01-مايو-2019

يمهد إطلاق سراح الأسرى السوريين من السجون الإسرائيلية لصفقات عديدة بين النظام السوري وتل أبيب (أ.ب)

الترا صوت – فريق التحرير

أثار إطلاق سراح الاحتلال الإسرائيلي لأسيرين سوريين، في خطوة بدت وكأنها تتمة لصفقة تسليم رفات الجندي الإسرائيلي التي أجريت مؤخرًا بين النظام السوري وتل أبيب بوساطة روسية، موجة من الانتقادات داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية، وأكد على لعب موسكو دورًا محوريًا في مجمل تفاصيل الملف السوري، ومساهمتها ربما في نجاح حزب الليكود بزعامة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بعد أن كانت استطلاعات الرأي تشير لتراجع شعبيته.

أكد إطلاق سراح إسرائيل لأسيرين سوريين على لعب موسكو دورًا محوريًا في مجمل تفاصيل الملف السوري، ومساهمتها ربما في نجاح حزب الليكود في الانتخابات الإسرائيلية

تل أبيب ترد على النظام السوري بـ"بادرة حسن نية"

يوم الأحد الفائت أطلقت إسرائيل سراح الأسيرين السوريين المحتجزين لديها في خطوةٍ وصفها مسؤول إسرائيلي بأنها "بادرة حسن نية"، بعدما كانت روسيا سلمت إسرائيل مطلع الشهر الجاري رفات الجندي الإسرائيلي زخاري باومل الذي قتل في معركة السلطان يعقوب خلال حرب لبنان الأولى قبل نحو 37 عامًا، إذ تم العثور على رفات باومل في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق.

اقرأ/ي أيضًا: ليبرمان: سكان "شمال إسرائيل" سيشعرون بالأمان بعد عودة الأسد إلى الحدود

وجاء إطلاق سراح الأسيرين السوريين من السجون الإسرائيلية بوساطة روسية في إطار صفقة تبادل بين النظام السوري وتل أبيب اتضحت معالمها خلال الأيام الماضية، وفقًا لتصريحات المبعوث الروسي الخاص بسوريا ألكسندر لافرينتييف الذي شدد على أن الصفقة ليست "أحادية الجانب"، مشيرًا إلى أن تجاوب النظام السوري "صحيح وفي مكانه".

وكان وزير الإعلام في حكومة النظام السوري عماد سارة قد نفى في وقت سابق أن يكون لدى دمشق أي "علم بوجود رفات لأي جندي إسرائيلي في أي مكان في سوريا"، بعدما تداولت وسائل الإعلام خبر تسلّم تل أبيب رفات باومل، لكن وزارة الدفاع الروسية أكدت توصلها لاتفاق مع تل أبيب مرتبط بالبحث عن رفات جنود إسرائيليين بالاشتراك مع النظام السوري على المستوى العملياتي.

وتضاربت الأنباء منتصف الشهر الجاري فيما يخص صفقة أخرى على ما يبدو، بعدما قالت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية إن رفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في طريقها إلى إسرائيل، لكن الصحيفة نفسها نفت الخبر بعد أسبوع من نشره، وتساءلت عن السبب الذي جعل الحكومة الإسرائيلية تتأخر في نفيه أو تأكيده، فيما انتقدت موسكو التقارير العبرية التي تداولت الخبر، وطالبت الجانب الإسرائيلي بالتزام "المهنية" في مثل هذه "القضايا الحساسة".

من هما الأسيران اللذان شملتهما الصفقة؟

وكان مصدر في النظام السوري قال إن اثنين أو أكثر من الأسرى السوريين سيتم إطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية بوساطة روسية، رغم أن الجانبين نأيا بنفسيهما عن ذكر ما إذا كانت الخطوة ضمن اتفاق مبادلة تم التوصل إليه عبر التفاوض، وفيما بعد عرف أن الأسيربن اللذين أطلق سراحهما هما أحمد خميس وزيدان الطويل، وورد ضمن الصفقة اسم الأسير صدقي المقت من قرية مجدل شمس المحتلة، المحكوم بالسجن 11 عامًا بتهمة التجسس لصالح النظام السوري، لكنه لم يكن ضمن الأسماء المفرج عنها.

أما بالنسبة للأسيرين اللذين شملتهما الصفقة، فإن خميس (35 عامًا) من سكان مخيم اليرموك، وعضو في حركة فتح، ألقي القبض عليه عام 2005 أثناء محاولته تنفيذ هجوم على قاعدة عسكرية إسرائيلية في هضبة الجولان المحتل، وبحسب الصحافة العبرية فإن خميس الذي تلقى تدريبات عسكرية في مخيمي اليرموك في سوريا، وعين الحلوة في لبنان حكم عليه بالسجن لـ18 عامًا، ورفضت إسرائيل طلب خميس السماح له بالذهاب إلى مدينة الخليل حيث تقيم زوجته التي تعرف عليها عندما قدمت مع أحد أقاربه لزيارته في السجن.

في حين أن الطويل (58 عامًا) المنحدر من قرية حضر التي تقع في المنطقة العازلة في هضبة الجولان المحتل، ألقي القبض عليه عام 2008 أثناء محاولته تهريب كمية من المخدرات إلى داخل إسرائيل، وبحسب صحيفة هآرتس العبرية، فقد كان بحوزة الطويل عندما ألقي القبض عليه 13.5 كغم من مادة الهيروين، وواحد كغ من الكوكايين كان سيتقاضى مقابل تسليمها 20 ألف دولار، مشيرًة إلى أن النظام السوري اتهم الطويل سابقًا بالتجسس لصالح إسرائيل.

