27-يناير-2018

اللاجئون في ألمانيا ضحية لبروباغندا الترهيب والعنصرية اليمينية (أسوشيتد برس)

تدعي المواقع اليمينية المتطرفة، أن ألمانيا تواجه وباءً مزعوم من حالات الاغتصاب التي يرتكبها اللاجئون، وهو ادعاء يثير ذعر الألمانيين من تدفق اللاجئين. لكن هل مزاعم هذه المواقع حقيقية؟ موقع "شبيغل أون لاين" ينشر تحقيقًا مطولًا حول هذه المزاعم، ننقله لكم مترجمًا على جزئين، في السطور التالية الجزء الأول.


في السادس من نيسان/أبريل عام 2016، قام مهاجم مجهول الهوية بالاعتداء على امرأة تبلغ من العمر 20 عامًا في ملعب بمدينة روستوك الألمانية، وأرغمها على ممارسة الجنس الفموي قبل أن يفر من مكان الحادث. وأفادت المرأة أن الرجل كان ذو بشرة داكنة.

في 2016، تناولت وسائل إعلام ألمانية جريمة اغتصاب زُعم أن منفذها لاجئ، تبيّن لاحقًا أنها لم تحدث من الأساس

وفي السادس من آب/أغسطس عام 2016، هاجم رجل مجهول الهوية أيضًا، طالبة جامعية صينية تبلغ من العمر 21 عامًا، بالقرب من جامعة بوخوم، وخنقها بحبل، واغتصبها. وقالت المرأة إن الجاني تحدث لهجة أجنبية. وأجرت الشرطة عملية مطاردة للمشتبه به الذي بدا أنه قادم من آسيا الوسطى، وذو بشرة داكنة.

اقرأ/ي أيضًا: هل ستعمل ألمانيا على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم؟

هاذين نموذجين لعمليتي اغتصاب تناولتهما وسائل الإعلام الوطنية، لكن واحدًا من الهجومين لم يحدث أبدًا. فقد تبين أن "المغتصب الجامعي" في مدينة بوخوم موجود بالفعل، وأنه قام بالاعتداء على طالبة أخرى من الصين بعد ثلاثة أشهر. وفي نهاية المطاف، ألقت الشرطة القبض على ملتمس لجوء من العراق يبلغ من العمر 31 عامًا، كان يعيش مع زوجته وطفلين في مخيم للاجئين بالقرب من مسرح الجريمة. وأصدرت المحكمة الحكم الأول عليه بالسجن لمدة 11 عامًا.

ولكن مغتصب مدينة روستوك المزعوم لم يكن موجودًا. وقد أعربت الشرطة عن بعض الشكوك حول ما إذا كان الحادث قد وقع بالفعل في بيانها الصحفي الأول بشأن القضية، وأظهر التحقيق الجنائي من قِبل الطب الشرعي أن المرأة هي من كانت مسؤولة عن إصاباتها بنفسها.

وفي حزيران/يونيو عام 2016، أغلق المدعي العام في مدينة روستوك التحقيق، ولكن بعد أن وصل عدد مُشاركات الأخبار على الإنترنت، عن المغتصب ذو البشرة الداكنة إلى آلاف المرات. كما نشرت صحيفة "شفيرين فولكسزيتونج - Schweriner Volkszeitung" في عاصمة ولاية مكلنبورغ فوربومرن، على موقعها الإلكتروني، تقريرًا حول الجريمة الجنسية المزعومة، مُستشهدةً بأقوال ما أسمتها "مصادر داخلية". وبدأت المقالة بعبارة: "رئيس شرطة مدينة روستوك يلتزم الصمت"!

شائعات لا أساس لها من الصحة

في الوقت نفسه، ذكر تقرير نُشر على صفحة فيسبوك تسمى "NonStopNews Rostock"، أن الرجل ذو البشرة الداكنة أصبح "زودلاندر"، وهو مصطلح غالبًا ما يستخدم لوصف أولئك الذين يعيشون في بعض بلدان البحر الأبيض المتوسط. وحمل التقرير عنوان "جريمة جنسية في فارنيموند؟ هل تعرضت امرأة شابة للاغتصاب؟ زودلاندر هاجم امرأة".

وفي تلك الأثناء، كان موقع "Rapefugees.net" أكثر دقة في حبكة مزاعمه، إذ ذكر أن "شرطة مدينة روستوك تبقي الأخبار عن الاغتصاب الفموي الذي ارتكبه رجل من أصل عربي، طي الكتمان".

