06-أغسطس-2019

الطعام الصحي قد يكون أقل تكلفة في الواقع من الطعام غير الصحي (Getty)

الترا صوت - فريق الترجمة

"ليس عندي مشكلة في الالتزام بحمية غذائية صحية، ولكن الأمر مكلّف جدًا"، كم مرةً سمعت هذه الجملة من أحد أصدقائك أو أقاربك، أو ربما كنت نفسك الإنسان المتكاسل الذي يتحجّج بالتكلفة العالية وضيق ذات اليد، هربًا من الالتزام ولو على حساب صحتك؟ 

الناس الذين يجنون دخلًا منخفضًا يميلون لشراء أطعمةً بكمياتٌ كبيرة من السعرات الحرارية بدلًا من الخضار أو الفواكه لأنها مشبعةٌ أكثر

لكن ماذا لو ألقينا نظرة صادقة ومتأنيّة على مدى صحة هذا الادعاء؛ بأن الطعام غير الصحي، على كل مساوئه، هو الخيار الأجدى ماليًا؟ هل من الممكن حقًا الالتزام بتناول الطعام الصحي بتكلفة معقولة؟.

اقرأ/ي أيضًا: "البدانة المميتة".. السمنة وراء 12 نوعًا مختلفًا من السرطان

تقدم السطور التالية المنقولة بتصرف عن موقع "The Conversation"، بعض النصائح التي ربما غفلت عنها، والتي تجعل الطعام الصحي خيارًا معقولًا من الناحية المالية.


يسلّم كثيرٌ من الناس بأن الطعام السريع أرحم على الجيب من الالتزام بنظامٍ غذائيٍّ صحي، فهذه المقولة، أو ما يتفق معها في المعنى، هي مقولة أسمعها كثيرًا، وفي كثيرٍ من الأحيان من طلابي الذين يُسرّون لي بأنهم يتمنّون لو أنهم يستطيعون تناول طعامٍ صحي، ولكن ظروفهم المادية تمنعهم من ذلك.

شاع بين الناس أن عليك إنفاق مبلغٍ محترم إذا أردت طبخ وجبةٍ من الصفر، في حين ستكلّفك وجبةٌ سريعة مبلغًا بسيطًا يعادل أحيانًا جنيهًا إسترلينيًا واحدًا (في عاصمة الطعام السريع ببريطانيا)، فمن أين إذًا سيأتيني الدافع لكي أغيّر من عاداتي الغذائية؟

شهد العقد الماضي تزايد الاهتمام الإعلامي بالنظام الغذائي الصحي، ومعها التقارير العديدة عن تكلفة الطعام الصحي، وقد أثّرت جملة هذا الاهتمام بالرأي العام بخصوص هذا الموضوع.

وقامت بعض الدراسات بإجراء مقارناتٍ تقوم على ما تكّلفه السعرة الحرارية الواحدة وتوصّلت إلى أن الطعام السريع، أو بالأحرى غير الصحي، بناءً على هذا المعيار هو أقل كلفة. لكن هذه الدراسات لا تكشف لنا الصورةَ كاملة، فالمعايير التي نختارها لقياس ذلك مهمّةٌ أيضًا.

الوجبات السريعة
يلجأ الكثير للوجبات السريعة كونها مشبعة أكثر لغناها بالسعرات الحرارية

حسنًا، فلننظر على سبيل المثال إلى طبقي حلويات شوكولاتة، أحدهما طبقٌ عادي، والآخر طبقٌ يحتوي على نسبة دهون أقل. إذا قمنا باستخدام معيار تكلفة السعرة الحرارية الواحدة، فسيتبيّن أن سعر الحلويات ذات الدهون الأقل أغلى من الطبق الاعتيادي لأنها ببساطة تحتوي على سعراتٍ حراريةٍ أقل.

لكن دراساتٍ أخرى تقارن السعر على أساس وحدة الوزن الواحدة بين أطباق الطعام من نفس المجموعة الغذائية، تبيّن لنا أن الخيار الصحي هو بالفعل الأرخص لو قارنا على سبيل المثال بين 200 غرامًا من الحمص و200 غرامًا من اللحوم. والمعيار الثاني هو في النهاية المعيار الأكثر جدوى، لأن معظم الناس ينظرون إلى الكمية عند شرائهم للغذاء وليس السعرات الحرارية التي تحتويها المواد الغذائية التي يقتنوها.

