06-أكتوبر-2019

وقفة احتجاجية على اعتقال هاجر الريسوني والاتهامات الموجهة إليها (أ.ف.ب)

ما فتئت قضية الصحفية هاجر الريسوني تشغل الرأي العام المغربي، ولقرابة شهرين وحتى بعد نطق القضاء بأحكام الإدانة في حق متهميها، عشية الإثنين 30 أيلول/سبتمبر 2019. ولم يخمد السجال الذي تفتقت عنه، واعدًا بهزة قد يرصد أثرها مستقبلًا.

ما فتئت قضية الصحفية هاجر الريسوني تشغل الرأي العام المغربي، ولقرابة شهرين، فاتحة المجال أمام جدل الحريات الفردية

ومع التفاعل تجدد الجدل حول "الحريات الفردية" وحدودها في المجتمع المغربي؛ جدل كشف عن تباين في نسيج المجتمع. من هنا، ننطلق في جولة عبر السجالات المتعددة والمختلفة في القضية التي تفتقت عن قضية الصحفية هاجر الريسومي. 

اقرأ/ي أيضًا: "الحرية في المغرب نكتة".. تضامن محلي ودولي مع الصحفية هاجر الريسوني

عودة إلى "الخروج عن القانون"

مع بداية أول مراحل محاكمة الريسوني، وفيما كانت تأخذ القضية منحاها القضائي، أعلنت فعاليات مدنية مواكبة هذا المسار بمسار آخر احتجاجي.

وهكذا كانت المنظمات النسوية أول من انخرط في تلك الاحتجاجات، معلنة أن "تطور طبيعة العلاقات الإنسانية داخل المجتمع المغربي، وتحولاتها، يجعلها الآن غير قابلة للإدارة بواسطة الآراء المحافظة والفتاوى، كما لا يمكن المساس بها والتضييق على الحريات الفردية للمواطن"، حسب ما جاء به بيان فدرالية رابطة حقوق النساء.

وفي مقابل ما تأسس عليه البيان من منطلق حقوقي، ثمة واقع اجتماعي موسومٌ بانتقال جنساني وثنائية خطاب اجتماعي: الرفض العلني، والانخراط السري أو القبول في هيئة النكات والأمثال والحكايات الشعبية، كما توضح الباحثة في علم الاجتماع سناء العاجي في حديث لـ"الترا صوت". 

ومن جهة أخر، يمكن الاستدلال على الثنائية المتناقضة في الخطاب الاجتماعي، بما تكشفه التقارير عن أرقام عمليات الإجهاض السري، والتي تتراوح ما بين 600 إلى 800 عملية في اليوم.

هذا الوضع الملتبس يقابله تأخرٌ في تصرف المشرع لمواجهة هذا الواقع، ما دفع بفعاليات حقوقية لإطلاق حملة "خارجون عن القانون"، عبر بيان تفاعل معه أكثر من ثمانية آلاف شخص.

استجابة برلمانية

استجابة لهذه الأصوات المتصاعدة، تعهد عمر بلافريج، النائب البرلماني عن فدرالية اليسار، بنقلها إلى البرلمان في إطار مقترحين لتعديل القانون الجنائي: أولهما رفع التجريم عن العلاقات الجنسية الرضائية، وثانيهما تشديد العقوبات على جرائم انتهاك جسد القاصرين، مشددًا على موقفه بأن "الدولة ليس من دورها أن تتدخل في علاقات رضائية بين راشدين في الأماكن الخصوصية".

هذا الموقف لم يرق للكثير من المحافظين، فانهالت على البرلماني موجة تشهيرٍ وتحريض، بلغت حدّ التكفير وإهدار الدم في بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.

فيما علّق السلفي المغربي حسن الكتاني، بأن ما قاله بلافريج "دعوة للشذوذ ونشر الفساد في الأرض". وقال حماد القباج، وهو سلفي مغربي آخر، أن على "المجلس العلمي الأعلى أداء واجبه وإصدار بيان استنكاري" حول ما نعته بـ"التوجهات الإباحية".

