17-أغسطس-2018

لم يعد اليمين البديل في الولايات المتحدة يتمتع بالجاذبية كما كان في السنوات الأخيرة (نيويورك تايمز)

كشف دراسة استطلاعية عن أنّ عدم الاستقرار الأسري، وضعف روابط الزواج، وزيادة معدلات الطلاق، قد تكون أمور لها علاقة بنزوع الأشخاص في الولايات المتحدة نحو التطرف والانتماء لأفكار القوميين البيض. مزيد من التفاصيل عن الدراسة ننقلها لكم بتصرف عن موقع مجلة "الإيكونوميست".


أن تصف مسيرة القوميين البيض التي نُظمت في ساحة لافاييت بواشنطن العاصمة، في 12 آب/أغسطس، بأنها كانت "مخيبة للآمال"، فهذا وصف مُخفف لها، فقد قال منظم المسيرة جيسون كيسلر، لإدارة المتنزهات الوطنية، إنه يتوقع حضور 400 من القوميين البيض للمسيرة. ولكن حضر حوالي بضع وعشرون شخصًا، وكان المتظاهرون المناهضون لهم أكثر منهم. وقد فصلت بينهم قوات الشرطة.

لم يعد اليمين البديل في الولايات المتحدة يتمتع بنفس الجاذبية كما كان من قبل، خاصة وأن السلطة الآن في يد المرشح المفضل لليمين المتطرف

وعاد بعض المتظاهرين المناهضين إلى منازلهم مبكرًا، لأنه "لا يوجد عدد كاف من النازيين الذيم يستحقون المواجهة"، كما أوضح أحدهم لمراسل موقع فوكس الإخباري، جيرمان لوبيز.

اقرأ/ي أيضًا: اليمين البديل في أمريكا.. "هايل ترامب"!

لماذا لم يظهر سوى عدد قليل من القوميين البيض؟ ربما يعزو السبب إلى سوء التنظيم، أو ربما لأن اليمين البديل لم يعد يتمتع بنفس الجاذبية كما كان من قبل. في عامي 2015 و2016، كان يمكن لشاب يتسم بنوعٍ معين من التناقض ومعارض للأوضاع السائدة، أن يُقنع نفسه بأن هناك شيئًا مثيرًا ومُرضٍ حول الثرثرة بشأن النزعات العنصرية المريرة عبر الإنترنت: لقد أزعج ذلك الأمر الليبراليين، والليبراليون هم من يتولون الرئاسة، وهم من يحددون الثقافة العامة.

بيد أنه الآن، أصبح الليبراليون خارج السلطة. ويتولى الرئاسة المرشح المفضل لليمين البديل، أي دونالد ترامب. وكما تعلم أجيال من السياسيين، فإن مرحلة تولى الحكم هي الأصعب، والأقل حدة ومتعة من الصياح وأنت على الخطوط الجانبية في المعارضة.

لعل الأهم من ذلك هو أن خطوة الانتقال من مرحلة الحديث الأجوف على مواقع الإنترنت، إلى مرحلة الوجه المكشوف على أرض الواقع، كان لها عواقب فعلية. إذ فقد بعض المشاركين في مسيرة شارلوتسفيل بولاية فرجينيا العام الماضي، وظائفهم، وتم وصمهم بالعار علانية، في حين واجه آخرون الدعاوى القضائية، كما طردتهم شركات التكنولوجيا وصاروا منبوذين.

انخفض أعداد الفاعلين في أنشطة جماعات اليمين البديل في الولايات المتحدة
انخفضت أعداد الفاعلين في أنشطة جماعات اليمين البديل في الولايات المتحدة

عشية المسيرة، قام جورج هاولي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ألاباما، بالبحث والتنقيب في التركيبة السكانية للقوميين البيض، وعلى وجه الخصوص، في الأطروحة التي قدمتها أنجلا ناجل، وهي مؤلفة كتاب يتناول اليمين البديل، وكانت خلاصة بحثها أنه أدى انخفاض معدلات الزواج بامرأة واحدة، والزواج التقليدي، إلى جعل الرجال ذوي المكانة المتدنية يحاولون إثبات أنفسهم من خلال اعتناق المعتقدات المتعصبة الداعية إلى سيادة العرق الأبيض!

وافترض هولي ثلاثة عوامل تربط بين مناصري الحركات العنصرية، وهي: وجود حس قوي بالهوية البيضاء، والإيمان بأهمية تضامن العرق الأبيض، والشعور بأن العرق الأبيض هم ضحية تتعرض للإيذاء.

