02-سبتمبر-2022
Uyghurs

قبل نهاية ولايتها بدقائق، صرحت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ميشيل باشليت، وقالت "ترتكب الصين انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد مسلمي الإيغور في مقاطعة شينجيانغ"، وأشارت إلى أنها جرائم "يمكن أن ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية".

وقد استندت باشليت إلى تقرير أممي صادر عن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ونشر بتاريخ 31 آب/أغسطس من هذا العام، ويتألف من 46 صفحة، وهو عبارة عن تقييم لمدى الالتزام بمعايير حقوق الإنسان والقلق المتزايد المتعلق بانتهاكها من قبل الحكومة الصينية.

أدان التقرير الانتهاكات الحقوقية التي تمارسها السلطات الصينية ضد أقلية الإيغور المسلمة إلا أنه لم يصفها ب"الإبادة الجماعية" 

وجاء في التقرير "الشدة في الاحتجاز القسري والتمييز الحاصل ضد أفراد الإيغور وغيرهم من الجماعات ذات الغالبية المسلمة، وعبر استخدام القانون والسياسات وتسخيرها لتعزيز التمييز والحرمان وتعزيز القيود بشكل عام، فإن التقرير يأتي ليسلط الضوء على انتهاك الحقوق الأساسية للأفراد مما يندرج ضمن الجرائم الدولية وتحديدًا الجرائم ضد الإنسانية". رغم ذلك، فإن تقرير الأمم المتحدة تحفظ على وصف انتهاكات الصين في شينجيانغ بأنها إبادة جماعية، وهو الاتهام الذي تصرّ واشنطن على توجيهه رسميًا ضد بكين. 

رفض صيني وإشادات دولية

من جانبها، رفضت الحكومة الصينية التقرير، وحاولت حتى اللحظة الأخيرة وقف نشره، ووصفته بأنه "تشويه لصورة الصين من قبل خصومها". وتنفي الصين على لسان سفيرها ليو شياومينغ، الأخبار المتداولة وتقول بأنها معسكرات لإعادة التأهيل المهني والتدريب، وتعتبرها لا أساس لها من الصحة وكاذبة ومفبركة من قبل الإستخبارات الغربية ومحاولة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. كما نشرت الصين تقريرًا مضادًا مؤلف من 121 صفحة، تسرد خلاله مخاطر الإرهاب والتطرف ومحاولاتها الحثيثة لمكافحة الإرهاب، وأشادت بالاستقرار الذي حققته سياساتها للبلاد. وقال المتحدث بإسم وزارة الخارجية الصينية بأن "وسائل الإعلام تشارك في نشر معلومات مضللة ومغلوطة بدون أي إثباتات" وأضاف بأن "الصين تحمي حقوق الإنسان ومصالح كافة الجماعات العرقية والدينية وتعلق أهمية كبرى على حقوق النساء"، حسب ما أفادت وكالة رويترز.

Uyghurs

 بينما أشادت جماعات حقوق الإنسان، ولاسيما المعنية بوضع الإيغور في الصين، بالتقرير باعتباره نقطة تحول لافتة في الاستجابة الدولية لما تتعرض له الأقلية العرقية من ظروف اعتقال جماعي بوفق ما كشفت عنه تقارير وتحقيقات عديدة في السنوات الماضية. وقال الناشط الحقوقي، عمر كانات لصحيفة الغارديان البريطانية "على الرغم من النفي الشديد للحكومة الصينية، فقد اعترفت الأمم المتحدة رسميًا الأن بحدوث جرائم مروعة بحق مسلمي الإيغور". والإيغور يشكلون أقلية يغلب فيها المسلمون ويبلغ عددهم فيها حوالي 11 مليونًا في شينجيانغ في شمال غرب الصين. وتقع المنطقة على حدود كازاخستان وهي أيضًا موطن للعرقية الكازاخستانية.

وقد أصدرت 63 مجموعة من جماعات الدفاع عن الإيغور بيانًا مشتركًا أشادوا فيه بالتقرير، ونحّوا فيه انتقاداتهم العديدة السابقة ضدّ باشيليت، على خلفية رحلتها إلى الصين وتلكّؤها في إدانة انتهاكات بكين الحقوقية. وقد تضمن البيان المشترك رسالة رئيسية مفادها بأنه لم يعد بوسع العالم غض الطرف عن هذه الفظائع والسماح باستمرارها. 

