24-أغسطس-2018

من مشاهد ثورة التحرير الجزائرية (مارك ريبو)

أنا حفيد عدد من الشّهداء يُساوي أو يفوق شعبًا حيًّا في 68 دولةً عضوًا في هيئة الأمم المتّحدة! ولا شكّ في أنّ ذلك يُشكّل لي مصدر فخر واعتزاز. لكنّني مطالب بأن أواجه هذا السّؤال، حتى لا أقع في مستنقع الوهم الخاوي: هل هم فخورون بمساهمتي في تحقيق ما ماتوا من أجله؟ إذ ما قيمة أن أكون حفيدًا صغيرًا لجدّ كبير؟

في ظل تغول الشرعية التاريخية على حساب شرعية المواطن في الجزائر، أصبح معدل أعمار الحكام 76 عامًا، في ظل أن 75% من السكان شباب

من بين ما ورد في بيان أوّل تشرين الثاني/نوفمبر، الذي أعلن تفجير ثورة التّحرير عام 1954: "إقامة الدّولة الجزائرية الدّيمقراطية الاجتماعية ذات السّيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية، واحترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني".

اقرأ/ي أيضًا: الحكم في الجزائر.. ممنوع دخول الشباب

إنّه سؤال جوهري ومغيّب في المشهد الجزائري. وقد حان أن يطرحه كلّ طرف حتّى يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود، في ظلّ تغوّل الشّرعية التّاريخية على حساب شرعية المواطنة والمؤسّسات والرّوح المدنية. إذ باسم هذه الشّرعية، التّي لم تثمر إلا أوضاعًا مفكّكة ومخيّبة للآمال، حتّى بات الوصول إلى الفضاء الفرنسي أكثر الأحلام انتشارًا في أوساط الاستقلال؛ أصبح معدّل أعمار الوجوه الأربعة الأولى الحاكمة في البلاد 76 عامًا، في ظلّ معطًى لم يعنِ لها شيئًا هو أنّ 75% من السكّان شباب.

هل مثقف اليوم هو سليل فعلي لمثقّف الثّورة؟ والحديث قياس على السّياسي والجامعي والإعلامي والإداري والرّياضي والفنّان والتّاجر والصّناعي والإمام والمواطن؟ إنّ مقارنة بسيطة ين هذه الفئات اليوم ونظيرتها أثناء الثّورة، تجعلنا ندرك أن هناك تراجعًا في منسوب الحماس والنّزاهة والعطاء والاهتمام بالشّأن العام، بشكل يحيلنا على هذا السّؤال: لماذا كان الجزائريّ متطلّعًا لخدمة وطنه في ظلّ وضع استعماريّ أسود، بينما أصبح متطلّعًا للهجرة منه في ظلّ استقلال وطنيّ تجاوز عمره نصف قرن؟

ما معنى أن تستمدّ السّلطة القائمة مصداقيتها من الشّرعية الثوربة، بالموازاة مع قعودها عن تحقيق أهداف الثّورة والثّوار؟ هل من الوفاء للثّورة ومبادئها أن توصل شباب الاستقلال إلى مقام باتوا يحلمون فيه بالهجرة إلى فرنسا بحثًا عن فرصة من فرص الحياة؟ حتى بات شعارهم الأثير هو "ياكلني الحوت في البحر وما ياكلنيش الدّود في الأرض"؟

ما معنى أن يكون 25% من الأطبّاء المتواجدين في الفضاء الفرنسي جزائريين درسوا في الجامعات الجزائرية بأموال الشّعب الجزائري؟ في مقابل وفاة حامل أو طفل أو شابّ أو مسنّ على عتبات مستشفياتنا بسبب نقص اليد المؤهلة؟

ما معنى أن يكون الاحتفال بيوم 14 تموز/يوليو العيد الوطني للفرنسيين، جالبًا لأنظار العالم، بما يتضمّنه من ألق ونشاطات وأبّهة واستعراضات وهيلمان، بينما يمرّ الخامس من الشّهر نفسه، وهو العيد الوطني للجزائريين، ميّتًا وخاويًا إلا من وقفات باردة في الزّوايا المعتمة، ولا يحضره إلا بقايا الأسرة الثّورية؟

ما معنى أن تستمدّ السّلطة القائمة مصداقيتها من الشّرعية الثوربة، بالموازاة مع قعودها عن تحقيق أهداف الثّورة والثّوار؟!

علينا أن نكون صرحاء مع أنفسنا وواقعنا، فنعترف بأنّ الطرف الوحيد، الذي بقي سليلًا وفيًّا لامتداده الثّوري هو الجيش الوطني الشّعبي. بالموازاة مع طرحنا لهذا السّؤال المنطقي: لماذا يصرّ هذا الجيش الوفي لمبادئ الثّورة على حماية حكومات لم تعد تمثّلها؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

لصالح من تُشوّه رموز ثورة التحرير الجزائرية؟

الجمهورية الجزائرية المتناقضة