15-سبتمبر-2022
charles dailybeast

لتشارلز الثالث مواقف قديمة تتعلق بالطب البديل (DailyBeast)

أي نوع من الملوك سيكون تشارلز الثالث؟ 

هذا سؤال طرح كثيرًا في الأيام الماضية، وقد حصل على عدّة إجابات من وجهات نظر عديدة. في هذا المقال المترجم بتصرف عن موقع "ذا ديلي بيست"، يجادل إدزار إيرنست، وهو عالم وطبيب ألماني متخصص في أبحاث الطب البديل والتكميلي، بأن تشارلز الثالث، لن يكون الأفضل لبريطانيا ولا أفضل ممثل للعرش فيها، وخاصّة فيما يتعلق بالعلم والخرافة ومعاداة العلوم.

لن يكون تشارلز الثالث الأفضل لبريطانيا ولا أفضل ممثل للعرش فيها، وخاصّة فيما يتعلق بالعلم والخرافة ومعاداة العلوم

فيما يلي ننقل تفاصيل إجابة هذا الطبيب عن الملك تشارلز الثالث، من وجهة نظر علميّة، ومن مجال خبرته في دحض نشاط طبي يعدّ تشارلز من أبرز المتحمسين له في بريطانيا والعالم.  

يقول إيرنست: 

لقد روّج تشارلز، وهو أمير وولي عهد، لطيف واسع من الهراء "البديل"، وهو ما فعله على مدى 40 عامًا. بل لقد شطح بعيدًا جدًا في موقفه المناهض للعلم إلى حد أنه صرح مرة بأنه فخور بكونه عدوًا للتنوير. لكن نوع الدجل المفضل لديه كان على الدوام يتعلق بموضوع "المعالجة المثلية" (Homeopathy). 

Edzard Ernst charles
ألف إيرنست كتاًبًا عن تشارلز وسيرته مع الطب البديل

وللعائلة المالكة في بريطانيا علاقة حب قديمة بهذا النوع من العلاج، حتى أن كان في الماضي القريب جزءًا من الخدمة الصحية الوطنية في المملكة المتحدة (NHS) منذ بدايتها في عام 1948 - لأسباب عديدة، من بينها الدعم الملكي. فقد كانت الملكة إليزابيث الثانية نفسها هي راعية مستشفى المعالجة المثلية الملكي في لندن (Royal Homeopathic Hospital)، (والذي تغير اسمه مؤخرًا إلى مستشفى الطب التكاملي) كما مارس تشارلز ضغوطًا عديدة على السياسيين في المملكة المتحدة لدعم المعالجة المثلية، وفي عام 2019 ، أصبح راعيًا لـ "جمعية الطب المثلي" ، وهي المنظمة المهنية لأخصائيي الطب المثلي في المملكة المتحدة. 

لكن دعوني أجب أولًا على سؤال بسيط: أنّى لي تلك الثقة التي تجعلني أحكم على المعالجة المثلية بأنها هراء محض؟ 

الجواب هو أن العلاجات المثلية يمكن أن تكون علاجات نباتية أو غير نباتية، بل إن علاجًا من هذا النوع يمكن أن يكون معتمدًا على مادة في غاية السخف والغرابة، مثل "جدار برلين"، وهو ما حصل حقًا، حيث تم تصنيع حبوب علاجية من مسحوق أجزاء منهارة من جدار برلين، للمساعدة في التعامل مع "الحواجز العاطفية".

هذه العناصر بطبيعة الحال تكون متوفرة في هذه العلاجات بنسب بالغة الضآلة، بل يمكن أن لا يشتمل قرص الدواء ولو على جزيء واحد من المادة المعلن عنها أو المزعومة على العبوة التي يتم بيعها، أو يمكن أن يكون مخففًا بمعدل 30 مرة على الأقل وبنسبة 1:1000. ولتبسيط ما يعنيه ذلك، فإن قطرة واحدة من المادة العلاجية المقصودة، تكون محلولة في 1,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,000,0 من المادة المخففة، وهو من باب التقريب يقل عن جزيء واحد من المادة الأصلية من جزيئات الكون.

لدى روّاد هذا النوع من العلاج قناعة عميقة بأن فعالية أدويتهم  لا تتعلق بالعناصر المادية التي تشتمل عليها، بل تتعلق أكثر ب"طاقة حيوية" غامضة فيها. بل ويزعمون أن عمليات تحضير العلاجات المثلية تنقل هذه "الطاقة" بين علاج وآخر، كما يعتقدون أيضًا أن عملية التخفيف- يسميها المعالجون المثليون بضدّها، أي "عملية التقوية" - لا تقلل فعالية علاجاتهم، بل تزيدها. 

وتعود فكرة المعالجة المثلية إلى مبدأ "العلاج من جنس المرض" (Like Cures Like)، وهو مبدأ يقول أنه إذا كان المريض مثلًا يعاني من سيلان العين، فإن أفضل علاج له، من وجهة النظر هذه، سيكون مصنوعًا من البصل، وذلك لأن البصل يجعل عيوننا تدمع. أما إذا كان يعاني من الأرق، فإن الوصفة المثلية ستكون مصنعة من القهوة، لأنها هي سبب التنبيه واليقظة، وباعتبار أن "العلاج من جنس المرض".  

