13-يناير-2016

صورة أرشيفية في ذكرى الثورة الرابعة(ياسين القايدي/الأناضول)

في مصر عيد الثورة معلوم وهو 25 يناير، وفي ليبيا التاريخ مضبوط وهو 17 فبراير، وفي سوريا محدّد وهو 15 آذار، أما في تونس التي انطلقت منها الثورة العربية المجيدة، فتحديد تاريخ عيد الثورة ليس محل إجماع، ليبقى السؤال الجوهري، هل عيدنا يوم أوقد البوعزيزي النار في جسده لتنطلق الاحتجاجات في مختلف جهات البلاد، أم يوم هرب المخلوع بطائرته إلى العربية السعودية؟ يبدو أن الإجابة تختلف بين سيدي بوزيد مهد الثورة والعاصمة/المركز.

في تونس، تحديد تاريخ عيد الثورة ليس محل إجماع، هل عيدنا يوم أوقد البوعزيزي النار لتنطلق الاحتجاجات في مختلف جهات البلاد، أم يوم هرب المخلوع؟

ففي سيدي بوزيد، أين اندلعت أولى الاحتجاجات ضد نظام بن علي، يتمّ كل سنة الاحتفال بعيد الثورة يوم 17 كانون الأول/ديسمبر في إطار مهرجان سنوي، وهو يوم عطلة فرضه أبناء الشعب التونسي هناك، وفي المقابل، هو يوم يكاد يكون عاديًا في العاصمة ومحافظات أخرى. وفي 14 كانون الثاني/يناير، تنقلب الصورة، ليكون موعد الاحتفال الرسمي من مؤسسات الدولة وهو يوم عطلة في كامل التراب التونسي باسم "عيد الثورة والشباب"، وبالتوازي يكاد يكون يومًا عاديًا في محافظة سيدي بوزيد. هذه هي الهوّة الحقيقية بين سيدي بوزيد والعاصمة فلكلّ عيده بالثورة، ولكلّ زمنه.

يمكن القول إن الاختلاف في تحديد موعد ذكرى الثورة هو النقطة الموجزة لبقية الاختلافات في الرؤى والتوجهات والخيارات وغير ذلك، فهو يبدو اختلافًا في الأصل، وما بعده هي تفريعات لهذا الاختلاف. إن هذه الثنائية غير مريحة ومربكة، وتبدو مخيفة من حيث لا نحتسب. في الواقع إن الاختلاف حول التاريخين المذكورين هو اختلاف، في جانب أساسي منه على الأقل إن لم يكن هو لبّه، في مدى ضبط الحراك الثوري، بين أن يكون فعلًا متواصلًا في الزمن يُحتفل بأول شرارة لانطلاقه، أم فعلًا محدّدًا في الزمن انتهى بـ"نصر" هو هروب رأس النظام وإن بقي نظامه بل وحكم واستحكم بعده في العلن والخفاء.

نحن أمام ثورة لا تعرف عيدها، والعديد مّمن يعترف بتاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر تاريخًا أوحدًا لها، يكفر بتاريخ 14 كانون الثاني/يناير، حيث يبدو وكأنه لحظة النصر المكذوب والهزيمة غير الرسمية، حينما غادرت الجماهير الشعبية الشوارع ولم تواصل تمدّدها، وإن يمثل اعتصام القصبة، أمام مبنى الوزارة الأولى حينها، مواصلة لفعل التمدّد وإن كان محدودًا في المكان والزمان، ومحدودًا كذلك في تأثيره في النهاية.

الجدل هو إذًا تحديد تاريخ عيد الثورة، تم طرحه وحسمه بطريقة "توافقية" على مستوى النص الدستوري حين مناقشة الديباجة. حيث نصت النسخة الأولى لمشروع الدستور على تاريخ 14 يناير كتاريخ لذكرى الثورة، وفي الجلسة العامة تمت إضافة تاريخ 17 ديسمبر، ليكون الحديث نهاية عن "ثورة الحرية والكرامة 17 ديسمبر 2010-14 يناير 2011". وربّما قد لا يفهم قارئ لديباجة الدستور، قراءة مباشرة للنصّ دون أي خلفية، إلا أن التاريخين المذكورين هما تاريخا اندلاع الثورة وانتهائها. فإما التاريخان حدّان لتكون الفترة الفاصلة بينهما هي حراك الثورة، وإما أن يكونا تاريخين متنازعين لمنطلق حراك الثورة. والخيار الثاني هو الأصوب ضرورة، وبالتالي لم ينه هذا التنصيص الدستوري الجدل حقيقة بل أبّده واقعًا، ليكون الجدل متواصلًا في التاريخ.

الاختلاف في تحديد ذكرى الثورة في تونس هو اختلاف بين أن يكون فعلًا متواصلًا في الزمن أم فعلًا محدّدًا انتهى بهروب رأس النظام

حسب علمنا، كان الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي ينوي إعلان 17 ديسمبر كتاريخ رسمي لذكرى الثورة، ويبدو أن النية لم تتحوّل إلى فعل بالنهاية فكانت إرادة لم يسعفها الدفع اللازم. من جانب آخر، وتجاوزًا لنطاق التحديد الزمني للحراك الثوري، هل تكون الذكرى يوم الفعل غير المتوقع الذي مثل شرارة لانطلاق الاحتجاجات، أم اليوم المحدد المتفق عليه للخروج للشارع؟ هذا السؤال يُطرح بالموازاة مع غياب الجدل حول تحديد عيد الثورة في مصر مثلًا، حيث تتحدد الذكرى بيوم 25 يناير والذي كان تاريخًا محددًا مسبقًا للخروج للاحتجاج في عيد الشرطة حينها. ونفس الصورة في ليبيا حيث سبق وتم تحديد يوم 17 فبراير كـ"يوم الغضب الليبي".

الأسئلة التي تحتاج لإجابات حاسمة وفاصلة هي، إلى متى ستستمرّ هذه الثنائية بمنطق "لكم عيدكم ولنا عيدنا؟، إن كانت هي ثورة 17 ديسمبر-14 يناير كما في الدستور، فلماذا يتمّ اعتبار يوم 14 اليوم الوطني لعيد الثورة ويوم عطلة فقط عكس يوم 17 ديسمبر؟، هل سنبقى بثنائية عيد وطني للثورة في العاصمة وآخر جهوي في محافظة سيدي بوزيد؟ هل كُتب أن تتواصل القطيعة بين المركز والهامش والتي جاءت الثورة لتنهيها؟ هل سنبقى في كل ذكرى للثورة نستذكر هذا الجدل ونختلف حول إجابة سؤال مؤرق هو متى نحتفل معًا؟ بل هل تاريخ عيد الثورة هو موعد للاحتفال؟، هذه الأسئلة لا يأباها التاريخ أن تبقى مؤبدة إن كنا نريد أن نكتب التاريخ معًا.

اقرأ/ي أيضًا:

بن علي.. لم يرحل!

17 ديسمبر.. بين "ارحل" و"تصالح"

17 ديسمبر 2010.. لحظة انعتاق رغم أنوفكم