كما يتضمن اتفاق الضريبة العالمي، حسب تقرير للإيكونوميست آليات من شأنها إعادة توزيع حقوق فرض الضرائب للبلدان التي تنطوي على نشاط اقتصادي، بدلا من الأماكن التي تختار الشركات جني الأرباح فيها، إذ أظهرت العديد من الدراسات، آخرها أجريت  في العام 2018، أن "أن حوالي 40% من الأرباح الخارجية للشركات متعددة الجنسيات وقع تحويلها بصورة مفتعلة إلى البلدان منخفضة الضرائب". هذا فضلا عن تمكين البلدان النامية، التي تقع فيها مصانع الشركات العالمية متعددة الجنسيات من الاستفادة من معدل ضريبي لم يكن متاحًا أمام الكثير منها بفعل المنافسة والرغبة في جلب الاستثمارات ورؤوس الأموال العابرة للقارات، لأن الشركات متعددة الجنسيات ستكون مجبرة بموجب اتفاق الضريبة العالمي على دفع الضريبة، لا حيث توجد فقط، وإنما حيث تعمل كذلك.

تأخرت إيرلندا كثيرًا في الانضمام إلى اتفاق الضريبة العالمي (WSJ)

وفي هذا الصدد أشادت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين بإعلان "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لاتفاقية الحد الأدنى للضرائب تموز/يوليو 2021، بالقول إنه "يوم تاريخي للدبلوماسية الاقتصادية فالسباق الدولي نحو خفض معدلات الضرائب على الشركات سلب البلدان من إيرادات هي في أمس الحاجة إليها للإنفاق على البنية التحتية والتعليم والاحتياجات الأخرى" معلنة أن "سباق خفض الضرائب اقترب خطوة من نهايته".

وتابعت وزيرة الخزانة الأمريكية قائلة: "في الولايات المتحدة، ستضمن هذه الاتفاقية أن تتحمل الشركات حصة عادلة من هذا العبء، ولدينا فرصة الآن لبناء نظام ضريبي عالمي ومحلي يتيح للعمال والشركات الأمريكية المنافسة العادلة في الاقتصاد العالمي".

هذا وتميل مختلف التوقعات أن تكون نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2021 موعدًا للتوقيع على الاتفاقية النهائية بموجب نظام الضرائب الدولي، إما خلال اجتماعات واشنطن، أو في اجتماع مجموعة العشرين في روما في نهاية الشهر الجاري، حيث يتوقّع أن ينال اتفاق الضريبة العالمي تأييدًا من زعماء مجموعة العشرين، ليتم بعد ذلك الشروع في تعديل القوانين المحليّة للدول الموقّعة على الاتفاق بما يتلاءم مع بنوده. 

 عقبات واجهت الوصول إلى الاتفاق

ظلّت مجموعة من الدول في الاتحاد الأوروبي بينها المجر وإيرلندا وإستونيا متحفظة على اتفاق الضريبة العالمي الموحّدة، وبشكل خاص إيرلندا التي أعلنت اليوم توقيعها على الاتفاقية معتبرةً أن هذا التوقيع من شأنه إحداث تحول كبير في سياساتها، بالرغم من انعكاساته السلبية المتوقعة عليها ومعارضة قطاعٍ واسعٍ من الرأي العام الأيرلندي للقرار. إذ تُعتبر إيرلندا إحدى أكثر الدول التي تتمتّع بواحدٍ من أكثر الأسعار جاذبية للشركات في العالم حيث تبلغ ضريبة الشركات 12.5٪ فقط، وهو ما جعلها وجهةً مفضلةً لعددٍ كبيرٍ من الشركات الدولية. وقد دافعت الحكومات الأيرلندية المختلفة بشدة عن المعدل المنخفض للضريبة على الشركات العالمية، بحجة أنه كان أداةً لجذب الشركات إلى اقتصاديات صغيرة، كما قدرت وزارة المالية الأيرلندية أن الانضمام إلى هذه الصفقة العالمية سيقلل من تحصيل الضرائب في البلاد بمقدار 2 مليار يورو (2.3 مليار دولار) سنويًا. ومع ذلك قررت التوقيع على اتفاق الضريبة العالمي، بعد إدخال عدة تنقيحاتٍ عليه، من بينها ضمان عدم رفع معدل الضريبة مستقبلًا، والمحافظة على المعدل المنخفض للضريبة بالنسبة للشركات الأصغر الموجودة في البلاد والتي يقل حجم إيراداتها عن 750 مليون يورو سنويًا. 