انتهاكات بالجملة

على مدى السنوات الخمس الماضية، احتجزت الصين، على حدّ ما تفيد تقارير وتحقيقات صحفية دولية متعددة، ما يقدر بمليون من أقلية الإيغور وغيرهم من الأقليات في معسكرات اعتقال، تصر الصين على توصيفها بكونها مراكز للتدريب المهني. وفي كثير من الحالات لم يكن لدى العائلات أي فكرة عن مصير أبنائهم وأقاربهم المحتجزين، وهو ما أكد عدد من محققي الأمم المتحدة الذين قابلوا 26 نزيلًا سابقًا في هذه المراكز، وبالاستماع إلى إفاداتهم، قال أكثر من نصفهم أنهم تعرضوا "لمعاملة ترقى إلى مستوى التعذيب وغيرها من أشكال الإساءة".

وتضمنت الانتهاكات الضرب بالهراوات الكهربائية أثناء تقييدهم في ما يسمى ب "كرسي النمر"، وهو كرسي يتم ربط المعتقلين به من أيديهم وأقدامهم. وكذلك سجن المعتقلون في الحبس الانفرادي لمدة طويلة، إضافة إلى التعذيب بواسطة الإيهام بالغرق. ويشار إلى أن تقرير الأمم المتحدة لا يذكر مصطلح الإبادة الجماعية، ولكنه يشير إلى أن مزاعم التعذيب، بما في ذلك الإجراءات الطبية القسرية والعنف الجنسي، وتدمير المساجد والإجهاض والجراحة القيصرية لمنع الإنجاب، كلها ادعاءات "ذات مصداقية"، وترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

وتتعرض الصين لإدانات بالجملة ومع كل قضية مستجدة على الساحة فيما يتعلق بحقوق الأقليات. ولا تنفك الدول الغربية توجه انتقادات شديدة للصين بسبب معاملتها لمسلمي الإيغور، وكان سياسيون في واشنطن قد وجهوا اتهامات إلى الحزب الشيوعي الصيني الحاكم بارتكاب "إبادة جماعية" وجرائم ضد الإنسانية والسجن التعسفي والتعذيب والعمل القسري والإجهاض القسري وإجبار النساء على وسائل تنظيم الأسرة وتحديد النسل. 

اعتداءات جنسية ممنهجة

رصد تقرير مطول لهيئة الإذاعة البريطانية، العام الماضي، شهادات حول ما عانت منه النساء المحتجزات في معسكرات اعتقال للاجئي الإيغور في مقاطعة شينجيانغ الصينية. وبينت الشهادات تعرض النساء للتعذيب والعنف والاعتداء الجنسي والاغتصاب الممنهج. وقد تقدم للإعتراف عدد من العاملين السابقين في المعتقل ومن ضمنهم حارس للسجن وقد شهدوا جميعًا على ارتكابات عديدة، وقد توصلت هيئة الإذاعة البريطانية إلى قصص النساء من مصادر موثوقة، بحسب ما أفادت.

توضح الشهادات بالتفصيل الانتهاكات الصادمة التي تعرضت لها النساء أثناء تواجدهن في المعسكرات، والتي وصفها أدريان زينز، الخبير في سياسات الصين في شينجيانغ، بأنها "بعض من أفظع الأدلة التي رأيتها في حياتي"، وأضاف "هذا يؤكد أسوأ ما سمعناه من قبل. إنه يوفر أدلة موثوقة ومفصلة على الاعتداء الجنسي والتعذيب على مستوى أكبر وبشكل واضح أكثر مما افترضناه"، بحسب ما نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن لسانه.

Uyghurs

ويعد الدكتور أدريان زينز أحد العلماء الرائدين في العالم المتابعين لسياسات حكومة جمهورية الصين الشعبية تجاه المناطق الغربية للبلاد مثل التيبت وشينجيانغ. وفي عام 2017 لعب زينز دورًا مهمًا في تسليط الضوء على حملة القمع والإعتقالات الجماعية التي شنتها الحكومة الصينية ضد الأشخاص الإيغور في شينجيانغ، كما أدلى بشهادته أمام الكونجرس الأمريكي حول استغلال الدولة الصينية لعمالة السجناء الأويغور.

امراة أخرى اعتقلت لمدة 18 شهرًا، قالت بأنها أجبرت على تعرية عدة نساء من ملابسهن وإخضاعهن بالقوة ومن ثم تتركهن مع رجال أخرين بمفردهن، بينما "تجلس خارج الباب بصمت حتى ينتهي الرجال من فعلتهم"، ومن ثم "أصطحب المرأة المغتصبة للإستحمام". وأشارت إلى أن "الإعتداء الجنسي بحق النساء في مخيمات الإعتقال منظم" وأضافت بأنه كان يدفع مبالغ مالية من قبل بعض الرجال من أجل اختيار المرأة الجميلة، وفق ما أفادت المعتقلة.