وتُعد الحقيقة وراء هذه الشائعات التي لا أساس لها من الصحة مهمة، لأن مثل هذه القصص تؤثر على انطباع الألمان عن اللاجئين. بالإضافة إلى أنهم يمارسون أدوارًا مبتذلة قديمة بشأن تهديد المغتصبين الأجانب. وقد استُشهد بعددٍ قليلٍ من الحُجج الأخرى مرارًا وتكرارًا من قِبل أشخاص في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة، بسبب رغبتهم في التوقف عن إنشاء مخيمات اللاجئين في المناطق القريبة منهم مباشرةً. فبمجرد تواجدهم، يبدأ الجدال بشأن الشوارع التي لم تعد آمنة بالنسبة للنساء أو الأطفال غير المصحوبين بذويهم من الرجال، حتى وإن لم يحدث شيئًا يثير القلق حقًا.

وبعد أحداث ليلة رأس السنة في مدينة كولن، الحادث الذي وقع في 31 كانون الأول/ديسمبر عام 2015، إذ تعرضت خلاله المئات من النساء لاعتداءات جنسية؛ احتجزت الشرطة الشباب المسؤولين عن الهجمات، وكان معظمهم من شمال أفريقيا. وأدت تلك الليلة إلى وضع حد للشعور بالسعادة الذي صاحب الترحيب بمئات الآلاف من اللاجئين إلى البلد في وقتٍ سابقٍ من ذلك العام. ويعتقد بعض الألمان الآن بشكلٍ مرعب، أن المهاجرين قد جلبوا كذلك العديد من المشاكل معهم إلى البلد.

وفي خريف عام 2016، عُثر على جثة طالبة جامعية مُلقاة في نهر في مدينة فرايبورغ، حيث أُغرقت بعد تعرضها للاغتصاب. ويجرى حاليًا محاكمة المشتبه به في قضية القتل، وهو طالب لجوء من أفغانستان. وفي ربيع عام 2017، أغتصب طالب لجوء من غانا، رُفض طلبه، امرأة كانت تُخيم مع صديقها بالقرب من مدينة بون. وفي حكم أولي صدر في القضية، قضت المحكمة بسجن الرجل لمدة 11 سنة ونصف.

هل صارت الحياة اليومية أكثر خطرًا على النساء من قبل؟

تؤكد مثل هذه الأنواع من التقارير مجددًا، مواقف أولئك الذين كانوا دائمًا يرون أن اللاجئين يُمثلون خطرًا. ولكن هل هناك أي حقيقة في الادعاءات القائلة بأن الحياة اليومية قد ازدادت خطرًا على النساء اللائي يعشن في ألمانيا نتيجة للأعداد المتزايدة من المهاجرين؟ وهل الحياة في الواقع أقل أمانًا مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات؟ وكم عدد هؤلاء اللاجئين الذين يرتكبون جرائم جنسية؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات، استعرضنا إحصاءات الجرائم، وأجرينا مقابلات مع مسؤولين في الشرطة، واستشرنا خبراء أكاديميين، وحللنا حوالي 450 تقريرًا إخباريًا منشورًا على الإنترنت يتعلق بتلك الجرائم الجنسية المزعومة المرتبطة بطالبي اللجوء والمهاجرين.

كما زار مراسلونا مراكز الشرطة والمدعين العامين والمحاكم للكشف عن الحقيقة الكامنة وراء تلك التقارير الإخبارية والنتيجة النهائية لأي إجراءات قضائية. وقد أُعيد النظر في بعض الحالات حتى خمس مرات مختلفة، وفي العديد من المناسبات، أجرى المراسلون مقابلات مع الأشخاص المتورطين في القضايا للتحقق والإحاطة من المعلومات الأساسية. ثم قام المراسلون بتحليل الوثائق والمعلومات جنبًا إلى جنب مع أخصائيين في الصحافة المعلوماتية القائمة على البيانات وفاحصي الحقائق أيضًا.

تحريض؟!

بمجرد أن تضغط زر الإعجاب على صفحات فيسبوكية مثل صفحة ""Heimatliebe.Deutschland"، أو صفحة "Truth24.net" أو أي صفحة أُخرى محلية تابعة لحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي المتطرف؛ فستجد نفسك قد دخلت واقعًا موازيًا مظلمًا.

نظرة على المواقع التابعة لليمين الألماني المتطرف، تشعرك وكأنك دخلت واقعًا موازيًا مظلمًا، لكثرة ما ينشر من جرائم جنسية وهمية  

ويومًا بعد يوم، ستمتلئ صفحة فيسبوك الرئيسية التي تظهر أمامك، بالتقارير المتعلقة بجرائم العنف والاغتصاب المروعة. وستجد الكثير من الصور لرجال يبدو أنهم من أصول عربية أو أفريقية، ونساء ينظرن إلى الكاميرا بينما يضع شخصًا ما يده على أفواههن من الخلف، إشارةً إلى محاولة إرغامهن على الصمت، أو ستجد صورٍ لأطفالٍ يتوارون عن الأنظار في الظلال.

