07-أبريل-2017

مالك فؤاد (تصوير: عمرو بيومي)

يستند الشاعر السوري مالك فؤاد، في باكورته "محاولة خلود" (دار آمنة، عمان 2017)، على الحب والمرأة كركنين أساسيين لمعظم نصوص المجموعة، واضعًا القارئ أمام قصائد تكثف من حضور المرأة/ الحبيبة/ الغائبة، كما لو أنها حياة أخرى لا يمكن الوصول إليها إلا من بوابة الشِعر.

تقول قصائد مالك فؤاد إن المرأة حياة أخرى لا يمكن الوصول إليها إلا من بوابة الشِعر

يفتتح مالك فؤاد عمله الشعري الأول بقوله: "أحببتُ الشعر لأنه طريقٌ طويل يوصلك باكرًا"، ثم يبدأ الدوران في نصوصه القصيرة حول غياب/ حضور المرأة في طرق مختلفة، متخيلًا حضورها بأشكال مختلفة التي يطغى عليها الخسارات في بعض القصائد "أعرف أنكِ ليلًا تشكلين كونًا آخر/ بوجهكِ الذي لا يمكنني رؤيته سوى/ سماء صغيرة/ شفاهكِ تلتصقان/ تشكلانِ قمر ليلتك/ عيناكِ تلك النجوم/ التي ما تلبث تجعلنا تائهين".

اقرأ/ي أيضًا: نادر القاسم يزرع عشبًا حول شاهدة

يعتمد مالك فؤاد في قصائد المجموعة على لغة بسيطة غير معقدة، مطلقًا العنان لحرية المرأة في الحركة داخلها عوضًا عن التكثيف اللغوي، ليظهر كما لو أنه احتفاء بالمرأة الغائبة التي تقتحم نص القصيدة في تعويض لخساراتها الدائمة "يحاول الوصول إليكِ أيضًا/ وفي كل مرة/ ابتسم لحياتي من الطرف الخاسر/ وأمضي".

يلمس القارئ في ديوان مالك فؤاد تكثيفًا للتفاصيل اليومية التي يصطدم بها خلال تجواله الاعتيادي، مثل "القطارات/ الشوارع/ الأرصفة" المختلطة مع نبرة عالية من الحنين عن جسد المرأة الغائبة، جعلتها تتحول لقصيدة "لدي أشياء كثيرة أكتب عنها/ ولا أريد ذلك/ قميصك الرجالي الفضفاض/ الذي كان يجذب الجميع/ ثيابكِ وأنتِ ترسمين/ يدكِ الملطخة بالألوان/ مثل قوس قزح".

كما جاء ديوان مالك فؤاد مليئًا بالتكثيف العاطفي عن الغياب الذي حاول توظيفه في منحى خلود المرأة داخل النصوص، وهي محاولة لخلق مناخ مناسب لها، إذ أن معظمها/ النصوص جاءت في سياق واحد لتعويض الغياب بقتل الآخر داخلنا، وإعادة خلقه مرًة أخرى لقتله من جديد، والذي يحضر في نص "أرتدي وجهها مجددًا".

تتميّز باكورة مالك فؤاد بالتدفق العاطفي والانسياب اللغوي

يقول مالك فؤاد في النص: "البارحة دون قصد/ حطمت وجهك في المرآة/ في الحقيقة كان ذلك مقصودًا/ أن أحطم وجه امرأة/ ارتديته لعشرين عامًا/ أن أحطمه/ وأعود/ لأحبها بلهفة جديدة/ وأرتدي وجهها مجددًا/ كغريب/ كان ذلك مقصودًا/ تمامًا/ كما حين أطلقت الرصاص على رأسي/ رأسي الذي كان يحمل ضفائرك/ طوال الوقت/ وكان يظن بأن هذه الطريقة الأفضل/ لإيجاد طريق أقصر/ من هذا الخوف/ الذي يلتهمني".

اقرأ/ي أيضًا: علي ذرب.. أتصفح تصاوير من قمتُ بقتلهم

لم يعتمد مالك فؤاد في عناوين القصيدة مثل المتن النصي على لغة صعبة، إنما اختار عناوين بسيطة لنصوصه خلقها من رحم المكتوب نفسه، مبتعدًا عن شيطنة العنوان التي تجعل منه متاهًة. وفي المقابل تغيب في غالبية نصوص مجموعة مالك فؤاد الإشارات لأماكن محددة، ليحصرها جميعها في مخيلة المكان الحاضر في المنزل/ الشارع، والزمان الليل/ الصباح عندما تداهم المرأة ذاكرة الشاعر. يكتب: "كانت تأتي في الصباح/ مثل كل شيء/ الغيم والشمس والهواء/ الأشجار والغزلان/ ومثل الأزهار التي تتفتح في خاصرة هذا العالم/ فيسحقها قبل الغروب/ وحين أغلق نافذتي في المساء/ كان يرحل كل شيء/ الغيم والشمس والهواء/ الأشجار والغزلان/ والأزهار التي تعرد على كف هذا العالم/ ليبقى دمها/ وحيدًا/ يسيل على نافذتي/ ذاك الجرح الذي جعلني/ أرى العالم بأكمله".

بهذه المرونة اللغوية يستهل مالك فؤاد تجربته الشعرية الأولى مع النشر الورقي، من بوابة نصوص تحتفي بالمرأة الحاضرة في مخيلة الشاعر عند الغياب، مشبعًا القارئ بتفاصيل ترافقه كما لو أنه شاهد امرأة في إحدى المحطات، وثم اختفت في الزحام، تاركًة للمخيلة العبث بكل هذا الشوق للحب. 

اقرأ/ي أيضًا:

عبد السلام الشبلي.. لوحة الحرب الناقصة

"رقصة القبور".. درس في حكاية المهزومين