14-فبراير-2020

كان للمحميات الطبيعية في اليمن نصيب من التضرر بسبب الحرب (Mark W. Moffett)

تنتشر في اليمن أراض واسعة ذات طبيعة خلابة، تتميز بتنوعها الحيوي النباتي والحيواني، منها ما هو قائم ومنها ما هو مهدد بالانقراض. هذه الأراضي التي تعرف بالمحميات الطبيعية، هي مناطق جغرافية محددة المساحة، تُخصص للمحافظة على الموارد البيئية المتجددة، تحت إشراف هيئات معنية، مهمتها حماية هذه المحميات من التعديات البشرية.

تضم سقطرى عددًا من أندر النباتات، التي لا يوجد بعضها إلا فيها، كما تضم أنواعًا من الزواحف والحلزونيات غير موجودة إلا بها 

وتهدد الحرب القائمة في البلاد منذ خمس سنوات، بعض هذه المحميات الطبيعية، بالتوازي مع انحسار دور الهيئات المسؤولة عن حماية هذه المحميات. في ما يلي نستعرض بعضًا من أبرز المحميات اليمنية في ظل الحرب القائمة.

اقرأ/ي أيضًا: جولة في سقطرى العذراء.. حيث كل الأشياء الغريبة والقديمة

1. محمية عتمة

تقع عتمة على بعد 58 كيلومتر غربًا من مدينة ذمار، وعلى بعد 158 كيلومتر جنوب صنعاء. ويبلغ عدد سكانها حوالي 131 ألفًا و628 نسمة بحسب تعداد سكان عام 2004.

وتتكون مديرية عتمة من خمسة مناطق: مخلاف السمل ومخلاف رازح ومخلاف بني بحر ومخلاف حمير الوس ومخلاف سماه. وتتشكل من سلاسل جبلية يقل ارتفاعها كلما اتجهنا غربًا، حيث تمثل امتدادًا للمرتفعات الغربية المتجهة نحو المناطق السهلية الساحلية.

وتعرف منطقة عتمة بتنوع تضاريسها وخصوبة تربتها والإنتاجية العالية للمحاصيل الزرعية وجودة المراعي وكثافة الغابات، إضافة للعيون المائية والأنهار الموسمية. وقد أُعلن عنها محمية طبيعية عام 1999.

2. سقطرى

تقع على مسافة أربعة آلاف كيلومتر تقريبًا من الساحل اليمني، وتبلغ مساحتها 3625 كيلومتر مربع، فيما يبلغ عدد سكانها ما بين 50 و80 ألف نسمة بحسب تعداد سكان عام 2004.

وتتكون سقطرى من مجموعة جزر صغيرة إضافة إلى جزيرة عبد الكوري وسمحة ودرسة. وتعتبر سقطرى من أكثر مناطق اليمن تميزًا بالتنوع الحيوي، حيث بلغ عدد النباتات المتوطنة بها 263 نوع من أصل 850 نوع تم تسجيلها حتى الآن. وقد أعلن عنها محميةً طبيعية سنة 2000.

وتضم سقطرى عددًا من أندر النباتات، التي لا يوجد بعضها إلا فيها. وتتميز بشجرة دم العنقاء والتي تعرف أيضًا بدم الأخوين. كما في سقطرى أنواع من الزواحف والحلزونيات غير موجودة إلا بها. وفي 2008 صنفت سقطرى كأحد مواقع التراث العالمي.

سقطرى

وكانت سقطرى ضحية للحرب المندلعة في اليمن، خاصة من طرف القوات الإماراتية المنضوية تحت لواء التحالف السعودي، إذ لم تتوقف الأطماع الإماراتية لاحتلال الجزيرة والسيطرة على مواردها، والتي واجهتها الاحتجاجات الشعبية بالرفض والمقاومة.

