26-فبراير-2020

يمني يسير بجوار رسمة "غرافيتي" تظهر طائرة بدون طيار أمريكية بعد اغتيال الريمي (Yahya Arhab/EPA)

يشهد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تراجعًا كبيرًا على الأراضي اليمنية، حيث كثفت القوات الأمريكية من ضرباتها الجوية على التنظيم الإرهابي خلال السنوات العشر الأخيرة، ما أدى إلى مقتل العشرات من منتسبيه في محافظات شبوة ومأرب وحضرموت والبيضاء.

بات معظم العمليات ضد تنظيم القاعدة في الأراضي اليمنية، جزءًا من الصراع على الشرعية بين الأطراف المتقاتلة على طول البلاد

وبالإضافة إلى الضربات الجوية التي تشنها الطائرات المسيرة التابعة للقوات الأمريكية، شنت مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من أبوظبي هجمات عديدة  على الأوكار التي كان التنظيم يتحصن بها في محافظات أبين ولحج وحضرموت، حيث كان التنظيم ذريعة الإمارات لنشر مليشياتها في الجنوب اليمني، والسيطرة على الموانئ والمطارات.

اقرأ/ي أيضًا: بشهادات ضباطها.. تنظيم القاعدة ضمن مرتزقة الإمارات في اليمن

وأقر التنظيم قبل أيام بمقتل زعيمه قاسم الريمي بعد أسبوعين على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقتله في غارة لطائرة مسيرة أمريكية في اليمن. وفي بيان له، أعلن التنظيم مقتل "الشيخ الأمير أبي هريرة قاسم الريمي بعد هجرة وجهاد وصبر وبلاء"، معلنًا عن تعيين "خالد بن عمر باطرفي الزعيم الجديد للتنظيم في جزيرة العرب".

وفي السابع من شباط/فبراير الجاري، كانت الإدارة الأمريكية قد كشفت مقتل قاسم الريمي، زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، بغارة جوية في اليمن. وبحسب مصادر يمنية، فقد قتل الريمي إثر غارة جوية استهدفت منزلًا كان يتواجد فيه بوادي عبيدة بمحافظة مأرب شرقي البلاد.

وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن الولايات المتحدة  قتلت الريمي، خلال إحدى عمليات مكافحة الإرهاب باليمن. لافتًا إلى أن تنظيم القاعدة تحت قيادة الريمي مارس قدرًا هائلًا من العنف ضد المدنيين في اليمن، وسعى لتنفيذ وتخطيط هجمات عديدة ضد الولايات المتحدة وقواتها. وبحسب ترامب فإن مقتل الريمي يضعف تنظيم القاعدة ويقرب بلاده من القضاء على التهديدات التي يشكلها التنظيم.

ويعد الريمي واحدًا من أبرز مؤسسي التنظيم في 2009، حيث درس في أفغانستان وعاد إلى اليمن في العام 2005، قبل أن يتعرض للسجن من قبل سلطات الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، لكنه فر من السجن في عملية هروب جماعي لعدد من أفراد القاعدة.

ومنذ تولي الريمي قيادة التنظيم بعد مقتل سلفه ناصر الوحيشي بغارة جوية نفذتها طائرة أمريكية في العام 2015، تراجعت عمليات التنظيم داخليًا وخارجيًا، لكن واشنطن اعتبرته خطرًا يهدد أمنها القومي. وكانت قد رفعت حجم المكافأة لمن يدلي بمعلومات عنه من خمسة ملايين دولار أمريكي إلى عشرة ملايين.

ونفذ تنظيم القاعدة خلال السنوات الماضية عشرات العمليات داخل اليمن، وكان قد تمكن من السيطرة على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت والعديد من مديريات عدن وأبين ولحج خلال العام 2015، وشن هجمات متفرقة على القوات التابعة للرئيس عبدربه منصور هادي وأيضًا الحوثيين.

لكن بعد دخول التحالف السعودي الإماراتي إلى الجنوب، تمكن الأخير من بسط سيطرته على مدينة عدن والمدن الجنوبية الأخرى وطرد التنظيم منها، بالإضافة إلى سيطرة الحوثيين على الشمال، الأمر الذي ضيق الخناق عليه. لكن تقارير عديدة كشفت، أن التنظيم استطاع البقاء في بعض المناطق، بتواطؤ سعودي إماراتي، وكنتيجة لتسويات مع العاصمتين الخليجيتين، بعد تجنيد مقاتلين فيه في الحرب ضد الحوثيين.