وفي هذا الصدد قال وزير المالية الأيرلندي باسشال دونوهو، مبررًا قرار الانضمام للاتفاقية: "عند الانضمام إلى هذه الاتفاقية، يجب أن نتذكر أن هناك 140 دولة تشارك في هذه العملية ، وكان على العديد منها تقديم تنازلات، كما أنني أعتقد أيضًا أن الاتفاقية التي وافقت الحكومة على التوقيع عليها، حتى اليوم، متوازنة وتمثل حلاً وسطًا عادلًا يعكس مصالح ومدخلات العديد من البلدان المشاركة في المفاوضات."

يعد الاتفاق إنجازًا مهمًا في سجل وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين (NYT)

يُذكر أن دولة المجر لم توافق بعد على صفقة الضرائب العالمية الجديدة، إلا أن مصادر مختلفةً، أكدت أن بودابست ستكون أكثر حرصًا على الانضمام إذا تم الاتفاق على فترة تنفيذ مدتها 10 سنوات.

الرابحون والخاسرون

هل ينجح اتفاق الضريبة العالمي في معالجة التهرب الضريبي والضغط على الملاذات الضريبية والحد من نشاطها؟ ذلك هو السؤال الأكثر أهميةً بالنسبة للمهتمين والمتابعين، خاصةً بعد ظهور آلافٍ من الوثائق المسربة عن الملاذات الضريبية التي يخفي فيها الأغنياء ثرواتهم وتُوجه إليها الشركات متعددة الجنسيات حوالي 40% من أرباحها الخارجية، هربًا من أداء الضرائب. وبناءً على ذلك يعتبر المراقبون أن ما تسمى الملاذات الضريبية، أي تلك الدول أو الأماكن التي تفرض ضرائب منخفضةً أو الخالية حتى من وجود ضرائب، مثل برمودا وجزر العذراء البريطانية وجزر كايمان والكاريبي، ستكون أكبر الخاسرين، لأن تطبيق الحد الأدنى للمعدل العالمي للضريبة "سيقضي على نموذج الأعمال الذي تُقدّمه هذه الملاذات، وعلى الرغم من عدم رضاهم؛ فإنهم غير قادرين على فعل أي شيء في هذا الخصوص".

اقرأ/ي أيضًا: ما هي "وثائق باندورا" وما الذي تكشفه عن أساليب "الكبار" في إخفاء أموالهم؟

وفي هذا الصدد نقلت الإيكونوميست عن مصدر دبلوماسي لم تكشف عن هويته أن الملاذات الضريبيّة بصدد أن يقع "تحييدها"، كما أنها "ليست طرفًا في المحادثات المنعقدة ولا أحد يرغب في الاستماع إليها".

 العصر الذهبي للملاذات الضريبية في العالم قد اقترب من نهايته

لكن يشار إلى أن بعض تلك الملاذات الضريبية في المقابل، يحظى بمصادر أخرى لتدفقات الإيرادات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تمثّل جزر كايمان موطنًا لما يعرف باسم صناديق التحوط، بينما تضمّ برمودا شركات التأمين. ومع ذلك فإن ثمة شبه إجماع تقريبًا على أن "العصر الذهبي على الأقل للملاذات الضريبية في العالم قد اقترب من نهايته".

في المقابل سيكون أكبر الرابحين من اتفاقية الحد الأدني للضريبة هي الاقتصادات الكبيرة، حيث تحقق الشركات متعددة الجنسيات نسبا كبيرة من المبيعات، بينما تجمع ربحًا منخفضًا نسبيًا خاضعًا للضرائب، وذلك بفضل التخطيط الضريبي الذي ينقل الدخل إلى الولايات القضائية منخفضة الضرائب"> وبدرجةٍ أقل ستحقق الدول النامية، التي تقع فيها مصانع الشركات العالمية وأعمالها الأخرى، أرباحًا من هذه الاتفاقية بفضل معدل نسبة الضريبة الموحّدة.

ثمة شبه إجماع تقريبًا على أن "العصر الذهبي على الأقل للملاذات الضريبية في العالم قد اقترب من نهايته"

بالإضافة للملاذات الضريبية، لن تكون الشركات متعددة الجنسيات مسرورةً بهذه الاتفاقية على الأقل، لأن العائدات التي تجمعها تلك الملاذات تعتبر حسب تقرير للإيكونيمسيت مجرد فتات مقارنةً بالضرائب التي توفرها تلك الشركات من التهرب الضريبي وإخفاء عائداتها من الأرباح.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ما هي "وثائق باندورا" وما الذي تكشفه عن أساليب "الكبار" في إخفاء أموالهم؟

الأمم المتحدة تتحدث عن أرقام "نريليونية" في اليوم الدولي لمكافحة الفساد

لماذا لا نهزم الفساد في العالم العربي؟