25-يناير-2019

الكثير من شعراء العرب، أحبو الغلمان ومارسوا المثلية (من مخطوطة تعود للقرن الـ15)

بالنظر إلى ما هو معروض من التراث العربي الإسلامي، يتضح اقتصاره بدرجة كبيرة على الفتوحات والغزوات، وما يتعلق بأمور الحكم، مع بعض الإشارات-غير المكتملة من جهة البحث والتنقيب- إلى المنجزات العلمية، وفي المقابل ثمة تجاهل لوقائع الحياة الاجتماعية والثقافية المعيشية للدولة الإسلامية، ما قد يثير تساؤلًا مفاده: ألم يهتم العرب بتدوين ملامح الحياة الاجتماعية على مر عصور الدولة الإسلامية؟

على عكس ما قد يُتوقع، انشغل العرب بتدوين وتوثيق الحال الاجتماعية والثقافية ربما أكثر من الاهتمام بكل ما يتعلق بأمور الحكم

على عكس ما قد يُتوقع، انشغل العرب بتدوين وتوثيق الحال الاجتماعية والثقافية في ربوع الدولة الإسلامية، ربما أكثر من الاهتمام بكل ما يتعلق بأمور الحكم، غير أن الحاصل كما يتضح هو أن مرور تاريخ "قدماء المسلمين" على مراحل "تنقية" في العصور الأحدث، لأغراض سياسية ومزاعم أخلاقية يطغى عليها الحس الأبوي، دون الالتفات إلى أن هذا "الحفّ" من التاريخ، تُدفن به الأجزاء الغالبة من التراث العربي.

تتضح هذه "التنقية" الأبوية، بصورة جلية عند التعامل مع النصوص المتعلقة بمسائل الجنس، وقد تزداد عمليات الحفّ لدرجة حرق المصادر والنسخ المتاحة من هذه النصوص! وذلك على الرغم من أن التراث العربي الإسلامي مليء بالتعامل المرن، بل المتحرر، مع مسائل الجنس بأنواعه، بما في ذلك المثلية التي مارسها خلفاء ومدحها شعراء وانغمسوا كذلك في ممارستها، كما يتبيّن في بعض نماذج أشهر الشعراء المثليين في التاريخ الإسلامي، والتي نستعرضها لكم فيما يلي:

شيخ الماجنين والبة بن الحباب

لقب الشاعر والبة بن الحباب بـ"شيخ الشعراء الماجنين"، وذلك في العصر العباسي الأول. ورغم ما اشتهر عنه من انغماسه في الملذات وكثرة شعره حولها، إلا أنه "أديب واسع الحفظ" كما قال عنه الخليفة العباسي المهدي، الذي قال عنه أيضًا: "ما أشعره، وما أملح شعره". 

بشكل عام، شاعت ممارسات المثلية في العصور الإسلامية الوسيطة، وانغمس كثير من الشعراء وعدد من الخلفاء في المثلية والغلمانية. ولم يكن ابن الحباب بدعةً من الشعراء لمّا قال في حب الغلمان: "أقول له على طربٍ أَلِطنِي.. ولو بمواجرٍ علجٍ نباطي/ فإن الخمر ليس تطيبُ إلا.. على وضر الجنابة باللواط".

ومما يروى أن والبة كان أستاذًا لأبي نواس، و"بعلًا" له، إذ كان أبو نواس غلامًا تحته. وجاء في "نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب" أن أبو السّماح يحكي: "قلت لوالبة، وكنت أرى أبو نواس عنده وهو بالغلام حسن الوجه فيعجبني: أنا والله أشتهي أن أختلي بغلامك. فقال لي والبة: ويحك، أما تستحي؟ هو غلامي. فقلت له: هو ما قلت لك. فقال: فلا تبرح مكانك حتى يجيء. ولما جاء أبو نواس، قال له والبة: إن أبا السماح يشتهيك، فقال له أبو نواس: جُعلتُ فداك، أتأمرني بحسن التبعل (طاعة البعل)، وتقضي بي حوائج إخوانك؟".

