"ما بعد النطرية" لتيري إيغلتون.. صورة شاملة لاتجاهات ما بعد الحداثة
16 أكتوبر 2025
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "ما بعد النظرية" After Theory ضمن سلسلة ترجمان، من تأليف تيري إيغلتون وترجمة ثائر ديب، ويقع في 272 صفحة، شاملًا ملاحظة تمهيدية وثمانية فصول وتذييلًا، إضافة إلى ثبت مصطلحات ومراجع وفهرس عام.
النظرية بين الصعود والأفول
يستعرض كتاب ما بعد النظرية صعودَ "النظرية" وتراجعها مع البنيوية وما بعدها والدراسات الثقافية وسائر اتجاهات ما بعد الحداثة، رابطًا ذلك بخلفيات اقتصادية واجتماعية وتاريخية. ويناقش إيجابيات النظرية وسلبياتها، ويتناول قضايا محورية مثل الحقيقة، والفضيلة، والموضوعية، والأخلاق، والأصولية، والموت، والشر، والعدم. ويتوجَّه إلى الطلاب والقرّاء المهتمين بالنظرية الثقافية، مع إمكانية إفادة المتخصصين أيضًا، ويسعى لنقد الأرثوذكسية السائدة في هذا الحقل، معتبرًا أنّها عاجزة عن طرح الأسئلة العميقة الكفيلة بمواجهة تحديات الواقع السياسي الراهن، ويحاول تقديم رؤية لمعالجة هذا النقص.
الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر: خطاب الغطرسة والأوهام
يُظهِر هذا الكتاب أنّه قد انتشرت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، في الولايات المتحدة الأميركية، مصطلحات شعاراتية مثل "الشر" و"حب الحرية" و"الوطني"، وأنها تُستعمل بديلًا من التفكير والتحليل، وتختزل الواقع في ردّات فعل أخلاقوية سطحية. فالنظرية، بوصفها جهدًا لفهم ما يحصل فعلًا، أُقصيت باعتبارها ترفًا تثقيفيًّا أو تواطؤًا مع "العدو". ويرى المؤلف أن هذا الانحدار يمنع التفكير العميق الضروري لفهم العالم وموقع الولايات المتحدة فيه، ويقودها إلى الغطرسة والتدخلات العسكرية والاقتصادية باسم الحرية وحقوق الإنسان، في حين أنها تدعم الدكتاتوريات وتمارس القمع.
ويشير الكتاب إلى أن قادة الولايات المتحدة يعيشون بطريقة متغطرسة، عاجزين عن الاعتراف بضعفهم؛ وذلك في وقت يتعاملون فيه مع "الحلفاء" بوصفهم أدوات للقتل وإعادة الإعمار والترهيب والابتزاز، ويستنزفون العالم المُفقَّر بممارسات اقتصادية غير عادلة. ومع أنّ مأساة أحداث 11 سبتمبر دفعت بعض الأميركيين إلى التساؤل عن سبب كراهية الآخرين لهم، فإنّ السياسات المتغطرسة ما زالت قائمة؛ من انتخاب رئيسٍ بالاحتيال إلى دعم الدكتاتوريات وتعذيب المعتقلين في معتقلات (غوانتانامو مثلًا).
يُظهِر هذا الكتاب أنّه قد انتشرت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، في الولايات المتحدة الأميركية، مصطلحات شعاراتية مثل "الشر" و"حب الحرية" و"الوطني"، وأنها تُستعمل بديلًا من التفكير والتحليل، وتختزل الواقع في ردّات فعل أخلاقوية سطحية
ينتقد المؤلف تواطؤ الحلفاء أيضًا، خصوصًا بريطانيا، ونفاق الإعلام الأميركي الخاضع لرأس المال، في حين يزداد النظام السياسي ضيقًا بالنقد. ويرى أن الولايات المتحدة أسيرة نقض ذاتي يهددها بالانهيار ويجعلها عدوًّا للحضارة في سعيها لحمايتها؛ إذ يضعفها رفضها الاعتراف بالواقع والإخفاق. ومع ذلك، يشيد بملايين الأميركيين المتمسكين بالقيم الإنسانية، والاستقلال، والحرية الحقيقية، ويُهدي إليهم كتابه باعتبارهم الأمل في مواجهة غطرسة السلطة.
يُشار إلى أنّ تيري إيغلتون هو مفكّر ومنظِّر وناقد أدبي وأكاديمي بريطاني ماركسي بارز. نشر عشرات الكتب، من أبرزها: نظرية الأدب: مدخل (1983)؛ أوهام ما بعد الحداثة (1996)؛ فكرة الثقافة (2000)؛ العنف العذب: فكرة المأساوي (2002)؛ لماذا كان ماركس على حقّ؟ (2011).
أما المترجم ثائر ديب فهو مؤلف ومترجم سوري. ترجم إلى العربية عددًا كثيرًا من الكتب، منها: نشوء الرواية (لإيان واط)؛ الجماعات المتخيّلة (لبندكت أندرسن)؛ تأمّلات في المنفى (لإدوارد سعيد)؛ فكرة الثقافة (لتيري إيغلتون)؛ أوهام ما بعد الحداثة (لتيري إيغلتون)؛ عنصريات: من الحملات الصليبية إلى القرن العشرين (لفرنسيسكو بيتنكور).