ويواجه التنظيم تحديات كبيرة، فمع دخول الحرب في اليمن عامها السادس، تكثف واشنطن من جهة حربها عليه، من خلال طيرانها المسير، بالإضافة إلى غارات أبوظبي من جهة ثانية، فيما يؤكد الحوثيون مرارًا أن حربهم هي ضد التنظيمات الإرهابية المتطرفة. وبالتالي فإن التنظيم الإرهابي، بات بمثابة شرعية ترتكز عليها الأطراف المتقاتلة في اليمن، من أجل تحقيق مزيد من السيطرة على الأرض.

وضيق التحالف السعودي الإماراتي على تواجد القاعدة في الجنوب، بالإضافة إلى إحكام الحوثيين السيطرة على المواقع الخاضعة لحكمهم، ما جعله يتراجع في عملياته داخليًا وخارجيًا. وبعد مقتل الريمي، عرضت الخارجية الأمريكية  مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات حول قياديين من القاعدة في اليمن، وهما سعد بن عاطف العولقي وخالد سعيد باطرفي زعيم التنظيم الجديد.

ونشر برنامج مكافآت من أجل العدالة التابع للوزارة على حسابه على تويتر في تغريدتين، صورتين للعولقي وباطرفي  ومعهما تعهد بمكافأة تصل إلى 6 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض على العولقي، وخمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن خالد باطرفي.

ويعتبر باطرفي زعيم القاعدة الجديد، عضوًا بارزًا في التنظيم بمحافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن، وعضوًا سابقًا في مجلس الشورى للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، بحسب الخارجية الأمريكية.

ولم يكن اختيار "باطرفي" بإجماع قيادات "القاعدة"، ولكن بحسب بيان التنظيم فإنه "تم أخذ رأي أكبر قدر ممكن من شورى الجماعة وأعيانها"، ما يشير إلى خلافات داخل التنظيم، وهو ما كشفت عنه تقارير محلية.

وبحسب تلك التقارير فإن هناك خلافات تضرب التنظيم، بسبب اتهامات داخل قياداته في محافظة البيضاء ومناطق أخرى للقيادي في التنظيم والمقرب من خالد باطرفي عمر النهدي، بالعمل لصالح المخابرات الأمريكية.

من هو قائد التنظيم الجديد؟

 يعد خالد باطرفي من الوجوه البارزة في تنظيم القاعدة، وهو سعودي الجنسية ويكنى بـ"أبو المقداد الكندي". في عام 2011 قاد باطرفي مسلحي التنظيم للسيطرة على محافظة أبين جنوبي اليمن، وتمكنت قوات الأمن اليمنية من القبض عليه في ذات العام. 

وعقب سيطرة التنظيم على مدينة المكلا في نيسان/أبريل عام 2015، تمكن باطرفي من الهروب من سجن عاصمة محافظة حضرموت، إلى جانب نحو 300 آخرين. ليتزعم التنظيم في محافظة حضرموت. وفي مطلع عام 2018، دعا باطرفي، أنصار التنظيم إلى تصعيد شن الهجمات ضد الأمريكيين.

اقرأ/ي أيضًا: غراميات السعودية والقاعدة في اليمن.. حنين إلى مظلة بريجنسكي

ومن المستبعد بحسب مراقبين أن يتمكن باطرفي من قيادة القاعدة والنهوض بها، فالصراع اليمني كشف جميع جيوب التنظيم وضيق عليه، كما أنه لم يعد يحتفظ بقواته العسكرية، وبات عاجزًا عن تنفيذ عمليات كبيرة داخل البلاد أو خارجها، بسبب القيود المفروضة عليه.

بدا مقتل الريمي أكثر ما يكون كحملة دعائية لواشنطن، وللرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل خاص

وعلى العموم، فإنه من غير المرجح أن يكون لمقتل الريمي تأثير كبير على عمليات التنظيم، فخلال العقد الماضي تراجع أصلًا بقدر كبير على وقع الضربات الجوية الأمريكية، لكن مقتل الريمي بدا أكثر ما يكون كحملة دعائية لواشنطن، وللرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل خاص. وهي عمومًا حال التنظيم في الفترة الأخيرة، حيث بات معظم العمليات ضده، جزءًا من الصراع على الشرعية بين الأطراف المتقاتلة على طول البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات: مرتزقة بتمويل إماراتي لمزيد انتهاك اليمن