وبسبب موقعها الإستراتيجي، كمدخل من بحر العرب لمضيقي هرمز وباب المندب، فإن امتلاك أي دولة لقاعدة عسكرية فيها، يعني سيطرتها على المضيقين المؤثرين على الملاحة في قناة السويس ومضيق ملقا الفاصل بين إندونيسيا وماليزيا.

3. محمية برع

تقع برع في محافظة الحديدة غربي اليمن، على بعد 20 كيلومتر من الطريق الرئيسي الرابط بين الحديدة وصنعاء. وترتفع محمية برع ما بين 300 و800 متر عن مستوى سطح البحر. وتبلغ مساحتها حوالي 41 كيلومتر مربع، فيما يبلغ عدد سكانها 45 ألفًا و116 نسمة بحسب تعداد 2004.

وتمثل محمية برع آخر بقايا الغابات الاستوائية التي كانت سائدة في الجزيرة العربية قبل آلاف السنين. وتُقدّر أعداد أنواع النباتات التي تضمها المحمية بـ315 نوعًا من 83 فصيلة، ما يمثل 15% من إجمالي التنوع النباتي في الأرض.

ومن هذه النباتات، رصدت ثمانية أنواع موطنها الأصلي هي محمية برع نفسها. كما تضم المحمية عددًا متنوعًا من الحيوانات الثدية والطيور والزواحف. وقد أعلن عنها محمية طبيعية في 2006.

ومن قبل الحرب تعرضت المحمية للتضرر بسبب الإهمال وسوء الإدارة من قبل الجهات المعنية. كما أن التوسع السكاني، وإنشاء الطرق من خلالها، أثر على مساحات واسعة في المحمية وصلت إلى أكثر من 20%.

وخلال الحرب، تعرضت مناطق في المحمية وعلى تخومها للقصف، كما حدث في السابع من تموز/يوليو 2018، عندما قصفت طائرات التحالف السعودي سوق المحمية. كما تسببت الحرب في زيادة الإهمال تجاه المحمية، ما أدى لزيادة الانتهاكات بحق بيئتها الطبيعية.

4. محمية حوف

تقع محمية حوف في محافظة المهرة بمحاذاة السواحل الجنوبية لليمن، على امتداد يقدر بحوالي 60 كيلومتر، من جبل رأس فرتك، وحتى حدود اليمن مع سلطنة عمان. ويبلغ عدد سكانها 5143 نسمة بحسب تعداد سكان 2004. وتضم حوف ثلاث تجمعات حضرية، هي: رهن وجاذب وحوف، بالإضافة إلى 18 تجمعًا قبليًا.

وتضم حوف العديد من المعالم السياحية البارزة، مثل: مستوطنة دمقوت وجبال حيطوم وميناء خور الأوزن وجبال مرارة. وتشهد هذه المحمية هطول الأمطال عليها طوال العام، ما ميّزها بالتنوع النباتي وكثافته، وكذلك التنوع الحيواني. ومن أبرز الحيوانات التي تضمها المحمية، النمر العربي، الذي أُدرج ضمن قوائم معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البرية المهدد بالانقراض "CITES". وقد أعلن رسميًا عن حوف محمية طبيعية في 2005.

محمية حوف

وكان للمحمية أيضًا نصيب من التضرر بالحرب، من طرفيها: جماعة الحوثي والتحالف السعودي، بعد معارك بينهما انتهت بفرض التحالف السعودي سيطرته على المحمية وعموم محافظة حوف.

5. محميات الأراضي الرطبة

تقع محميات الأراضي الرطبة في محافظة عدن جنوبي اليمن، وتضم خمس محميات، هي:

  1. الحسوة
  2. بحيرات البجع
  3. الوادي الكبير
  4. خور بير أحمد
  5. المملاح 

تتميز هذه المحميات بكثرة أشجار النخيل فيها. وتوفر الأراضي الرطبة بيئة مناسبة للطيور المهاجرة من أوروبا وشرق آسيا في فصل الشتاء، إذ تتخذ منها محطة توقف قبل أن تنتهي رحلتها إلى أفريقيا. ويزورها بانتظام أكثر من 16 ألف طائر مائي، منها ثلاثة أنواع من الطيور مهددة بالانقراض.