من شبّ على شيءٍ شاب عليه

أصبحت الخصور الممتلئة قضيةً صحيةً تحتل رقعةً متنامية من الاهتمام، فقد قفز معدل البدانة عالميًا إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه عام 1975. وطبقًا لمنظمة الصحة العالمية، أكثر من 1.9 مليار إنسان بالغ يعانون من مشكلة زيادة الوزن، منهم 650 مليون إنسانًا تجاوزوا عتبة البدانة.

يُذكر أن "البدانة" أو "السمنة" طبيًا، تطلق على الإنسان الذي راكم جسمه كمياتٍ من الدهون بما يؤثّر على صحته، وكمعدّل يكون ذلك عند تجاوز مؤشّر كتلة الجسم "BMI"، حاصل قسمة كتلة الجسم "كغ" على مربّع طوله "متر مربع"، ما قيمته 30 كغ/متر مربع.

يواجه الجيل القادم على وجه الخصوص مشكلة تناول الأطعمة ذات السعرات الحرارية المرتفعة والقيمة الغذائية المنخفضة، فتناول هذه النسب المرتفعة من السكريات والدهون والأملاح تزيد من خطر إصابة الأطفال بسكري البالغين (Type-2) وأمراض القلب، هذا طبعًا غير مشكلة خلع الأسنان.

وما يزيد القلق أكثر هو أن العادات التي يكتسبها الأطفال في صغرهم تبقى معهم طوال الحياة، وتتجلّى في ذلك مأساةٌ حقيقيةٌ، لأن هذه المشاكل يمكن تجنّبها ببساطة. فتناول طعامٍ صحيٍّ بتكلفةٍ أقل، وأقل بكثير، من سعر تشيزبرجر واحد هو أمرٌ ممكنٌ جدًا. فصلب المشكلة هي ليست التكلفة، وإنما المعرفة والمهارات والوقت.

لقد ترسخّت في أذهاننا فكرة غلاء تكلفة الطعام الصحي بسبب ما نراه من أسعار اللحوم، والسمك، والألبان، مقابل انتشار "الأطعمة فائقة الجودة" وغلاء سعر المنتجات الطبيعية العضوية. ولكن الأطعمة المغذّية لا تكلّف كوكبنا. فمرطّبات بذور القصعين الإسباني هي بالفعل رفاهيةٌ باهظة الثمن، ولكن المواد المغذيّة البسيطة، مثل الجزر والعدس والبطاطا، لا يتجاوز سعرها سعر "الشيبس".

الوقت سلعة ثمينة

كل هذا كلامٌ جميلٌ وحسن، ولكن الفقر يُلقي بظلاله الثقيلة على مختلف جوانب حياتنا، ومنها اختياراتنا الغذائية. فآخر ما قد يرغب به المرء بعد يومٍ طويل أن يعود إلى المنزل لكي يخوض معركةً أخرى في المطبخ، وهنا يصبح خيار الطعام السريع خيارًا مغريًا جدًا.

البروتين النباتي
البقوليات المعلبة، غنية بالبروتين وأقل ثمنًا من اللحوم

فالناس الذين يجنون دخلًا منخفضًا يميلون إلى شراء أطعمةً فيها كمياتٌ كبيرة من السعرات الحرارية بدلًا من الخضار أو الفواكه لأنها مشبعةٌ أكثر. ولكن، ولو أن "البرغر" قد يُشعرك بالشبع لفترةٍ أطول من تفاحةٍ مثلًا، يبقى الطعام السريع خيارًا مضرًّا بصحتك.

وفي النهاية بإمكانك طبخ وجبةٍ مشبعةٍ وصحية خلال وقتٍ زهيدٍ جدًا، كما تثبت الكاتبة البريطانية المختصة بالأطعمة جاك مونرو مرةً بعد مرة. فعلى سبيل المثال، تقدّم مونرو وصفة الكوسا والطماطم وغراتين الجبن التي لا تكلّفك سوى ما يعادل 33 بنس (ما يعادل 40 سنتًا أمريكيًا) ولا تستغرق أكثر من ثمانية دقائق لإعدادها، وهي وجبة صحية أرخص من الطعام السريع.