وفي تفاعل آخر، استنكر عضوان من المجلس العلمي الأعلى، دعوات بلافريج، أحدهما رئيسه بمدينة وجدة هو مصطفى بنحمزة، والذي قال:"لا يحق للمسلم أن يتصرف في جسده كما يشاء، هذا فيما يخص المسلمين، أما من قطع للجهة أخرى واختار طريقا آخر فليقل ما يشاء".

فيما اعتبر العضو الآخر، الحسين آيت سعيد، أن "البلد مستهدف ومن شأن العقلاء أن يتداركوا الأمر قبل استفحاله وفواته كما قال تعالى حاكيا عن نبي الله لوط: "أليس منكم رجل رشيد".

في المقابل، ردّ العديد من المغاربة هذه الهجومات التي استهدفت بلافريج، مطلقين حملة تضامن. كما نشرت الأمانة العامة لتحلف فدرالية اليسار، بلاغًا تعلن فيه دعمها لنائبها البرلماني، داعية مناضليها إلى "‎مواجهة كل المحاولات الدنيئة التي تستهدف أطر الفيدرالية وتنظيماتها سواء على المستوى المحلي أو الوطني".

في ملعب الأحزاب السياسية

كذلك دخل رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، على خط نقاش الحريات الفردية المتصاعد، بقوله إن "هناك من يستغل كل فرصة لاستهداف الثوابت الدينية". 

وأضاف العثماني في خطاب له على هامش لقاء جماهيري لحزب العدالة والتنمية الحاكم، أن حزبه "يمكن وسعًا في الاجتهاد انطلاقًا من ثوابت الدين"، مشددًا على أن المغاربة "مسلمين تاريخيًا ومبدئيًا ودستوريًا ولا يمكن تغيير ثوابتهم، إن التشبث بهذه الثوابت جزء من النضال اليومي المستمر بأدوات مدنية وسياسية".

وفي حين بدا تصريح العثماني متوافقًا مع خلفيته الأيديولوجية، بدا غير معبّرٍ عن التحالف الحاكم، إذ تجمع الحكومة المغربية أحزاب سياسية مختلفة: إسلامية ووطنية ويسارية. 

وعلى هذا وجه منصف بلخياط، الوزير المغربي السابق وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، أحد مكونات الأغلبية الحكومية، نقدًا لحزب العدالة والتنمية، قائلًا: "حزب العدالة والتنمية، وطوال سنوات حكمه الـ10، بلغ حد قدرته على إدارة الشأن الاجتماعي بالمغرب، ولم يعد قادرًا على الاستمرار"، معبرًا عن حزنه من الكيفية التي أديرت بها قضية هاجر الريسوني، مستنكرًا الأحكام التي أدينت بها الصحفية.

أما من موقع المعارضة فعبرت نبيلة منيب، الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، عن تضامنها مع النائب بلافريج في وجه ما أسمته "أصوات الظلامية ورموز الرجعية ومعاقل المحافظة، التي تستهدف مصادرة حقه في المبادرة والتعبير عن الرأي والجهر به".

كما دعا بيان حزبها إلى أن "تتحمل الدولة مسؤولياتها بالتفاعل المطلوب مع الاحتجاجات، عبر التجاوب مع المطالب المشروعة للمحتجين ونهج الاختيارات الفعالة، التي من شأنها أن تزيل أسباب الاحتقان".

دخل رئيس الحكومة المغربي على خط نقاش الحريات الفردية، بما بدا انتقادًا للمطالب بفتح باب الحريات في مسألة العلاقات الجنسية الرضائية

وهكذا يرتسم فصل آخر من فصول المطالب الشعبية، والتي لا تنفصل فيها قضية الحريات الفردية عن باقي قضايا المجتمع المغربي. بل تحتل في اللحظة الحالية، موقعًا حيويًا في خضم اشتباك القوى السياسية المقبلة على دخولٍ تشريعي ما يدفع أكثر لأمل البعض في إمكانية حدوث تغيرات في الحكومة على المدى القريب أو المتوسط.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

"خارجون عن القانون".. صرخة مغربية من أجل تحرير العلاقات الجنسية

800 عملية سرية يوميًا.. الإجهاض في المغرب للواجهة مجددًا