20-مارس-2022
انتقادات عديدة لزيارة جونسون للسعودية (Getty)

انتقادات عديدة لزيارة جونسون للسعودية (Getty)

توجه بوريس جونسون، رئيس وزراء المملكة المتحدة، قبل أيام صوب دولة الإمارات العربية المتحدة لملاقاة محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، لمناقشة استقرار أسواق الطاقة العالمية، وبحث سبل التعاون والتنسيق المشترك بين الدولتين في مختلف الجوانب التي تخدم مصالحهما المتبادلة، وتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الحرب الروسية-الأوكرانية، حسب ما أوردته وكالة أنباء الإمارات - وام.

العلاقات بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وبين المملكة العربية السعودية يشوبها بعض التوتر منذ سنوات بسبب سجل السعودية السيئ في ملف حقوق الإنسان

ومن الإمارات توجه جونسون إلى المملكة العربية السعودية في زيارة خاطفة وعاجلة، في ظل التطورات الأخيرة على الساحة الدولية والتغيرات السريعة بأسواق الطاقة في ضوء ما يحدث بالمعكسر الشرقي بين روسيا وأوكرانيا، لمحاولة إقناع محمد بن سلمان ولي العهد السعودي بالتخلي عن الجانب الروسي، حليف السعودية في منظمة أوبك+، وزيادة إنتاج النفط لتأمين الإمدادات الأوروبية والعالمية والمحافظة على استقرار الأسعار لتعويض الخسائر والنقص الناتج عن الاستغناء عن النفط والغاز الروسي. فما الذي أسفرت عنه هذه الزيارة الطارئة؟

التلفزيون العربي

"صفقة مع شيطان آخر"

العلاقات بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وبين المملكة العربية السعودية يشوبها بعض التوتر منذ سنوات بسبب سجل السعودية السيئ في ملف حقوق الإنسان، والتدخلات العسكرية في اليمن، بالإضافة إلى حادث مقتل الصحفي جمال خاشقجي بمبنى القنصلية السعودية بإسطنبول في 2018، ومؤخرًا بتنفيذها لأحكام الإعدامات في حق العشرات؛ لذا فإن زيارة جونسون الأخيرة قد تعطى انطباعًا دوليًا بموافقة المملكة المتحدة واعترافها بشرعية سلوكيات السعودية الأخيرة في الملف الحقوقي.

واجه بوريس جونسون، موجة عنيفة من الانتقادات عندما أعلن عن نيته إجراء زيارة للمملكة العربية السعودية، حيث جاءت هذه الزيارة بعد أيام من تنفيذ السعودية حكم الإعدام في 81 شخصًا سبق وأدينوا بارتكاب جرائم إرهابية واعتناق الفكر الضال والمناهج المنحرفة، حتى أن أعضاء البرلمان اصطفوا محاولين نصح جونسون بإلغاء الزيارة. الأمر الذي جعل أليستير كارمايكل، النائب عن حزب الديمقراطيين الليبراليين، يصرّح الأسبوع الماضي أن "الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات، وأن رئيس الوزراء البريطاني إذا ذهب في الأيام المقبلة إلى السعودية، فسنرسل إشارة واضحة للغاية بأنه بغض النظر عمّا نقوله، فنحن لسنا قلقين حقًا بشأن الإعدامات". بينما قال كريسبين بلانت، النائب عن حزب المحافظين، أن "أحكام الإعدام تمثل تدنيًا جديدًا لحقوق الإنسان والعدالة الجنائية في المملكة، ويأتي ذلك بعد أسبوع فقط من وعد ولي العهد بتحديث نظام العدالة السعودي".

كما شنت صحيفة الميرور البريطانية هجومًا لاذعًا على بوريس جونسون على مدار أيام في تناولها لزياراته الأخيرة، حتى أنها وصفت لقاءه مع ابن سلمان "بصفقة مع شيطان آخر"، ونقلت الصحيفة تصريحات بعض النواب  وتحذيراتهم لجونسون من توابع هذه الزيارة، حيث عبّر النائب المحافظ جوليان لويس عن امتعاضه ورفضه للزيارة قائلًا "في سعينا لتقليل اعتمادنا على مصدر واحد من مصادر النفط والغاز، لا ينتهي بنا الأمر بخلق اعتماد على نظام آخر غير موثوق به وأحيانًا معادٍ". كما قالت النائبة العمالية نادية ويتومي "في ضوء إعدامات السبت، هل سيلغي رئيس الوزراء زيارته المخطط لها؟ وهل ستفعل هذه الحكومة ما كان يجب أن تفعله منذ فترة طويلة وتتوقف عن بيع الأسلحة للنظام السعودي". وأضافت بولي تروسكوت، مستشارة حقوق الإنسان للشؤون الخارجية في منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة أن "الأخبار الصادمة عن عمليات الإعدام الجماعية في المملكة العربية السعودية تجعل من المهم أكثر من أي وقت مضى أن يتحدى رئيس الوزراء السلطات السعودية بشأن سجلها المروع في مجال حقوق الإنسان وأن يتحدث علنًا عن حقوق الإنسان خلال هذه الزيارة ".

واتهمت الميرور البريطانية بوريس جونسون بازدواجية المعايير المخزية بينما يقف في موضع المدافع عن ولي عهد السعودية الذي ارتكب العديد من الجرائم الهمجية في اليمن تماثل جرائم الحرب التي يرتكبها فلاديمير بوتين في أوكرانيا، ووصفت جونسون بأنه رجل بلا مبادئ يتجاهل قتل الأطفال وقصف المستشفيات في اليمن ويذهب ليستجدي ابن سلمان لفتح صنابير النقط للمحافظة على أسعار الطاقة. وأوردت الصحيفة أن توابع هذه الزيارة  وكلفتها السياسية الباهظة سيدركها جونسون متأخرًا عندما يلتقي بولي العهد الذي قالت عنه المخابرات الأمريكية إنه متورط في قتل الصحفي جمال خاشقجي، وكان من الواجب على رئيس الوزراء إلغاء الرحلة المزعجة والمذلة والدفاع عن القيم الإنسانية بدلًا عن ذلك.

