17-أكتوبر-2015

انتقل الممثلون في حواراتهم بين العربية والفرنسية والأمازيغية واللهجة الجزائرية المحكية

بتقديمها للعروض الثلاثة الأخيرة، في المسرح الوطني الجزائري في قلب الجزائر العاصمة، تكون مسرحية "هارمونيكا" التي أنتجها مسرح مدينة معسكر، في إطار تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015"، قد استوفت عروضها الثلاثين التي قرّرت دائرة المسرح على مستوى التظاهرة تقديمها في جولة شملت ما لا يقلّ عن عشر مدن جزائرية.

  "هارمونيكا" عرض مسرحي يُشكّل احتفاء بإرث مالك حداد الذي حفر عميقًا في المدونة الإبداعية الجزائرية والعربية

المسرحية أخذت عنوانها من اسم الآلة الموسيقية التي أهداها بطل رواية "سأهبك غزالة" لمالك حداد (1927 - 1978)، لأحد الأطفال، فسأله الطفل: "وماذا أعطيك أنا؟ قال الرجل: أعطني الموسيقى"، وهي آلة متعددة الأصوات، في إشارة إلى تعدد أجناس الكتابة عند صاحب "رصيف الزهور لا يجيب"، وتعدد نصوصه التي اعتمد عليها الكاتب فتحي كافي في توليف هذا العمل المسرحي.

اقرأ/ي أيضًا: ذيب ... هكذا تُصنعُ السينما

لا ندري، ونحن نشاهد العرض الذي صممه المخرج خالد بلحاج، هل نحن بصدد مشاهدة عرض عن مالك حداد أم عرض له؟ ذلك أن مفاصلَ كثيرة منه، مأخوذة من دواوينه ورواياته وحواراته ومقالاته، وهو بهذا، يُشكّل احتفاء بإرث هذا الكاتب الذي حفر عميقًا في المدونة الإبداعية الجزائرية والعربية، بالرغم من أنه كتب باللغة الفرنسية.

لغة قال عنها في الأخير إنها تشكل منفاه، وقرر الصوم عن الكتابة، إلى أن رحل، لأنه وجد في الكتابة بغير لغة أجداده التي لم يتعلمها، في ظل الهيمنة الفرنسية، مدعاة لأن يخجل من ذاته.
مالك حداد، ابن مدينة قسنطينة، وعاشقها الأسطوري الذي خلدها في رواياته وأشعاره، قبل أن يفعل كثيرون، ومنهم أحلام مستغانمي التي تقر بأنها خرّيجة نصوصه ولغته ورؤيته إلى الكتابة والحياة، ظهر في مسرحية "هارمونيكا" مثقلًا بكثير من الهواجس الوجودية المتعلقة بالإنسان والمكان، ومبرمجًا، في الوقت نفسه، على الإيمان بظهور جيل جزائري جديد، يعيد للحياة نبضها، وللغة هويتها، وللوطن روحه التي حاول الاحتلال الفرنسي أن يطمسها على مدار اثنتين وثلاثين سنة.

هذا الجيل، تجلى في شخصية الصحفي (الممثل يزيد بكاري)، والذي يشتغل في مجلة "آمال" التي أسسها مالك نفسه، وجعل منها منبرًا للمواهب الأدبية الواعدة، حيث يرغب الصحفي في إجراء حوار معه، وهو ما شكّل مدخلًا إلى حياة الكاتب، من خلال بحثه الشخصي، بصفته صحفيًا مجتهدًا، ومن خلال إجابات صاحب ديوان "الشقاء في خطر".

انتقل ممثلو "هارمونيكا"، ومنهم محمد فريمهدي ومختار حسين وسيد أحمد بومدين وفاطمة شيخ جاوستي، في حواراتهم بين العربية والفرنسية والأمازيغية واللهجة الجزائرية المحكية، بسلاسة أعطت للعرض أبعادًا فنية وفكرية ثرية، أحالت على تلك الأبعاد التي كانت تشكل مالك حداد إنسانًا وفنانًا. ونستطيع القول إن عناصر الديكور والصوت والموسيقى والإضاءة، كانت شخصياتٍ حية في العرض، استطاع المخرج أن يوظفها في الدلالة على الزمن، وعلى هوية الإنسان والمكان، وهما يصارعان أبجديات المحو والاضمحلال.

إن "هارمونيكا" ومسرحيات أخرى أنتجت في تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"، شكلت نافذة فنية، للإطلالة على وجوه جزائرية ساهمت في صناعة الوعي الثقافي للبلاد، وهي تضع المنظومة المسرحية الجزائرية أمام هذا السؤال: هل ثلاثون عرضًا فقط، لأربعين مليون جزائري، في ثمان وأربعين محافظة، يفي  بالغرض من إنتاج هذه المسرحيات؟

اقرأ/ي أيضًا: بنات بغداد.. التداوي بالمسرح