صفقة سرية ساعدت الليكود على الفوز بالانتخابات

  كان واضحًا من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أن عملية تسلّم النظام السوري للأسيرين تضمنها خرق للقوانين الإسرائيلية، بعد أن تم توقيع قرار إطلاق سراحهما بالتنسيق بين مكتب المستشار القضائي للحكومة أفيخاي مندلبليت، الذي أيد الخطوة، ووزارة القضاء ومكتب الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الذي وقع قرار عفو دون الحصول على موافقة الحكومة أو اجتماع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، ما يشير إلى أن قرار إطلاق سراحهما يأتي في إطار صفقات أخرى لا تزال طي الكتمان.

فقد أثارت الخطوة التي تصفها تقارير  بـصفقة التبادل، ويرفض الطرفان التأكيد على أنها صفقة، موجة من الانتقادات داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية التي اعتبرت عملية إطلاق سراح الأسيرين غير قانونية لأنها تمت دون موافقتها، فقد أقرت تل أبيب مجموعة من القوانين بعد عملية التبادل التي أجرتها عام 2011 مع حركة حماس ضمن صفقة تضمنت الإفراج عن 1027 أسيرة وأسيرًا فلسطينيًا، مقابل الجندي جلعاد شاليط الذي كان أسيرًا في قطاع غزة المحاصر لمدة خمسة سنوات.

ووجهت عوائل الجنود الإسرائيليين حينها انتقادات للحكومة الإسرائيلية بسبب موافقتها الإفراج عن 500 أسير فلسطيني من ذوي الأحكام بالمؤبد والأحكام العالية، قامت على إثرها بإصدار قانون يمنح عوائل الجنود الإسرائيليين المقتولين 48 ساعة للاعتراض على صفقات التبادل التي تجريها، ودعا المسؤولون الإسرائيليون للالتزام بتوصيات لجنة شمغار التي وضعت خطوط أساس متشددة تكون مقيدة بشكل كبير لحرية الحكومات الإسرائيلية في مفاوضات صفقات تبادل الأسرى المحتملة، حتى لا يتم استغلال الصفقات من قبل المسؤولين الإسرائيليين. وهو ما يؤكد على طبيعة الصفقة المبرمة لأن الأسيرين المطلق سراحهما لم ينفذا أي هجوم مسلح ضد مواقع عسكرية إسرائيلية.

الصحفي أموس هاريل اعتبر في مقال نشره في صحيفة هآرتس العبرية أن وراء الصفقة المبرمة يقف تفسيران، فإما أن يكون نتنياهو قد وافق على الصفقة خلال لقائه مع الرئيس الروسي في موسكو مطلع الشهر الجاري وطلب أن تبقى سرية لفترة زمنية محددة، أو أنها جاءت نتيجة الضغط الذي مارسه النظام السوري على موسكو بعد تسليم رفات باومل لتل أبيب، مشيرًا إلى أنه من السذاجة أن تتجاهل تل أبيب فكرة أن بوتين لن يطلب شيئًا عاجلًا أم آجلًا.

ولا بد من الإشارة هنا للمكاسب السياسية التي حققها نتنياهو قبل أسبوعين من صفقة التبادل بالتزامن مع الانتخابات الإسرائيلية، فقد أشارت استطلاعات للرأي أن شعبية نتنياهو تراجعت بسبب تهم الفساد ضده، ما جعله ينتظر انتهاء الانتخابات التي حقق فيها حزب الليكود الذي يتزعمه الصدارة بـ36 مقعدًا، حتى يتمم الجزء الثاني من الصفقة، واعتبر هاريل في مقاله أن نتنياهو قد أبرم صفقة سرية مع بوتين مرتبطة بإعادة رفات الجندي لتل أبيب مقابل إطلاق سراح الأسيرين بعد فترة زمنية من إعلان النتائج النهائية للانتخابات.

اقرأ/ي أيضًا: صفر مشاكل نتنياهو مع بشار الأسد.. الجولان جبهة "حميمة"

ويبدو أن الأمر عينه ينطبق على الحديث المثار حول إعادة رفات كوهين لتل أبيب خلال الفترة القادمة، ووفقًا لصحيفة العربي الجديد فإنه من غير المستبعد أن يتم تحديد توقيت الكشف عن إعادة رفات كوهين قبل موعد بدء جلسات الاستماع لنتنياهو أمام المستشار القضائي مندلبليت، التي تتضمن اتخاذ قراره النهائي بتوجيه لوائح الاتهام في قضايا الفساد ضده.

إن خطوة إطلاق سراح الأسيرين السوريين تبدو مقدمة لصفقات أخرى بموجب ما تناقلته الصحافة العبرية أولًا، ومحاولة من نتنياهو لزيادة سلطته داخل الحكومة من خلال تجاوزه موافقتها على صفقة التبادل

لذا، فإن خطوة إطلاق سراح الأسيرين السوريين تبدو مقدمة لصفقات أخرى بموجب ما تناقلته الصحافة العبرية أولًا، ومحاولة من نتنياهو لزيادة سلطته داخل الحكومة من خلال تجاوزه موافقتها على صفقة التبادل، وتؤكد على تنامي نفوذ موسكو في المنطقة من خلال مقاربتها بين النظام السوري وتل أبيب في إطار ما يعرف بصفقة القرن بعد فشل واشنطن في إنجاز هذه المعادلة التي توقفت عام 2011 عقب اندلاع الأزمة السورية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

تقدير موقف: استراتيجية إدارة ترامب نحو إيران والتصعيد المحسوب

البوصلة نحو موسكو.. هكذا أصبح بوتين الزعيم الجديد للشرق الأوسط