ومن جانبه، حاول جونسون، الذي واجه صعوبات كبيرة في طلب المساعدة من السعودية، تبرير موقفه من هذه الانتقادات مدافعًا عن زيارته، بأنه يحاول تأمين مخزون طويل الأجل لإمدادات الطاقة في بريطانيا دون الاعتماد على النفط والغاز الروسي، وأنهم بحاجة إلى التحدث مع منتجين آخرين حول العالم كي يضمنوا الابتعاد عن التبعية والابتزاز الذي يمارسه عليهم المسؤولون الروس. وأضاف جونسون أنه "إذا أردنا الوقوف في وجه بلطجة بوتين، وإذا أردنا تجنب تعرضنا للابتزاز، فيجيب علينا التخلص من النفط الروسي" كما أكد على أهمية "بناء أكبر تجمع ممكن لضمان عدم نجاح فلاديمير بوتين".

بوريس جونسون يفشل في ضمان النفط السعودي

قال زعيم حزب العمال المعارض، كير ستارمر، منتقدًا جونسون "إن الانتقال من ديكتاتور إلى ديكتاتور آخر، ليس باستراتيجية جيدة لتأمين مصادر الطاقة". انتهت زيارة جونسون السريعة وحدث ما حذّره منه نواب البرلمان والمراقبون لتطورات الساحة الدولية، فبعد محادثات مطوّلة دامت لساعة و45 دقيقة مع ولي عهد السعودية، عاد إلى المملكة المتحدة خالي الوفاض دون أن ينجح في الحصول على أي تعهدات من السعودية والإمارات بزيادة إنتاج النفط في المرحلة المقبلة، وصرّح جونسون أنهم تحدثوا عما يمكنهم القيام به لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط ومحاربة التضخم ومساعدة المستهلكين. لكن عندما سأله صحفي عمّا إذا كانت السعودية اتخذت قرارًا بزيادة إنتاج النفط، قال موجهًا حديثه للصحفي صاحب السؤال "أعتقد أنك بحاجة إلى التحدث مع السعوديين بهذا الشأن، ولكن هناك فهم للحاجة إلى ضمان الاستقرار في أسواق النفط العالمية وأسواق الغاز، والحاجة إلى تجنب ارتفاعات الأسعار".

ازدادت الانتقادات الموجهة إلى جونسون بعد فشله في الحصول على أي تعهدات من الجانب السعودي أو استمالة أي من السعودية أو الإمارات إلى الجانب الغربي على حساب روسيا أو انتزاع تصريح لدعم الجانب الأوكراني وإدانة موسكو، خاصة أن بوريس جونسون أصبح أحد زعماء العالم القلائل الذين يزورون المملكة العربية السعودية ويصافحون ولي العهد محمد بن سلمان منذ حادث مقتل الصحفي جمال خاشقجي، فمنذ اتهام المخابرات الأمريكية لابن سلمان في التورط في مقتل خاشقجي وهو يعاني من عزلة من قادة الدول الغربية، تلك العزلة التي كسرها جونسون بدون تحقيق أي نتائج إيجابية.

إشارات جديدة

بمراقبة التطورات الأخيرة نرى تغيرًا واضحًا في سياسات السعودية والإمارات تجاه المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فبعد أن ظلت السعودية والإمارات حليفتين أساسيتين لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط، نلاحظ تقاربًا سياسيًا مع موسكو ظهر جليًا في التزام الإمارات الحياد أثناء التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة روسيا في غزوها لأوكرانيا.

كما وضحت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن السعودية لم تُصدر أي بيان رسمي لإدانة الغزو الروسي، وقد يكون هذا الموقف بمثابة رد الجميل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاحتضانه ابن سلمان في خضم أزمة خاشقجي. برغم موقف الحياد الذي تتخذه السعودية إلا أنه حياد أكثر ميلًا إلى صف روسيا، وربما يستخدم ابن سلمان هذا الأسلوب وهذا التوجه من أجل الخروج بموقف رابح من الجهتين، فلا يخسر حليفه الروسي، وينال اعتراف زعيم غربي جديد ولا يمنحه ما يريد لكي يضغط على الرئيس الأمريكي جو بايدن من أجل قبول الأمر الواقع والاعتراف به كولي للعهد وعقد لقاء بينهما لمناقشة التطورات الأخيرة وتطلعات المرحلة المقبلة.

الإمارات، رغم مساعيها القديمة لإعادة شرعنة النظام السوري عربيًا، تجاهلت هذه المرة من خلال استقبال رئيس النظام السوري التحذيرات الأمريكية من التطبيع مع الأسد

هذه الطموحات السعودية الإماراتية، تبقى رهينة لملفات معقدة ومتشابكة. ولعل زيارة رئيس النظام السوري للإمارات قبل أيام مرتبطة بهذا الشأن. إذ إن الإمارات، رغم مساعيها القديمة لإعادة شرعنة النظام السوري عربيًا، تجاهلت هذه المرة من خلال استقبال رئيس النظام السوري التحذيرات الأمريكية من التطبيع مع الأسد. يتزامن هذا القرب مع كل من روسيا والأسد، مع تواصل التحالف مع إسرائيل، في ظل مخاوف مشتركة من توقيع اتفاق ناتج عن مفاوضات فيينا، بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، وقبول جزئي لكن أكبر لإيران دوليًا، بالتزامن مع عزل روسيا وفرض عقوبات عالية عليها.