المثلية عند شعراء العرب

وحينما قال أبو نواس لوالبة، إن الناس يتحدثون عن علاقتهما، أجابه والبة: "قد بلينا وابتلينا واش.. يقول النّاس فينا/ قم بنا يا نور عيني.. نجعل الشّك يقينا/ فإلى كم يا حبيبي .. يأثم القائل فينا".

حين كبر الغلام أبو نواس

إذا ما ذكر التغزل بالغلمان فلا بد أن يذكر أبو نواس، خاصةً وأنه كان غلامًا تحت والبة، وكان مشتهًا في صباه كونه أبيض بضّ ذو لثغة في لسانه. ولمّا كبر أبو نواس، بات يطلب هو الغلمان. ووما يُذكر له من سعر في "اللواط" ما أنشده لأبي عبيدة النحوي، وهو ممن اشتهروا بحب الغلمان: "صلى الله على لوط وشيعته.. أبا عبيدة قل بالله: آمينا/ لأنت عندي بلا شك زعيمهم.. منذ احتلمتَ ومذ جاوزتَ ستينا".

ومما ورد في كتاب الأغاني أنّ أول ما جمع بين أبونواس والشاعر محمد بن مناذر الصبيري اليربوعي، حادثة اشتهى فيها ابن مناذر، أبو نواس دون أن يعلم أنه هو.

ويروى أنه ذات يوم جاء أقارب أبا نواس إليه، وأجبروه على الزواج، ولمّا حان الدخول بها، أعرض عنها وخرج إلى غلمان كانوا يجيؤونه، فخلا بهم، ثم عاد وطلق المرأة، وهو يمدح غلمانيته قائلًا: "لا أبتغي بالطمث مطمومة.. ولا أبيع الظبي بالأرنب/ لا أُدخل الجحر يدي طائعًا.. أخشى من الحية والعقرب".

ومما يرد عن أبي نواس من شعره في تفضيل المذكر على المؤنث قوله: "من يكن يعشق النساء فإني.. مولع القلب بالغلام الظريف/ حين أوفى على ثلاث وعشرٍ.. لم يطُل عهد أذنه بالشنوف/  فبه غُنّة الصبا تعتليها.. بُحّة الاحتلام للتتريف".

صفي الدين الحلي صاحب "الحمضيات"

وممن عرف من الشعراء الذين أحبوا الغلمان ومدحوا حبهم، صفي الدين الحلي، نسبة إلى مدينة الحلة بالعراق. وكتب الحلي قصيدة أسماها "الحمضيات" وصف فيها ما يكون في ممارسة الجنس مع الغلماء، منها: "فُتن الأنام بعوده وبشدوه.. شادٍ تجمَّعت المحاسنُ فيهِ/ حتى كأن لسانه بيمينه.. أو أن ما بيمينه في فيهِ".

في ديوانه جمع الحلي غزل الغلمان بالمدائح النبوية، ولم يجد غضاضة في ذلك. ولعب في الجمع بين الأسماء والأحداث التاريخية في مديحه لغلمانه، مثل قوله: "كيف حلَّلتَ يا علي دمي فيك.. وإني من شيعة الأنصارِ/ وتلا مرحبًا فؤادي للقياكَ.. فنابت عيناك عن ذي الفقارِ".

إبان اللاحقي.. ناقل كليلة ومدنة

كان إبان اللاحقي من أبرز شعراء العرب، وقال فيه الشاعر أبو هفان كما نقل في كتاب طبقات الشعراء: "كان شاعرًا أديبًا، وعالمًا ظريفًا منطقيًا، ومطبوعًا في الشعر، ومقتدرًا عليه". ولعل أبرز إنجازات اللاحقي نقله لكليلة ودمنة شعرًا.