وأكدت إحدى السيدات المعتقلات أن النساء المحتجزات أجبرن على تركيب مانع للحمل داخل أعضائهن التناسلية. وتم إخضاعهن "لفحوصات طبية عدة وتناولوا على إثرها حبوبًا لمنع الحمل وحقنوا بالقوة كل 15 يومًا". ووفق الشهادات فالرجال الصينيون كانوا يرتدون الأقنعة، وأحيانًا يأتون بعد منتصف الليل لاختيار امرأة من بين النساء واقتيادها والإعتداء عليها. وتم استخدام التهديد لمنع أي امرأة من التحدث لزميلاتها عما حدث لها، فيما لم تعد نساء أخريات إلى الزنزانة. وقال أحد الحراس أنه تم استخدام أجهزة كهربائية من أجل التعذي والإهانة واستخراج المعلومات في التحقيقات.

سياسة تحديد النسل

ويقدر زينز أن سياسات بكين يمكن أن تزيد من عدد السكان الهان الصينيين المهيمنين في جنوب شينجيانغ من 8.4% إلى حوالي 25% في العقدين القادمين. ووجدت أن عدد سكان الأقليات العرقية في جنوب شينجيانغ الذي يسيطر عليه الأويغور سيصل إلى ما بين 8.6-10.5 مليون بحلول عام 2040 بموجب سياسات تحديد عدد المواليد التي تفرضها الحكومة الصينية. ويقارن ذلك بـ 13.14 مليون توقعها باحثون صينيون باستخدام بيانات تعود إلى ما قبل سياسات الولادة المطبقة، بحسب ما نقل موقع ناسداك. وبالفعل، فالعديد من النساء اللواتي قابلتهن مفوضية حقوق الإنسان، تحدثن عن إجبارهن على تحديد النسل بشكل قسري، وإخضاعه لوضع اللولب في أرحامهن، ومع التهديد بالعقوبات القاسية كالاعتقال السجن  لمن يخالفن القرارات الحكومية المتعلقة بتنظيم الأسرة.

uyghur

تغيير ديمغرافي

وتشير الجماعات الحقوقية إلى  كون السياسات الصينية تشمل فرض عدد محدد للمواليد على سكان الأيغور والأقليات العرقية المسلمة الأخرى، والاعتماد على تطبيق سياسات نقل العمال إلى مناطق نائية أخرى، إلى جانب احتجاز ما يقدر بمليون من الأيغور والأقليات العرقية الأخرى في معسكرات خاصة، لخدمة أغراض  تتعلق بالتغيير الديمغرافي، وذلك بحسب بحث أخر نشره زينز في مركز جايمس تاون للبحوث والتحاليل. ويشير تقرير نانكاي، إلى أن عمليات نقل العمالة من الأقليات لا يخدم أغراضًا اقتصادية فحسب، بل يتم تنفيذها بهدف التهجير القسري لأقليات عرقية من مناطقهم، وتقليل كثافتهم السكانية عن قصد، وتمزيق المجتمعات المتجانسة. وبناء عليه، يتفق العديد من الخبراء في القانون الجنائي الدولي على أن هناك "أسبابًا وجيهة لاستنتاج أن مخطط نقل العمالة في شينجيانغ يرقى إلى تشكيل جريمة ضد الإنسانية من حيث التهجير القسري والاضطهاد على النحو المحدد في نظام روما الأساسي والمحكمة الجنائية الدولية، بحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.

هل من تبعات عمليّة تترتب على تقرير باشليت؟ 

لا يزال التشاؤم مهيمنًا على فرصة أن ينجم عن هذا التقرير أي إجراءات عملية من طرف الأمم المتحدة، ولعل تأخر صدور هذا التقرير خلال العهدة الأخيرة لمفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان هو دليل جليّ على العقبات التي تقف أمام أي تحرّك عملي جادّ لوضع حد للانتهاكات الصينية بحق الأقليات المسلمة فيها، والتي لطالما أكدها باحثون وصحفيون ومحاكم مستقلة، رغم إنكار بكين الشامل لذلك والحملة الإعلامية المضادة التي تديرها باقتدار لتفنيد هذه الاتهامات والتشكيك بها.