1. رياضة

ما علاقة الصفقات الفلكية في "دوري روشن" بتراجع نتائج المنتخب السعودي؟

25 فبراير 2025
الدوري السعودي صار أقوى، لكن ذلك أتى على حساب المنتخب (جيتي)
أحمد خواجةأحمد خواجة

أعلن الاتحاد السعودي لكرة القدم، في الـ 24 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إنهاء التعاقد مع المدرب الإيطالي روبرتو مانشيني بالتراضي بسبب سوء النتائج، بعدما كان استلم تدريب المنتخب الوطني السعودي الأول صيف العام 2023، على إثر استقالته المفاجئة من تدريب منتخب إيطاليا، بعد سنة من قيادته "الآزوري" إلى التتويج بلقب يورو 2020.

 وقد حلّ الفرنسي هيرفي رونار بديلًا عن مانشيني، بعدما كان قد سبق له تدريب الأخضر في الفترة بين 2019 و2023، قبل أن يترك التدريب بشكل مفاجئ، بعد حصوله على عرض لتدريب منتخب فرنسا للسيدات.

وكان مانشيني مرتبطًا بعقد مع الاتحاد السعودي ينتهي عام 2027، مع راتب سنوي فلكي يساوي 30 مليون دولار، أي أكثر بثلاثة أضعاف من راتب مواطنه كارلو أنشيلوتي مدرب ريال مدريد الإسباني بطل أوروبا على سبيل المثال، وقد حصل مانشيني على خمسين مليون دولار كتعويض عن فسخ العقد، أي ما يساوي راتب سنتين من السنوات الثلاث المتبقية من عقده، متنازلًا بذلك عن 25 مليون دولار كان يمكنه المطالبة بها.

ثمانية لاعبين  فقط في المنتخب السعودي لعبوا مع أنديتهم أكثر من ألفي دقيقة طوال الموسم الماضي، و11 لاعبًا دوليًا خاضوا أقل من 600 دقيقة في 34 جولة

وقد أعادت إقالة روبرتو مانشيني إلى الواجهة الحديث عن مستوى المنتخب السعودي، وهو الأمر الذي كان قد حذر منه مسبقًا محللون ونقاد داخل المملكة وخارجها، مع بدء توافد نجوم كرة القدم العالميين إلى الدوري السعودي، بدءًا من البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي انضم إلى نادي النصر بُعيد مونديال قطر 2022، براتب سنوي فلكي وصل إلى مئتي يورو سنويًا، قبل أن تكرّ السبحة، حيث انهالت العروض السخية على نجوم عالميين مثل نيمار وكريم بنزيما ورياض محرز وياسين بونو وكانسيلو وغيرهم.

صحيح أن وصول النجوم العالميين رفع من شعبية الدوري السعودي الذي تحوّل اسمه لاحقًا ليصبح "دوري روشن" نسبةً لشركة "روشن" الراعية للدوري والمملوكة للصندوق الاستثماري، إلا ان هذه الاستثمارات أثرّت بشكل واضح على اللاعب السعودي المحلي، حيث خسر معظم النجوم السعوديون مراكزهم الأساسية مع أنديتهم لصالح المحترفين.

قبل أسابيع من إقالته، وجّه مانشيني انتقادات لاذعة لطريقة العمل المتّبعة في الدوري السعودي، إثر تعثّر "الأخضر" أمام اندونيسيا في تصفيات مونديال 2026، حيث أشار مانشيني إلى أن 20 لاعبًا من اللاعبين الذين استدعاهم للمباراة لا يلعبون بشكل منتظم مع أنديتهم في دوري روشن، وهو أمر لا يحصل مع المنتخبات الأخرى المنافسة.

تحتل السعودية اليوم المركز الرابع في مجموعتها ضمن التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم 2026 بعد ست جولات، وهي تتقدم بفارق الأهداف فقط عن صاحبي المركزين الأخيرين وهما الصين والبحرين، وبالتالي فإنها تواجه خطر عدم التواجد في المحفل الكروي الأبرز الذي سيقام بعد سنة ونصف.

ولم يكن حال المنتخب السعودي أفضل في كاس آسيا 2024 التي استضافتها دولة قطر، حيث ودّع البطولة من دور الـ16، وقد تعاقد الاتحاد السعودي مرة أخرى مع هيرفي رونار الذي قاد "الأخضر" في خليجي 26 الذي أقيم في الكويت نهاية العام 2024، وقد توسّمت الجماهير الخير بتواجد رونار، لكن الحال لم يتحسّن وخسر المنتخب في نصف النهائي أمام منتخب سلطنة عمان وودّع البطولة.