"ما ذنب النباتات؟".. أثر الحرب على المحميات

كان ولا يزال للحرب المندلعة في اليمن تأثير على المحميات الطبيعية. ويختلف هذا التأثير باختلاف ظروف كل محمية على حدة. ووفقًا للصحفي المتخصص في البيئة أكرم الجولحي، فإن استخدام أطراف الصراع لمختلف أنواع الأسلحة، يُعد من أبرز الأسباب المؤدية لتلوث البيئة في تلك المحميات، وفي مختلف المناطق اليمنية بشكل عام. كما أن بعض مناطق المحميات الطبيعية، تستخدم كمخيمات لإيواء نازحي الحرب، ولو بشكل مؤقت، كما الحال في محمية برع.

ويلفت الجولحي، في حديثه لـ"الترا صوت"، إلى عدم وجود إحصائيات محايدة حول الأضرار التي لحقت بالمحميات الطبيعية في اليمن جراء الحرب، لكن "الماثل للعيان هو أن الحرب ساهمت في القضاء على العديد من الحيوانات، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالإضافة إلى التعديات المستمرة على البيئة النباتية"، يقول الجولحي، متسائلًا باستنكار: "ما ذنب النباتات؟"

ويضرب الصحفي البيئي مثلًا بالتعديات على البيئة النباتية، ما تقوم به الإمارات من استئصال ونقل لشجرة دم الأخوين من جزيرة سقطرى إلى الأراضي الإماراتية. وفي كانون الثاني/يناير 2019، أدت الانفجارات التي وقعت في مصافي عدن، إلى تلوث أجواء محميات الأراضي الرطبة، ما دفع مئات الطيور إلى الهروب منها.

من آثار قصف سوق محمية برع في 2018
من آثار قصف سوق محمية برع في 2018

وفي بعض المحميات، زادت معدلات التعدي على الأشجار، لاستخدام أخشابها وقودًا، في ظل أزمات النقص المتكرر للمشتقات النفطية، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

من جهة أخرى، تعرقل معارك الحرب عمل الهيئة العامة لحماية البيئة، المعنية بالمحميات الطبيعية. وعن ذلك، قال فيصل الأصبحي، مدير عام المحميات في الهيئة، لـ"الترا صوت": "لدينا في الهيئة تقارير توضح حجم الانتهاكات التي طالت المحميات الطبيعية في اليمن. لكننا لا نستطيع أن نوقف تلك الانتهاكات"، مضيفًا: "المحميات اليوم تعاني من عدم وجود إدارة للبنية التحتية، وبالتالي لا يوجد أي دعم من قبل المنظمات الدولية المعنية بالحفاظ على البيئة".

ويستطرد الأصبحي: "كنا قبيل الحرب نتطلع لأن نصل إلى مرحلة توسع المحميات الطبيعية في اليمن، وكنا نطمح إلى تنفيذ مشاريع متعددة. لكن لم نستطع أن نواكب هذه الخطط، نتيجة توقفنا عن إجراء الدراسات في المواقع المختارة للمحميات الطبيعية".

استخدام أطراف الصراع في اليمن لمختلف أنواع الأسلحة، يُعد من أبرز الأسباب المؤدية لتلوث البيئة في المحميات الطبيعية

يُذكر أن بروتوكول جنيف الإضافي لعام 1977، تضمن قاعدة أساسية لحماية البيئة الطبيعية، تحظر استخدام وسائل وأساليب قتالية يقصد بها إلحاق أضرار بالغة وواسعة الانتشار وطويلة الأمد بالبيئة الطبيعية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مدينة دمت باليمن.. مشفى طبيعي في أحضان البراكين

شجرة الغريب في اليمن.. أسطورة حية منذ أكثر من 2000 عام