اقرأ/ي أيضًا: كولونيا.. براءة السوريين من المجرزة الجنسية

وتُعد صفحة "Rapefugees.net" من أفظع تلك الصفحات على الإطلاق، إذ يدّعي القائمون عليها أن الشرطة والسياسيين ووسائل الإعلام، يعملون جميعًا معًا لإخفاء الحقيقة، ويستخدمون دبابيس لوضع علامات على الأماكن التي يزعمون أنها شهدت حوادث عنف أو جرائم جنسية من قبل مهاجرين ولاجئين، على خريطة ألمانيا على الإنترنت.

خريطة مواقع الجرائم الجنسية المزعومة
خريطة مواقع الجرائم الجنسية المزعومة

وقد ظهر المصطلح التحريضي "رايبفيوجي" (اللاجئ الذي يرتكب جريمة الاغتصاب) بشكل متزايد على الصفحات الإلكترونية التابعة لليمن المتطرف، منذ أحداث ليلة رأس السنة عام 2015 في كولونيا. وظهرت أيضًا ملابس تحمل عبارة "غير مُرحب بالرايبفيوجيز - Rapefugees not welcome"، من وقت لآخر في مظاهرات بمدينة دريسدن من قبل حركة تعرف اختصارًا باسم "بيغيدا"، وهي مجموعة مناهضة للهجرة، يعني اسمها المختصر "وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب".

ويكفي قضاء بعض الوقت تلك الصفحات لإثارة الخوف والارتياب داخل أي شخص، لأنها ببساطة تجعل من ألمانيا -وهي دولة يُشهد لها بأمنها- دولةً مُخيفة. 

وعند إلقاء نظرة فاحصة على خريطة أحداث العنف الجنسي المزعومة، تكتشف أنها تضمنت أيضًا الجرائم التي ارتكبها مهاجرون آخرون، وليس فقط لاجئون أو طالبي لجوء. ويدعي القائمون على موقع "Rapefugees.net" أن بياناتهم تستند إلى مصادر موثوقة، بما في ذلك تقارير الشرطة والصحف. 

كل شيء يبدو للوهلة الأولى حقيقيًا. وينشر كُتّاب مجهولون قصصًا تبدأ بعناوين مثل "اغتصاب جماعي: امرأة مسنة طريحة الفراش تدخل المستشفى بعد تعرضها للاغتصاب من قِبل المهاجرين"، أو عناوين مثل: "اغتصاب جماعي: كيف قضى مسؤولو العدل بمنع صحيفة محلية من نشر هذه الصور". وتمتلئ تفاصيل كل قصة بنفس الوصف، وهو أن حالات الاغتصاب مثل تلك التي حدثت في مدينة بوخوم وفرايبورغ وبون، ليست مجرد حالات فردية استثنائية، وأن اللاجئين، الذين يعتبر معظمهم من المسلمين، يمثلون تهديدًا حقيقيًا على النساء!

بدورنا بحثنا في صحة تلك الحوادث المزعومة على الخريطة المذكورة. وللتمكن من تكوين نظرة عامة أكثر شمولًا، اختار المراسلون 10 ولايات ألمانية، كبيرة وصغيرة، من بينها برلين وبريمن وهامبورغ، والولايات الألمانية الغربية بافاريا، وشمال الراين وستفاليا، وراينلند بالاتينات، وسارلاند وشلسفيغ هولشتاين، والولايات الشرقية مكلنبورغ فوربومرن وساكسونيا أنهالت. 

وفي كل من هذه الولايات، بحث المراسلون جميع الحوادث المزعومة التي أُبلغ عنها في عام 2016. وفي كثير من الحالات، كانت نتائج التحقيقات التي أجراها القضاء والشرطة، مُتاحة في تلك الفترة. 

ووصل مجموع عدد الحالات على الخريطة إلى 445 حالة، عدد منها كان يحيل لروابط لا تعمل، أو صفحات لا تحتوي على أية معلومات عن الجريمة المزعومة. وفي بعض الحالات، لم يسمع أي من المدعين العامين أو الشرطة عن الجريمة المزعومة. واستُبعد ما يقرب من ثلث عدد هذه العلامات على الخريطة، قبل التعمق في البحث.