تبدُّد التفاؤل بعد التألق المونديالي

بعد الإخفاق في مونديال 2018 في روسيا، وضع القائمون في المملكة خطة للنهوض بالمنتخب، بدأت بالتعاقد مع المدرب الفرنسي هيرفي رونار صاحب الخبرة الكبيرة في العمل مع المنتخبات المتعثّرة، كذلك أُدخلت بعض التعديلات على السياسات الكروية في البلاد بهدف تطوير مستوى المنتخبات الوطنية، وقد ظهر التطور واضحًا على المنتخب في الفترة التالية، وخاصة خلال تصفيات مونديال 2022، حيث تصدّرت السعودية مجموعة حديدية ضمّت اليابان وأستراليا، وحجزت بطاقة تأهل مباشرة إلى المونديال.

كما أظهر المنتخب السعودي مستوىً مميزًا في مونديال قطر 2022، رغم الخروج من الدور الأول، وحقق خلاله فوزًا تاريخيًا على الأرجنتين بطلة النسخة لاحقًا بهدفين لهدف، وقد كسرت السعودية بهذا الفوز سلسلة لا هزيمة للتانغو استمرت لثلاث سنوات تقريبًا.

وقد ارتفع منسوب التفاعل لدى جمهور المنتخب السعودي بفعل المستوى المميز في مونديال قطر، وفي ظل تواجد نجوم كبار مع المنتخب معظمهم في سنّ صغيرة ويُتوقّع لهم مستقبل باهر، وتوقّعوا أن يعود منتخبهم إلى التألق قاريًا ودوليًا، كما كان الحال مع الأجيال الذهبية للأخضر في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، إلا أن المستوى هبط بشكل كبير في السنتين الأخيرتين، وتراجع تصنيف منتخب السعودية بحسب الفيفا إلى المركز الـ59.

كريستيانو رونالدو يفتتح بورصة النجوم العالميين

استفادت الأندية السعودية الأربع الكبرى، أي الهلال والنصر والاتحاد والأهلي جدة، بشكل أساسي من تمويل الصندوق الوطني للاستثمار، لتمويل صفقات فلكية على مدار السنتين الأخيرتين، صفقات تصدّرت عناوين الصحف الرياضية العالمية، وهي ساعدت بعض الأندية الأوروبية المتعثّرة ماديًا بسبب المبالغ الكبيرة التي دُفعت لها، والتي تساوي في بعض الأحيان ثلاثة أو أربعة أضعاف القيمة السوقية للاعبين.

رفع الاتحاد السعودي عدد اللاعبين الأجانب المسموح بهم مع كل فريق في دوري "روشن" من ثمانية إلى عشرة بدءًا من الموسم الحالي 2024/2025، وهي زيادة سيدفع ثمنها مرّة أخرى اللاعب السعودي المحلي.

في القمة الأخيرة بين الهلال واتحاد جدة ضمن الدوري، تواجد في التشكيلة الأساسية للمباراة خمسة لاعبين سعوديين فقط، ثلاثة مع الاتحاد واثنان مع الهلال، عدد من اللاعبين السعوديين الذين تواجدوا على الدكة في المباراة، يشاركون بانتظام وبشكل أساسي في جميع مباريات المنتخب السعودي مؤخّرًا، كتصفيات كأس العالم وكأس الخليج والمباريات الدولية الودية.

في المباراة التي خسرت فيها السعودية أمام إندونيسيا، والتي أدّت إلى إقالة روبرتو مانشيني، حرس مرمى المنتخب السعودي أحمد الكسّار حارس نادي الاتفاق، مع العلم أن الكسّار لعب مباراة واحدة فقط مع الاتفاق في الدوري الموسم الماضي، ولم يشارك أساسيًا مع ناديه في أي مباراة بالدوري هذا الموسم، وعلى ذكر الحراس، فإن حراس مرمى الأندية أصحاب المراكز السبع الأولى في الدوري السعودي اليوم هم من الأجانب، من بينهم المغربي ياسين بونو حارس مرمى الهلال، والذي يلعب أساسيًا على حساب محمد العويس الذي دافع عن عرين الأخضر في مونديال 2022، وقدّم مستوى مميزًا وساهم بشكل كبير بالفوز التاريخي على منتخب الأرجنتين.

