26-يناير-2017

جرافيتي شهداء ثورة 25 يناير على جدران شارع محمد محمود

أعد وصيتك الأخيرة للرحيل، أكتب في بداية الورقة إنك لم ترغب في هذا الرحيل السريع، قل لهم إنك مت لأجل غدًا أفضل "لهم". عبارة متكررة لكنها تفي بالغرض، فحينها ستتبدل قيمة الحروف مهما كانت قليلة ومتكررة؛ لأنهم سيفهمون وقتها أنك لم تكتبها فقط لتوضح مقدار تضحيتك، لكن لتخبرهم أنك تتذكرهم، أنك تستأذن في الرحيل منهم ولأجلهم، أنك وضعتهم على حافة البصر في زاوية مرتفعة جانبية على الشمال أو اليمين، لا تحتل المشهد الرئيسي لكنها تُأطر ذلك المشهد؛ لأنك وضعت صوب عيناك الوطن، دماء من ماتوا، وإيمانك بالله وأنه خلقنا للحرية وليس لعبادته من خلال أنصاف آلهة من تجار الدين والشعوب.

اللحظات التي تقترب من النهاية تحمل الكثير من التفاصيل، مهدك، نهد أمك، أيام الصبا، الحب الأول، الشهيد الأول الذي يسقط بجانبك في الميدان، حلم العودة والاستمرار، واللحظة التي تسكن فيها عيناك المبتسمة معلقة بين أرض الآباء ووطن السماء.

اللحظات التي تقترب من النهاية تحمل الكثير من التفاصيل، مهدك، نهد أمك، أيام الصبا، الحب الأول، الشهيد الذي سقط بجانبك في الميدان

النهاية، تلك اللحظة التي تتمنى فيها وأنت تشق عيناك بين الغمام لتكتشف مكانك في الجنة الجديدة، وداعك لمن حولك، دمائك التي تسيل بجانبك والتي تتمنى أن تسقي أشجار الحرية التي سُفكت من أجلها، همك من حزن أمك، وضعف الأب ونسيان الحبيبة.

أخبر أمك آلا تحزن، وآلا يضعف أبوك بالبكاء، وأن تتذكرك حبيبتك التي لم ترد على رسائلها الأخيرة بأنها أحبت بطل. حاول أن تطيل وصيتك الأخيرة، أفض كثيرًا في كل تفصيله تأتي إلى مخيلتك، إنها الكلمات الأخيرة لك يا صديقي، آخر ما يُنقش عنك في متحف الذاكرة، التي ستتداول بين الناس، وأعطي حقك الكامل في البكاء الأخير.

اقرأ/ي أيضًا: "الدولة ضد الأمة".. خراب العالم العربي

أخبرهم بشكل متكرر أنك تحبهم، أنك لست أفضل ممن ذهبوا، خاطب أمك باستمرار، اجعل كلماتك ندى على جمر أحشائها الملتهبة حزنًا على ضياعك من بين أحضانها إلى مضاجع الكفن. وتذكر دائمًا أنها ستقول عنك إنك خير ما أنجب بطنها، وإنك لو كنت حي ما كانت سمحت لك بالنزول. لكن الموقف الحرج يستدركها، فتخبر الناس جهرًا إنك فدى تراب الوطن، ثم في خلدها على مفارش الصلاة ستعاتب الله لأنه أخذك من بين عيونها سريعًا.

الحب يا صديقي هو إكليل الغار الذي تضعه على قلوب الأجيال القادمة، لترشدهم في طريقهم نحو الحرية

أما أبوك، فلا تحدثه كثيرًا، الكلمات لا تعزي قلوب الرجال، لكن أخبره أنك رجل من ظهر رجل، سيتفهمها ويشعر بها، أخبره أن اسمه سيخلد في الأرض أكثر مما لو أنجبت له حفيد، أخبره أن الله استبدل عكازه الأرضي بعكازًا سماوي.

وأخبر حبيبتك في الأخير على هامش الكلام - في مقطوعة استثنائية – أنك رأيت في عيونها تراب الوطن، الأهل، الصحبة، البيت وربه، الأطفال من حولك، الحلم بإن هناك مستقبل ينتظرك معها، ولكن يبدوا أن القدر قد كتب نهاية مغايرة؛ لهذا أوصيها بأن تحب من جديد، وأن تنجب أطفالًا وتسمي أحدهم باسمك، وألا تنساك ، وأن تخبر الصبي إن سأله أحد عن سر أسمه أن يخبرهم أنه اسم الشهيد.

فالحب يا صديقي هو إكليل الغار الذي تضعه على قلوب الأجيال القادمة، لترشدهم في طريقهم نحو الحرية.

لا تخبرهم إلى اللقاء، بل قل لهم الوداع.

اقرأ/ي أيضًا:

عمر محفوظي.. درس في الاحتجاج

الحركة الشبابية ومهماتها التونسية