ثمة اتفاق واسع في المجتمع العلمي على عدم إمكان إنكار تعارض الفرضيات التي تقوم عليها المعالجة المثلية مع قوانين الطبيعة المعروفة. ونحن لسنا غير قادرين على تحليل كيفية عمل المعالجة المثلية وتأثيرها في الناس، كما يحلو للملك تشارلز وأمثاله اتهامنا به، لكننا ندرك تمامًا أن لا مكان للمعالجة المثلية سوى باعتبارها نوعًا من العلاجات الوهمية، وأن فعاليتها لا تزيد أبدًا عن فعالية أية علاج وهمي (Placebo). 

نحن نعلم أن الاختبار الحاسم والمعتمد لأي علاج هو تجربته السريرية، وثمة 500 تجربة سريرية للعلاجات المثلية على الأقل، وقد أخفقت في مجملها بالبرهنة على أن لهذه العلاجات شديدة التخفيف فعالية تزيد عن فعالية الأدوية الوهمية، وهو أمر بات بحكم الحقيقة المتفق عليها في مختلف البلدان حول العالم، وحتى في موطن تشارلز نفسه. 

فهذه الـNHS نفسها، تقول إنه "لا يوجد دليل معتبر على أن المعالجة المثلية فعالة كعلاج لأية حالة صحية". أما الأكاديمية الروسية للعلوم فتقول في هذا الصدد: "مبادئ المعالجة المثلية تتعارض مع القوانين الكيميائية والفيزيائية والبيولوجية المعروفة ، كما أن التجارب العلمية التي تثبت فعاليتها غير متوفرة". الرأي ذاته أعرب عنه المجلس الوطني الأسترالي للبحوث الصحية والطبية، والذي قال مرة إنه "لا ينبغي استخدام المعالجة المثلية لعلاج الحالات الصحية المزمنة أو الخطيرة أو التي يمكن أن تصبح خطيرة. قد يعرض الأشخاص الذين يختارون المعالجة المثلية صحتهم للخطر إذا رفضوا أو قاموا بتأخير العلاجات المعتمدة التي يوجد دليل جيد على سلامتها وفعاليتها". 

ومع ذلك، ونظرًا لأن العديد من المرضى يتحسنون بعد تناول العلاجات المثلية، فإن المتحمسين لهذا النوع من العلاج على قناعة بأنهم على حق وأن العلم خطأ، متجاهلين حقيقة أن التحسن العرضي لدى المرضى هو مجرد نتيجة لقاء مطول مع طبيب تجانسي، أو استجابة لعلاج وهمي أو عوامل أخرى لا علاقة لها بالعلاج نفسه. 

وحتى الفكرة السائدة بأن المعالجة المثلية لا يمكن أن تسبب ضررًا ليست صحيحة. فعندما ينصح المعالجون المثليون المرضى بالتخلي عن العلاجات التقليدية الفعالة، فمن المحتمل أن يتسببوا في ضرر كبير. وعليه فإن العلاجات المثلية المخففة للغاية خالية من المخاطر  عمومًا في ذاتها، إلا أن مكمن الخطر في المعالج نفسه وتنكّره للعلم. 

chareles

وعودًا إلى موقف تشارلز من هذه القضيّة، فإن دفاع الأمير السابق الذي صار اليوم ملكًا، عن المعالجة المثلية، رغم كل الأدلة المتوفرة، قد أضر بمصداقية العلم، وأثار الشكوك بنظرته إليه. أضر بمصداقيته في العلم. كما أنه موقف لا يذكّر اليوم بشيء بقدر ما يذكّر بفشل جهود أربعين عامًا في الترويج للطب البديل. فحين تحمس تشارلز أول مرّة لقطاع المعالجة المثلية وتطويره، كان لدى المملكة المتحدة خمس مستشفيات تعتمد هذه البدعة العلاجية، أما اليوم فلم يعد هنالك أي مستشفى يحمل هذا الاسم، كما توقف تأمين تكاليف العلاج لأي مواطن يقرر متابعة هذا النوع من العلاج. 

ثمة الكثير مما يدعو للشك بشأن سلوك تشارلز المستقبلي في دوره الجديد على رأس العائلة المالكة في بريطانيا، وما إذا كان سيتخلى عن هوسه بالصرعات البديلة. قد يتجنب ربما التصريح علنًا بقناعاته ببعض هذه الأمور، ومن ضمنها العلاج المثلي، إلا أنه قد يتسنى له كملك الحشد من جديد لإحياء هذا النوع من الدجل العلمي. 

مصلحة المرضى تقتضي أن تستند الرعاية الصحية إلى الأدلة الأكثر موثوقية المتوفرة بين أيدي العلماء

إن مصلحة المرضى تقتضي أن تستند الرعاية الصحية إلى الأدلة الأكثر موثوقية المتوفرة بين أيدي العلماء، وهذه قناعة ليست محصّنة من التداعي، حين يعارضها أشخاص ذوو نفوذ وشهرة يتخذون موقفًا سلبيًا من الإجماع العلمي، ويميلون إلى استسهال نثر الشكوك حوله. وعندما يصعد أحد أعداء التنوير إلى عرش دولة ما، فإن ذلك خبر يسعد الكثيرين من تيار معاداة العلم حول العالم. 

 

هذا المقال مترجم بتصرّف عن موقع "ذا ديلي بيست" الأمريكي.