دقائق اللعب القليلة تؤرق مدربي الأخضر

عدم مشاركة اللاعبين السعوديين بشكل أساسي مع فرقهم  يشكّل أزمة لأي مدرب سيقود الأخضر مهما كان اسمه وقيمته، وممّا يصعّب الأمور هو أن اللاعب السعودي لا يحبّذ الاحتراف في الخارج، ويفضّل أن يبقى احتياطيًا في أحد أندية النخبة على أن يلعب مع أحد الفرق المتوسطة، أو أن يحترف في أحد الدوريات العربية أو الآسيوية، فيما لا تصل الكثير من العروض الأوروبية للاعبين السعوديين، وهي إن وصلت، لا يمكنها أن تضاهي ماديًا ما يحصل عليه اللاعب السعودي في بلاده.

ومع ذلك فإن اللاعبين السعوديين بدأوا مؤخّرًا بالبحث عن فرص للاحتراف في الخارج، فانتقل ثلاثة لاعبين سعوديين مطلع العام الحالي إلى أوروبا، هم سعود عبد الحميد مدافع الهلال السابق الذي وقّع لكشوفات نادي روما الإيطالي قادمًا من نادي الهلال، كما انتقل لاعبا الاتحاد الشابّان فيصل الغامدي ومروان الصحافي إلى نادي بيرشكوت البلجيكي.

في وقت ذكرت مصادر صحفية سعودية عن احتمال انتقال عدد من اللاعبين السعوديين إلى أوروبا في نافذة الانتقال الصيفية القادمة، من بينهم لاعبا الأهلي فراس البريكان وعبد الكريم الدارسي، وعواد أمان لاعب النصر، مع العلم أن البريكان هو المهاجم الأساسي لمنتخب السعودية، لكنه لا يلعب أساسيًا في هجوم الأهلي بظلّ تواجد الإنجليزي إيفان توني.

بعد الخسارة أمام الأردن في المرحلة الثانية من تصفيات كأس العالم صيف العام 2024، وبعد أشهر من فقط من الخروج المخيّب من كأس آسيا 2024، نشر أحد المواقع السعودية إحصاءً حول دقائق لعب لاعبي المنتخب السعودي مع أنديتهم، أظهر أن ثمانية لاعبين دوليين سعوديين فقط لعبوا مع أنديتهم أكثر من ألفي دقيقة طوال الدوري نسخة عام 2023/2024، في حين لعب 11 لاعبًا أقل من 600 دقيقة أي أقل من سبع مباريات كاملة في دوري يلعب من 34 جولة، يشير الإحصاء إلى أن حارس المنتحب الاحتياطي محمد الربيع لم يلعب أي دقيقة مع فريقه الهلال طوال الدوري، فيما شارك عبد الإله المالكي بـ 15 دقيقة فقط خلال الدوري مقسّمة على ثلاث مباريات، ومع ذلك فقد استدعيا للمنتخب بسبب قلة الخيارات المتاحة.

عدم مشاركة اللاعبين السعوديين بشكل أساسي مع فرقهم  يشكّل أزمة لأي مدرب سيقود الأخضر مهما كان اسمه وقيمته، وممّا يصعّب الأمور هو أن اللاعب السعودي لا يحبّذ الاحتراف في الخارج

ومع ارتفاع عدد اللاعبين الأجانب المسموح بإشراكهم إلى عشرة لكل نادي هذا الموسم، من المتوقع أن تنخفض دقائق مشاركة اللاعبين المحليين، ما من شأنه أن يؤثر أكثر على أداء المنتخب ونتائجه، وبالتالي فإن توجّه اللاعب السعودي نحو الاحتراف والحصول على دقائق لعب أكبر قد تكون أحد حلول المشاكل التي يواجهها الأخضر اليوم.

ارتفاع شعبية الدوري السعودي

ممّا لا شك فيه أن سياسة استقدام النجوم العالميين إلى السعودية رفعت من شعبية الدوري هناك، تشير الإحصائيات إلى أن الحضور الجماهيري في المدرجات بالدوري ارتفع بنسبة 11% في موسم 2023-2024 عن الموسم الذي سبقه، ولم تعد مشاهدة المباريات من المدرجات حكرًا على جماهير الأندية التقليدية، بل أخذت طابعًا احتفاليًا وسياحيًا، فالبعض يذهب اليوم إلى الملعب ليشاهد رونالدو وبنزيما والآخرين، وهناك جماهير من خارج المملكة مثل الجاليات الأجنبية وحتى السواح الأجانب والقادمين للمشاركة في الفعاليات والمهرجانات الترفيهية التي تشهدها المملكة تقصد الملاعب وتشاهد المباريات.

