14-يوليو-2017

تؤرق كورسات المشورة أقباط مصر (إبراهيم رمضان/الأناضول)

أن تكون مسيحيًا في مصر فهذا له أكثر من معنى، أولها أنك لن تتزوّج إلا بعد اجتياز دورة تتكون من عدة محاضرات وتنتهي باختبار يسمّى "المشورة الأسرية".

تثير "دبلومة المشورة الأسرية" جدلًا في أوساط أقباط مصر بين متقبل ورافض لما يعتبرونه سيطرة دينية على المواطنين في بلد مدني

تقوم المحاضرات على ثلاثة محاور، دينية ونفسية وجنسية، تشمل علم النفس والعلاقة الجنسية وأساليب اختيار شريك الحياة، وسيكولوجية الرجل والمرأة، وكيفية تكوين أسرة، ويلقيها من حصلوا على "دبلومة المشورة" لمدة عام أو أكثر داخل معاهد كنسية.

هناك من يقول إنها مهمة، هناك من يقول إنها لا تستحق الحضور، فهي محاولة للسيطرة الدينية على المواطنين في بلد مدني، ولا يحكمه الدين، وطائفة أخرى سمَّت نفسها "حركة الحق في الحياة" قرَّرت أن تصل بالأمر إلى ساحات المحاكم، وحرّكت قضية لإلغاء ما يعرف بـ"المشورة الكنسية".

اقرأ/ي أيضًا: ضد الكنيسة.. مصر تسمح بطلاق الأقباط؟

لماذا تخاف الكنيسة؟

"كورسات المشورة" ليست اختيارية، فالكهنة يرفضون إتمام إجراءات الزواج دون شهادة تثبت أن الشخصين المقبلين على الزواج قد حضرا، واجتازا المحاضرات بنجاح. للكنيسة رأي يقول: "هذه الجلسات مهمة لتجاوز خلافات ما بعد الزواج، التي تؤدي إلى طلبات الطلاق، التي وصلت، وفق عدّة تقديرات، إلى 300 ألف".

للمسيحيين في مصر حق الطلاق بشرط واحد.. هو إثبات واقعة الزنا، أحد الزوجين زنا وهناك دليل على ذلك، فليتقدم ليطلب الطلاق، وهو شرط تعجيزي، فلا أحد يستطيع أن يثبت أن الآخر خان، وزنا، والكنيسة، في أكثر من مناسبة، حصلت على أدلة بذلك من الزوجة، ورفضت تطليقها، طالبة المغفرة: "حتى لو زنا.. اغفري له.. فذلك خيرٌ لكما".

لماذا يخاف الأقباط؟

ما يقلق الأقباط من جلسات "المشورة"، أن الكنيسة لها حق رفض الزواج أو رفض تمريره، وفقًا للأهواء الشخصية لبعض الكهنة، الذين يستخدمون سلطة الكنيسة لإفساد زيجات. الأمر كله انتهاك للدستور والقانون، فليس من حق أحد أن يعطّل زيجة ارتضى طرفاها أن تتمّ، لكن الكنيسة تحاول أن تبدو "الأب الحنون" الذي يحاول أن يقي أبناءه من الجرح بدلًا من أن يضطر، فيما بعد، لعلاجه بالطلاق، المحرَّم قبطيًا "إلا بشرط واحد".

وكان البابا شنودة الثالث، بابا الأقباط الراحل، عام 2008، ألغى لائحة 1938، التي كانت تتيح ثمانية أسباب للطلاق، وزال بذلك الطلاق ولم يعد أمام الأقباط للبحث عن الزواج الثاني، إلا جَعْل الزيجة الأولى مَدنية للهروب من احتكار الكنيسة لحياتهم، وتدخلها المستمر في تفاصيلهم الخاصة، خاصة مع عدم وجود قانون أحوال شخصية ينظّم العلاقة، قانونًا، وللهروب من "دكتاتورية البابا" بدأ بعض الشباب يوثق عقود زواجه في المحاكم المدنية دون الحصول على اعتراف الكنيسة أو تصريح منها، أحد شروط استخراجه شهادة اجتياز دورات المشورة، لإتمام الزواج.