إلا أن الترويج للطعام الصحي في مجتمعاتٍ تندر فيها سلعتا المال والوقت، هي مهمةٌ ليست بالسهلة، ولا يقتصر الأمر ببساطة على تعليم الناس مهارات الطبخ. فكل ما أثمرته، على سبيل المثال، حملة الشيف جيمي أوليفر لتعليم الناس الذين يجنون دخلًا منخفضًا مهارات الطبخ، هي تنفير شريحةً كبيرةً من الجمهور الذي كان يستهدفه، بالرغم من حسن نواياه، بعد أن قام بالقدح في وجبات Turkey Twizzler، وهي أحد أطباق الديك الرومي المعروفة برخصها وملائمتها للأطفال، ومن ثم قام بوصم العوائل التي تقبع في أدنى درجات الفقر في بريطانيا.

في النهاية يحتل الطعام مكانةً محوريةً في رسم هويتنا، ولا بد للإستراتيجيات الساعية للتصدي لاحتياجات الأنظمة الغذائية أن تتنبّه لذلك إذا ما أُريد لها النجاح.

نصائح مهمة

بعد كل هذا، كيف من الممكن أن نأكل طعامًا أفضل دون أن ننتهك حدود ميزانياتنا؟ دائمًا ما يكون اللحم والسمك المواد الأغلى على قائمة مشترياتنا، ولكن هناك البروتين النباتي الذي يكلّف أقل في العادة. فالبقوليات مثل: الفاصولياء، والبازلاء، والعدس، تتمتّع بقيمة غذائية كبيرة، وهي رخيصة جدًا وهي بديلٌ ممتازٌ عن اللحوم.

لا تنخدع بما يُسمّى "بالطعام فائق الجودة" وأسعاره الغالية، فلا يوجد إلى اليوم تعريفٌ متفقٌ عليه لهذا المصطلح، ولا تزال الكثير من الادعاءات القائمة على هذه الأطعمة غير مُثبّتة. وبإمكانك بكل بساطة زيادة كميات ونوعيات الخضراوات والفواكه التي تتناولها، فقد بيّنت الدراسات أن ذلك يقلّل من احتمالية وقوع الأمراض، وهي غير مكلفةٍ أيضًا.

الطعام المجمد
الخضراوات المجمدة أخرص من الطازجة وتحافظ على قيمتها الغذائية في نفس الوقت

بإمكانك شراء الفواكه والخضراوات المجمّدة والمعلّبة والمجفّفة، فهي أرخص عادةً من المنتجات الطازجة، وتحافظ في نفس الوقت على قيمتها الغذائية، كما أنها تبقى لفترةٍ أطول، مما يقلّل احتمالية إهدارك للطعام الذي تشتريه.

ابتعد عن الأطعمة المعالَجة، أنت بنفسك تستطيع إعداد هذه الأطعمة، وبكل سهولة وبتكلفةٍ أقل بكثير. إليك مثلًا وصفة صلصة الباستا هذه التي تكلّف نصف جنيهٍ إسترليني (ما يعادل 60 سنتًا تقريبًا) التي تكفي لأربعة وجبات، مقارنةً بعلبة صلصة الباستا التي تكلّف تقريبًا أربعة أضعاف هذا السعر، وفائدةٌ أخرى، ستعرف ماذا يوجد فيها.

لا تنخدع بما يسمى الطعام فائق الجودة وأسعاره الغالية، فالكثير من الادعاءات القائمة حول هذه الأطعمة غير مثبتة

النظام الغذائي هو أحد المرتكزات الجوهرية التي تقوم عليها صحتنا وسوية أجسادنا. لا يجوز أن تمنع تكلفة الطعام وحده الناس عن تناول طعامٍ صحي. فصحيحٌ أن الطعام السريع قد يكون رخيصًا ولذيذًا، ولكن قولك أن الطعام الصحي مكلّف هو محض خيال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

4 مشروبات لحرق دهون البطن

كم من الفاكهة يحتاج جسمك يوميًا؟

13 غذاءً صحيًا من الأفضل تجنبها!

لا ينبغي أن يقتصر تناوله على عيد الميلاد.. فوائد صحية مدهشة للديك الرومي