09-نوفمبر-2018

أثارت العلاقات التركية السودانية قلق محور السعودية والإمارات (تويتر)

شهدت العلاقات السودانية التركية مؤخرًا تطورًا ملحوظًا في كافة المجالات، بما فيها العسكري، إلا أنها انعكست بصورة سالبة على علاقة السودان مع المملكة العربية السعودية ومصر تحديدًا، إلى درجة بدا فيها وكأن الاقتراب من تركيا يثير حفيظة تلك الدول.

سيطرت حالة من الشكوك والمخاوف على بعض الصحف والمواقع المصرية الموالية للمحور المصري السعودي الإماراتي، بعد زيارة وزير الدفاع التركي للسودان

وقام وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بزيارة إلى السودان منتصف هذا الأسبوع، شملت جزيرة سواكن المُطَلة على البحر الأحمر، والتي منحتها الحكومة السودانية لتركيا بهدف إعادة ترميمها على الطراز العثماني، وهو ما من شأنه أن يثير عاصفة من الجدل مجددًا حول الزيارة وطبيعتها، وإذا ما كان لها علاقة بإنشاء قاعدة عسكرية تركية على البحر الأحمر،وهو ما ظلت تردده الأجهزة الإعلامية الموالية للقاهرة والرياض.

أولوية التعاون العسكري

التقى وزير الدفاع التركي بالرئيس السوداني عمر البشير وسلمه برقية من الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان قبل مغادرة البشير إلى مصر. وقال البشير بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة إن هناك إرادة قوية في السودان وتركيا للتعامل في المجالات كافة لاسيما المجال العسكري، موجهًا وزارة الدفاع بأن يكون التعاون العسكري مع تركيا متقدمًا على كل المحاور. فيما أوضح رئيس الأركان السودانية المشتركة كمال عبدالمعروف أن زيارة وزير الدفاع التركي للبلاد ولقائه رئيس الجمهورية، "تأتي في إطار التعاون الاستراتيجي بين الجيشين السوداني والتركي من خلال الزيارات المتبادلة بين الطرفين".

اقرأ/ي أيضًا: مصر والسودان.. آفاق النزاع الكبير حول كيفية التعامل مع سد النهضة

ووفقًا لكمال عبد المعروف، فإن التعاون العسكري بين السودان وتركيا يمضي في تطور مضطرد، مشيرًا إلى العلاقات التاريخية التي تربط البلدين، ونوه أيضًا إلى أن البشير وجه وزارة الدفاع إلى نقاط محددة ستكون هي بالضبط محور المباحثات العسكرية بين البلدين، دون أن يكشف عنها، كما تم التوقيع في وقت سابق على اتفاق إطاري للتعاون العسكري شمل العديد من المجالات، أهمها التدريب ودورات اللغة ومكافحة الإرهاب ودورات تخص الأمن.

إطلالة على سواكن

لم تقتصر زيارة وزير الدفاع التركي على الخرطوم فقط، وإنما امتدت إلى البحر الأحمر، حيث وقف على الجهود التي تقوم بها مؤسسة التعاون والتنمية التركية (تيكا) في أعمال الصيانة والترميم السياحية في جزيرة سواكن، والتي استخدمتها الدولة العثمانية من قبل مركزًا بحريًا، وإطلالة للتحكم في مناطق نفوذها السابقة. من جهته نفى معتمد سواكن في حديثه لعدد من الصحافيين علمه بأي حديث يتعلق بوجود قاعدة حربية تركية في سواكن، أو أنها تأتي لإيجاد نفوذ عسكري تركي على ساحل البحر الأحمر، غير أنه عاد وأكد وجود منفعة بين الدولتين بما يخدم مصالحهما المشتركة.

في هذا السياق، اهتمت وكالة الأنباء السعودية بزيارة وزير الدفاع التركي الجنرال خلوصي أكار إلى السودان، على غير العادة، واقتطعت الوكالة مساحة لمتابعة الزيارة وتفاصيلها، فيما سيطرت حالة من الشكوك والمخاوف على بعض الصحف والمواقع المصرية الموالية للمحور المصري السعودي الإماراتي، لا سيما وأن مجلس الوزراء السوداني أجاز اتفاقية التعاون والتدريب العسكري قبل وصول الرئيس السيسي إلى السودان، مطلع الأسبوع الماضي، وبدا ذلك كأنه رسالة بأن السودان ماضٍ في علاقته العسكرية مع تركيا رغم الضغوط، وهو ما يفسر في الوقت نفسه فشل محاولات الرئيس عبد الفتاح السيسي مبعوث الوساطة السعودية الإمارتية في قطع الطريق أمام التنسيق العسكري الكامل بين الخرطوم وأنقرة.