وكان اللاحقي أيضًا، إضافة لشعره وأدبه وظرفه؛ عاشق ولهان في حب الغلمان، وأورد عنه الأصفهاني في كتاب الأغاني أن جارًا له اشترى غلامًا تركيًا يدعى "يتك"، وكان قد اشتراه بألف دينار. وكان أبان يعشق هذا الغلام، لكنه أخفى الأمر عن جاره مولى الغلام، غير أنه لم يمنع عنه مديح الشعر، فقال فيه: "ليتني والجاهل المغرور.. من غر بليت/ نلت ممن لا أسمي .. وهو جاري بيت بيت/ قبلة تنعش ميتًا ... إنني حي كميت/ نتساقى الريق بعد الشرب.. من راح كميت/ لا أسميه ولكن.. هو في كيت وكيت".

أبو تمام.. وحب الغلمان الملتحين

لم يُشتهر عن أبي تمام غلوه في حب الغلمان، أو في أشعاره عن الحب بشكل عام، غير أن له قصيدة خالف فيها المذهب السائد في حب الغلمان المرد، مدح فيها الغلمان الملتحين، إذ قال: قال الوُشَاة بَدَا في الخَد عارِضُه.. فقلت لا تنكروا ما ذاك عائبهُ/ الحُسْنُ عندي على ما كنتُ أعهَدُه.. والشعر حِرْزٌ له مِمن يطالِبه".

المثلية عند شعراء العرب

وبعكس ما يشاع عن أبي تمام وتعففه عن الغلمان، يروي أبا بكر الصولي في كتاب أخبار أبي تمام، أن أبا تمام تخاصم مع الحسن بن وهب، في أن كل منهما أحب غلام الآخر، وتبارزا في الشعر على ذلك.

حمّاد الراوية.. وطأ الأعور

لُقّب أبو القاسم حماد بن المبارك بن عبيد، بالراوية، لأنه كان من أعلم الناس بتاريخ العرب وأخبارهم وأنسابهم وأشعارهم. كما عرف باطلاعه الواسع على التراث الأعجمي ونقله للعربي، كما رُوي عنه أيضًا اشتهاؤه الغلمان وتغزله فيهم.

وورد في الأغاني على لسان الشاعر أبي يعقوب الخزيمي: "كنت في مجلس فيه حماد الراوية، ومعنا غلام أمرد، فنظر إليه حماد الراوية نظرًا شديدًا، وقال لي: يا أبا يعقوب قد عزمت الليلة على أن أدب على هذا الغلام. فقلت: شأنك به. ثم نمنا، فلم أشعر بشيء إلا وحماد ينيكني، وإذا أنا قد غلطت ونمت في موضع الغلام، فكرهت أن أتكلم فينتبه الناس، فأفتضح وأبطل عليه ما أراد، فأخذت بيده فوضعتها على عيني العوراء ليعرفني، فقال: قد عرفت الآن، فيكون ماذا؟! ثم ردد: وفديناه بذبح عظيم. وما برح وأنا أحاول معه جهدي فما نفع ذلك، حتى أنزل (أي استمنى)".

اللذة المضاعفة عند مطيع بن إياس

كان ابن إياس من الشعراء الذين عاصروا الدولتين الأموية والعباسية، واشتهر بشعره ما بين مديح الخلفاء والولاة، وهجاء الناس، كما التغزل بالغلمان الذين اشتهاهم.

للشاعر أبي تمام قصيدة خالف فيها المذهب السائد آنذاك في حب الغلمان المرد، وانتصر فيها للغلمان الملتحين 

ومما يروى عنه، بما ورد في كتاب الأغاني أن صديقًا لمطيع بن إياس دخل عليه "فرأى غلامًا تحته ينيكه، وفوق مطيع غلام له يفعل كذلك، فهو كأنه في تخت، فقال له: ما هذا يا أبا سلمى؟ فقال: هذه اللذة المضاعفة".