مغالاة في المبالغة؟

بقية التقارير، كما هو الحال في معظم الأكاذيب المتقنة، بها قدر قليل من الحقيقة. في حوالي ثلث القضايا التي حققنا فيها (حوالي 100 منها) يكون المتهم لاجئًا، وفي الثلث الآخر مجهولًا، أما بقية القضايا فالمتهمون فيها أجانب بأوضاع إقامة غير محددة، أو مواطنين في الاتحاد الأوروبي، أو ألمانيين. لكن الموقع المهيّج للمشاهر، يخلق انطباعًا بأن جميع جرائم الجنس، والبالغ عددها 455، مرتكبوها من اللاجئين!

كثيرًا ما يكون توصيف الجرائم التي يقدمها الموقع خاطئة. فمثلًا يصنف الموقع 209 من الـ291 قضية التي جرت مراجعتها، بأنها قضايا اغتصاب. لكن بالنظر في هذه الادعاءات، وُجد أن الاغتصاب ليس محتملًا إلا في 59 قضية فقط. ورغم أنه لا يجب التقليل من خطورتها، إلا أن العديد من هذه القضايا قيد النظر، كانت حوادث تحرش واعتداء جنسي أقل حدة. 

وفي 47 حالة، قررت السلطات أن الحادثة لم تستوف المعايير التي ترجها في خانة الأعمال الإجرامية. بعبارة أخرى، يبدو أن هذه الخريطة تحوي مبالغة شديدة، على الأقل إذا قورنت بالنتائج التي توصل إليها المسؤولون في الشرطة والجهات القضائية.

كان 26 شخصًا من المعتدين أو المشتبه بهم في قضايا الاغتصاب التي حُقق فيها من اللاجئين. كل قضية من هذه القضايا المرتكبة بالطبع هي قضية زائدة، لكن الرقم النهائي منخفض مقارنة بما تشير إليه الخريطة.

وأدين 18 لاجئًا بالاغتصاب، وحكمت المحاكم على 51 لاجئًا، أو أيدت الأحكام عليهم بتهم الاعتداء الجنسي في أكثر من نصف الحالات، فيما أدين 18 أجنبيًا آخرين ممن ليسوا من اللاجئين، لكن أوضاع إقامتهم معلقة، من بينهم أتراك وأفغان والعديد من الصرب وأذربيجاني وسائح أوكراني اعتدى جنسيًا على امرأة ثملة في مهرجان تشرين الأول/أكتوبر في ميونخ. ستة من المدانين من مواطني الاتحاد الأوروبي، وثمانية منهم ألمان، من بينهم رجل يبلغ من العمر 46 عامًا، هاجم امرأة ضريرة في بلدة بافارية من الخلف، في شارع مفتوح، واعتدى عليها جنسيًا.

وبنظرة أدق على الجرائم المرتكبة من قبل اللاجئين، نتبين أن معظمها ارتكب في مخيمات اللاجئين نفسها، وفي معظم الحالات كان الضحايا لاجئين ولاجئات آخرين. في آب/أغسطس 2016 على سبيل المثال، أغرى شاب إريتري طفلة إريترية تبلغ من العمر ستة أعوام، بالدخول إلى غرفته في مخيم هامبورغ، ثم اعتدى عليها جنسيًا. واعتقلت الشرطة الشاب.

عدد كبير من جرائم الاغتصاب التي تدعيها المواقع اليمينية في ألمانيا، لم تحدث أصلًا، أو صنفت تصنيفًا خطأ، أو لم يرتكبها لاجئون

وتبين أن 24 حالة من التي تم وضعها على موقع "Rapefugees.net" هي ادعاءات كاذبة من الأساس. من بينها قضية الاغتصاب في روستوك المفبركة على الأرجح، ولكنها مع ذلك مدرجة في الخريطة. وقضية الفتاة البالغة من العمر 15 عامًا من مدينة مونشنغلادباخ، التي ادعت في كانون الثاني/يناير 2016، أنها تعرضت للاغتصاب بالقرب من محطة القطار المركزية في المدينة. 

وزعمت الفتاة أن المهاجم كان ذي وجه داكن و يتحدث بلكنة أجنبية. ردًا على ذلك، شكل السكان المحليين مجموعاتهم الانتقامية الخاصة. بعدها بأسبوع أعلنت الشرطة أن الجريمة لم تحدث بالطريقة التي وصفتها الفتاة المراهقة. كان المعتدي المزعوم شخصًا تعرفه، قال إن كل شيء تم بينهما كان بموافقة الطرفين. وفتح المدعي العام تحقيقًا ضد الفتاة ذات 15 عامًا لاختلاقها للجريمة، لكنه أسقط التهم عنها فيما بعد.

يتبع..

اقرأ/ي أيضًا:

"مواطنو الرايخ الألماني".. ألمانيون يرفضون الاعتراف بانتهاء ألمانيا النازية

قانون ألماني جديد ضد الكراهية.. والفاشية تحارب من أجل "الحق" في العنصرية!