كذلك ازداد اهتمام الصحافة الرياضية العالمية بالدوري السعودي، وبات مدربو المنتخبات الكبرى يخصصون وقتًا لمشاهدة الدوري بهدف متابعة نجومهم الدوليين، وليس هناك شكّ حول نجاح مشروع استقدام النجوم في المجالات التسويقية والترفيهية والترويجية، في المقابل فإن نتائج المنتخب تراجعت، كذلك نتائج الفرق السعودية في دوري أبطال آسيا، حيث غابت الفرق السعودية عن نهائي نسخة 2023-2024، ونجح نادي العين الإماراتي بطل النسخة بإزاحة النصر والهلال، الفريقين الذين ضمّا نجومًا من أعلى طراز في صفوفهما، مع العلم أن الهلال وصل إلى النهائي في النسختين التي سبقتها وفاز بواحدة منها.

يتبقى للمنتخب السعودي أربع مباريات صعبة في تصفيات كأس العالم 2026، اثنتان في شهر آذار\مارس القادم، حيث يستقبل الصين ويحل ضيفًا على اليابان، على أن يلعب في البحرين ثم يستضيف أستراليا في شهر حزيران/يونيو القادم، وفي حال أخفق الأخضر في بلوغ المونديال ستطرح الكثير من الأسئلة حول الجدوى من الصفقات العالمية ورفع عدد اللاعبين الأجانب، وسيكون السؤال الأهم هو: هل يستمر المشروع كما هو حتى وإن أتى على حساب نتائج المنتخب؟ أم ستتمّ إعادة الحسابات واتّخاذ الإجراءات لمواجهة تراجع نتائج المنتخب الوطني؟

كلمات مفتاحية
كرة القدم

متى تصبح مغادرتك لفريقك خيانة؟

تتعقّد الأمور عندما يخرج لاعب محبوب من الجماهير من فريقه بشكلٍ يراه البعض خيانة، دون أن يضعوا في الاعتبار أن بعض اللاعبين يُعاملون هذه الرياضة كعملٍ بدوامٍ كامل

الصين

لماذا تفشل قوة عظمى كالصين في لعبة كرة القدم؟

تتداخل أسباب الفشل في كرة القدم الصينية بين تدخل السلطات والنمطية والنفوذ والفساد، بالإضافة إلى الخوف على المستقبل والنطاق التلقيني في التنشئة

كأس العالم للأندية

حاسوب أوبتا يكشف حظوظ الفرق في التتويج بكأس العالم للأندية

ساعات تفصلنا عن انطلاق كأس العالم للأندية، إليكم أبرز حظوظ الفرق المشاركة فيها وفقًا لبيانات "أوبتا"

إسرائيل وإيران
سياق متصل

إيران تلوّح بإغلاق مضيق هرمز ودبلوماسية الطوارئ تسابق التصعيد

تسارعت وتيرة التحركات الديبلوماسية الرامية إلى احتواء الحرب الإسرائيلية الإيرانية قبل تحولها إلى حرب إقليمية شاملة

بات يام
سياق متصل

إيران تضرب العمق الإسرائيلي.. وترامب ينأى بإدارته عن الحرب

شهدت الساعات الأولى من فجر اليوم الأحد موجة جديدة من القصف المتبادل بين إيران وإسرائيل، في واحدة من أعنف جولات الاشتباك العسكري المباشر بين الجانبين منذ عقود

الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله (PoetryProject)
نشرة ثقافية

"الخيول البيضاء" تقود إبراهيم نصر الله إلى قائمة جائزة "نيوستاد" العالمية

وصول الكاتب الفلسطيني إبراهيم نصر الله إلى القائمة النهائية لجائزة نيوستاد الأدبية العالمية

دونالد ترامب
سياق متصل

عرض ترامب العسكري.. رسائل للداخل والخارج

يحتفل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالذكرى الـ250 لإنشاء الجيش الأميركي، وبعيد ميلاده الشخصي التاسع والسبعين