الاستفادة من حلف الناتو

وتبديدًا لمخاوف دول بعينها من التقارب السوداني التركي، وصف الخبير العسكري السوداني اللواء يونس محمود ذلك التقارب بأنه خالٍ من الظلال السياسية، وقال محمود لـ"ألترا صوت" إن السوان من حقه أن يسعى إلى تطوير قوته وصناعته العسكرية وتبادل المنافع مع تركيا أو قطر، لاسيما وأن تركيا عضو مهم في حلف الناتو وعلى اضطلاع على آخر ما توصلت إليه التقنية العسكرية، وهو ما سيفيد السودان بالضرورة، ووصف الحديث عن قاعدة عسكرية تركية في البحر الأحمر بالأوهام، قائلًا إن "وزير الدفاع التركي ذهب إلى سواكن بهدف الوقوف على حوض تصنيع وصيانة السفن"، على خلفية الشراكة في هذا المجال بين السودان وتركيا.

اقرأ/ي أيضًا: محاولة جادة وأخيرة للقلق حول مصير البشير!

وبالتالي فإن هذا الحوض وفقًا ليونس محمود يخلق حيوية كبيرة على البحر الأحمر، كما أنه من خلال الوجود الفني لمركز الصناعات "نستطيع توفير منصة بحرية للاطلاع والمراقبة من أجل السيطرة على المياه الإقليمية والمشاركة في تأمين البحر الأحمر"، وذلك درءًا للمخاطر المحيطة من تهريب للبشر والمخدرات وعمليات القراصنة البحرية أو أي مهددات أخرى حسب وصفه. وبالنسبة لمخاوف السعودية ومصر، استغرب محمود من تلك المخاوف، وقال إن السودان "مسؤول عن تحقيق مصالحه، فهو لديه علاقات متوازنة وطبيعية مع عديد الدول ولا يشكل أي تهديدًا لجيرانه" .

خلفت مباحثات عسكرية بين السودان وقطر وتركيا العام الماضي، جفاء سياسيا لا تزال آثاره ممتدة بين المحور السعودي والخرطوم

أصل الخلاف والجفود السياسي

وبالعودة إلى أصل الخلاف بين الخرطوم من جهة والسعودية ومصر والإمارات من جهة آخرى، فهو يعود إلى مباحثات عسكرية بين السودان وقطر وتركيا العام الماضي، في الخرطوم، خلقت جفاء سياسيًا لا تزال آثاره ممتدة، كما أنها أخذت منحى سالبًا عقب زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى السودان في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حين قام إردوغان بزيارة مهمة إلى جزيرة سواكن، وتطورت العلاقة أكثر بعد منح الحكومة السودانية للأتراك تلك الجزيرة بهدف جعلها قِبلة سياحية، بجانب الاستثمار القطري في ميناء سواكن وضخ نحو 4 مليار دولار فيه، بهدف بناء أكبر ميناء في البحر الأحمر، وهو ما أثار مخاوف محور مصر والسعودية وإرتريا معًا.

وقد أجرى السيسي خمس زيارات إلى الخرطوم خلال فترة وجيزة كان آخرها زيارة مُفاجئة فجر الخميس الماضي، من دون معرفة دوافعها وأسبابها، وهي على ما يبدو نفسها الأسباب التي تمت مناقشتها بعيدًا عن الأضواء، رغم أن الإعلام الرسمي اكتفى بالقول إن الزيارة هدفت إلى رئاسة اللجان المشتركة بين البلدين، والاتفاق حول مشروعات الربط الكهربائي والسكة الحديد وتعزيز العلاقات الثنائية. ومع التعتيم الرسمي ثمة ترجيحات إعلامية بأن السيسي طلب من البشير التوسط بين إردوغان والسعودية بخصوص تبعات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشجي، من دون تحديد طبيعة رد إردوغان على ذلك الطلب، على نحوٍ استدعى هبوطًا عاجلًا للسيسي في الخرطوم وللبشير في القاهرة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

امتصاص الصدمات الاقتصادية على الطريقة السودانية

طعن دستوري ضد البشير.. حرب اليمن مرفوضة شعبيًا في السودان