وفي عام 2016، أجرى مركز "American National Election Study" المعني باستطلاعات رأي الناخبين الأمريكيين، استطلاعًا للرأي طرح خلاله ثلاثة أسئلة كاشفة على المشاركين، فقد أشار المشاركين على مقياس من خمس نقاط إلى مدى أهمية العرق في هويتهم، ومدى اعتقادهم بضرورة أن "يعمل البيض معًا لتغيير القوانين غير العادلة للبيض"، ومدى التمييز الذي يعتقدون أن البيض يتعرضون له في الولايات المتحدة.

ومن بين ثلاثة آلاف و38 شخص من المشاركين في الاستطلاق من البيض ذوي الأصول غير اللاتينية، يعتقد 28% منهم أن كونهم من ذوي البشرة البيضاء يعد أمرًا "مهمًا" أو "بالغ الأهمية" بالنسبة لهويتهم. بينما عبر ما يقرب من 38% منهم عن "شعور قوي بضرورة التضامن الأبيض"، في حين يعتقد 27% منهم، أن البيض قد عانوا من قدر كبير من التمييز.

فقط 6% يعتقدون أن الأمور الثلاثة مهمة بنفس القدر، بنسب متساوية تقريبًا من المشاركين الذين ليس لديهم أطفال، وأولئك الذين لديهم أطفال والمشاركين المتزوجين، والذين لم يتزوجوا أبدًا، الأمر الذي يبدو أنه يلقي ظلالًا من الشك على الحجج التي عرضتها ناغل في أطروحتها.

دعم الزيجات والتشجيع على عدم الطلاق قد يكون مفيدًا في دفع الأشخاص إلى عدم الانتماء لأفكار القوميين البيض!
دعم الزواج والتشجيع على عدم الطلاق قد يكون مفيدًا في دفع الأشخاص إلى عدم الانتماء لأفكار القوميين البيض!

بيد أن أكثر من 10% من البيض المطلقين من أصول غير لاتينية، وافقوا بشدة على المقترحات الثلاثة، أكثر من ضعفي عدد المشاركين المتزوجين، وغير المتزوجين، ومن لديهم أطفال. إلا أن العلاقة السببية غير واضحة؛ فهل الطلاق يجعل الناس أكثر ميلًا إلى أن يُكنوا مشاعر استياء عنصرية غاضبة، أم أن أولئك الذين لديهم مثل هذه المشاعر يميلون إلى الحصول على الطلاق؟

ثمة فجوات كبيرة في مستوى التعليم والدخل، فقد لوحظ أن أولئك الذين يتمتعون بمستوى أقل من التعليم، وأولئك الذين يتقاضون دخلًا منخفضًا، هم الذين يعتقدون أكثر بالأمور الثلاثة، بالإضافة إلى  الانتماءات الحزبية، بما يقرب من 6% من الجمهوريين، وما يزيد قليلًا عن 4% من الديمقراطيين.

كما ظهرت نسبة أكبر بقليل من النساء ذوات العرق الأبيض عن الرجال، ونسبة أكبر بشكل ملحوظ من الذين يرتادون الكنائس بشكل منتظم أكثر من غيرهم؛ يتعاطفون بشدة مع الهوية البيضاء وضرورة التضامن و يشعرون بالتمييز ضدهم.

تعزيز الزيجات والتشجيع على عدم الطلاق، قد يكون مفيدًا في الحد من التطرف والانتماء لأفكار القوميين البيض!

لكن المجموعة الفرعية الوحيدة من المجموعات السكانية التي تناولها هاولي، والتي تجاوزت 10%، كانت من المطلقين. وهكذا يفترض هاولي أن "التشجيع على حدوث المزيد من الزيجات، لن يكون فعالًا على الأرجح في ردع المشاركة في السياسة الخاصة بالهوية البيضاء، ولكن تعزيز الزيجات والتشجيع على عدم فسخ عقود الزواج، قد يكون مفيدًا". وبالطبع، قد يعني ذلك أيضًا الضغط على بعض الناس للبقاء متزوجين من أشخاص يؤمنون بسيادة العرق الأبيض!

 

اقرأ/ي أيضًا:

خداع "الرجل الأبيض" واختلال النظام.. كيف يحافظ ترامب على شعبيته؟

تنامي الحركات اليمينية مع مجيء ترامب.. راعي التطرف في الولايات المتحدة