ما رأي المحاكم المصرية؟

حرَّض على نمو أعداد "الزواج المدني" بين أقباط مصر أن محكمة الأسرة اعترفت مطلع 2016 بأول عقد زواج مدني لزوجين مسيحيين

حرَّض على نمو أعداد "الزواج المدني" بين شباب الكنيسة أن محكمة الأسرة، المعروفة باسم "زنانيري" في القاهرة، اعترفت مطلع 2016 بأول عقد زواج مدني لزوجين مسيحيين، الحكم الذي اعتبره البابا تواضروس، البطريرك الحالي، مخالفًا للدستور، بحجة أن "الدستور يترك للمسيحيين الحكم بحسب شرائعهم". 

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. تقديم مكثف في الملف القبطي

لماذا لا يعترض أقباط المهجر؟

أعفت الكنيسة أقباط المهجر من دورات الزواج الإجبارية، اعتبرتها اختيارية إذا كانوا في مصر، لكن لا مقرات أو كهنة لتدريسها هناك، في البلاد التي هاجروا إليها. الأمر يجد رفضًا لدى أقباط المهجر، نظرًا لوجودهم في مجتمعات أكثر انفتاحًا، ففضَّلت الكنيسة المصرية ألّا تحرج نفسها معهم، لكن فروعها قررت المغامرة.

عدّة كنائس بدأت تطبيق دورات المشورة للمخطوبين، من بينها كنائس كندا والكويت وأستراليا. وشارك في الكويت أكثر من 200 قبطيًا في دورة، بدأت مطلع تموز/ يوليو، وتتواصل حتى نهاية آب/ أغسطس المقبل.

في كنيسة العذراء مونتريال بكندا، ستبدأ دورات المشورة في آب/أغسطس، وسط تذمر من شباب الأقباط، الذين لا يزالون في مرحلة الخطوبة، بينما بدأت كنيسة السيدة العذراء والأنبا بيشوي بجنوب أستراليا، المعروفة بتشدّدها، في تطبيق الكورسات وجلسات المشورة قبل قرار المجمع المقدس تطبيقها، فبدأت الدورات منتصف آيار/ مايو الماضي، لتكسر حاجز الرفض والغضب الكاسحين، الذي وصل جزء منه إلى ساحات المحاكم، في مصر وأمريكا.

لماذا يهرب شباب الأقباط من "المشورة"؟

هناك من ترك شريك حياته بعد كورسات المشورة، التي استمرت ثلاثة أشهر، لشعوره أنه لم يعدْ مناسبًا له، هكذا يرفض كثر هذه الدورات ويفضلون أن يتزوّجوا دون دورات، فقلبهم دليلهم، آخرون رفضوا عن قناعة أنهم لا يرغبون أن يكونوا تحت رحمة الكهنة.

تقول ماريان.م، مسيحية من منطقة شبرا المصرية، لـ"الترا صوت" إن "المحاضرات غير مفيدة على الإطلاق". وتضيف: "سمعت ما يجري بها من صديقاتي، ولا أعتقد أنها ستضيف لي أي شيء، ستؤخّر الزواج فقط، وأنا ملتزمة بتعاليم الإنجيل، التي لم يرد بها فصلًا واحدًا عن المشورة".

على الجانب الآخر، حضر "جرجس.ص" جلسات المشورة برغبته، لم يتم إجباره عليها من الإيبارشية التابع لها، ولم يستفد أي شيء، موضحًا لـ"الترا صوت": "الجلسات أكاديمية بلا روح ولا شيء إنساني، ومن يلقي المحاضرات لم يمرّ بأي تجربة شخصية فهو كاهن وهب نفسه لله، ولم يقترب من نفوس البشر".

لم يكمل مايكل المحاضرات. بالنسبة له، كان كل شيء واضحًا: "سأتزوَّج. خائف من مشكلات ما بعد الزواج، التي أصبحت تضرب كل الزيجات الجديدة، مسلمين ومسيحيين، لكني واثق من أن كورسات المشورة لن تحلّ شيئًا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

تاريخ الكاتدرائية المرقسية..حين كان التسامح مصريًا

بيان الكنيسة: هل يصفّق الأقباط للرئيس؟!