23-أكتوبر-2015

مركز تصويت في الجيزة (أ.ف.ب)

شهدت مصر المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية وسط عزوف الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم لتعود نسبة المشاركة والأجواء المصاحبة لها إلى ما قبل ثورة 25 يناير، على الرغم من التعبئة الإعلامية والمؤسساتية ودعوة عبد الفتاح السيسي نفسه الناخبين إلى ضرورة المشاركة، ووصف الانتخابات بأنها "أهم" انتخابات برلمانية في تاريخ مصر، ومع بداية اليوم الأول للعملية الانتخابية صرح رئيس نادي القضاة "سافرنا وسهرنا وفي الأخر غاب الناخبون"، ليهاجم إعلاميو السلطة وأبواقها الشعب بسبب ضعف المشاركة، ليصدر رئيس جامعة الأزهر بيانا يحذر فيه من التقاعس أو التخاذل في الإدلاء بالصوت، ثم الحديث بعد ذلك بتهديد المواطنين عن طريق فرض الغرامة على كل من لم يذهب للتصويت، فرغم كل ذلك لم يستجب الشارع لهم وترك اللجان الانتخابية خاوية.

النضالات التاريخية الكبرى تحتاج إلى عمل تراكمي ولا تحسم من أول جولة

ضعف المشاركة كان نتيجة لدعوات المقاطعة التي عمل على تفعيلها عدد من القوى السياسية والفئات المجتمعية كخيار رئيسي لمناهضة السلطة الحالية، إلى جانب اقتناع كثير من المواطنين بعدم وجود جو عام يبشر بالنزاهة والشفافية وأن البرلمان القادم سيكون مجرد مؤسسة تمثيلية خاضعة في يد السلطة الحاكمة.

اقرأ/ي أيضًا: هل شاركت في العُرس الديمقراطي اليوم؟

فالمقاطعة لم تضع السيسي وحده في مأزق، بل كشفت عدم وجود أدنى شعبية لدى المستترين خلف ما يعرف بشعبية السيسي، فكانوا يتحدثون عبر وسائل الإعلام كقيادات شعبية تستطيع حشد وتحريك الملايين وتناسو أنهم مجرد ظواهر صوتية وبعضهم أعضاء بتنظيمات "كرتونية" ليست لديهم قواعد شعبية ولا يستطيعون خوض معارك جماهيرية.

عند الحديث عن العملية الانتخابية يجب ذكر أن مصر تعرف ثلاثة أنواع من ماكينات الحشد الانتخابي، الأولى لجماعة الإخوان التي تغيبت عن المشاركة منذ أحداث 30 يونيو وكانت أهم وأبرز داعمي المقاطعة، والثانية للحزب الوطني المنحل وثبت أنها تجيد فقط تزوير الأصوات الانتخابية واستخدام الأساليب غير المشروعة في الحصول على أكبر عدد من الأصوات، ولا تستطيع المشاركة بمنافسة نزيهة، وتستطيع العمل فقط في ظل عزوف الناخبين ومقاطعتهم، والثالثة لمؤسسة الكنيسة كداعم مستمر وأساسي للسلطة الحاكمة.

مع انتشار المال السياسي في المرحلة الأولى إلا أن المرشحين كانوا لا يمتلكون القدرة على إقناع المواطنين بالتصويت لهم، فحركة المقاطعة كانت أكبر من إمكانياتهم، اتضحت أيضا قدرات ومستوى حزب النور السلفي الذي كان يتم التضخيم من شعبيته، ليظهر كتنظيم متواضع الإمكانيات وليس له تأثير في الشارع السياسي.

مرحلة ما بعد المقاطعة ذات أهمية خاصة فيجب استغلالها جيدا في تعزيز النضال السياسي الشامل ضد السلطة الحاكمة، ومعرفة أن النضالات التاريخية الكبرى تحتاج إلى عمل تراكمي ولا تحسم من أول جولة، ويتم خلالها عقد تحالفات مرحلية يتم التوافق خلالها على برنامج توافقي يدعم الديمقراطية والتشاركية ويكرس للدولة المدنية الحديثة، وهنا أتذكر ما كتبه الزعيم الثوري الصيني ماو تسي تونغ "عندما تحدث تبدلات في الوضع الثوري ينبغي أن تقابلها تبدلات في التكتيك الثوري وفي أساليب القيادة".

من الضروري أيضا عدم حصر التحرك من أجل الحريات فقط، خصوصا أن العدالة الاجتماعية من الشعارات الرئيسية لثورة 25 يناير، لكن يجب الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية لعموم الشعب في ظل السلطة الحالية التي ليس لديها شيء من الكفاءة لقيادة الإصلاح الاقتصادي.

يشرح الكاتب الماركسي بول داماتو أن كل التغيرات الاجتماعية الكبرى وسقوط أي طاغية مكروه، كلها أمور كانت نتيجة تحركات جماهيرية ضخمة، لذلك على جميع القوى الثورية التلاحم مع الشارع من جديد وتوعية المواطنين وطرح خطاب سياسي يتناسب مع حالة الجذر الثوري وأن تفهم كيفية الاستفادة من الظرف الراهن في تعبئة الجماهير وقياداتها من خلال إرادة سياسية واعية وحازمة تجعلها قادرة على إدارة الصراع السياسي في طريق استمرارية الثورة.

اقرأ/ي أيضًا: كل انتخابات والإعلام المصري "بخير"!