17-فبراير-2016

قطاع النّقل البدائي في لبنان وبحاجة إلى هيكلة وتنظيم (جوزيف عيد/أ.ف.ب)

"ثلاثين ألف، أو ما بيمشي الحال"، عشرون دولارًا هو المبلغ الذي طلبه سائق الأجرة من شابٍ تبدو عليه ملامح غربية، لمسافةٍ يمكنه، أي السّائق، عبورها بأقل من عشر دقائق، أي أن نقطة التوصيل لا تبعد عن مكان وقوف الرّاكب أكثر من أربعة كيلومترات، يعني، دولارين إذا ما أردنا حساب المسافة مع سعر البنزين.

غياب النقابات بشكل عام في لبنان، وارتهان ما تبقى منها لأحزاب السلطة، جعل من كل مجموعة "مافيا" يتحكم فيها طرف محسوب على قطب سياسي

يمكن وصف الحالة المذكورة أعلاه بكلمةٍ دقيقة، ألا وهي النصب أو الاحتيال. 18 دولارًا من الربح الصّافي لسائق الأجرة، في ظل غياب سياسة نقل/تسعيرات واضحة للنقل في لبنان. الوزارة المعنية حدّدت السعر بألفي ليرة، أي أقلّ من دولارٍ ونصف، لكن، دون أن تفترض رقابة جدّية وفعلية، مما يجعل من سائق الأجرة -إضافةً إلى كونه مسؤولاً أمام القانون- مسؤولًا عن تحديد التّسعيرة كيفما يشاء، بالشّراكة مع شركات التّوصيل التي تتكاثر مؤخّرًا، أو بقرارٍ ذاتي من نفسه.

غياب النقابات بشكلٍ عام في لبنان، وارتهان ما تبقى منها لأحزاب السّلطة، جعل من كل مجموعةٍ عبارةً عن مافيا، يتحكّم فيها طرفٌ محسوبٌ على قطبٍ سياسي. تبدأ هيمنة السّياسي على النّقابة بشكلٍ عام، لتشمل لاحقاً "المواقف" أو المحطّات العمومية، وتتمدّد لتغطّي النّقل بكافة قطاعاته، سيارات أجرة أم حافلات صغيرة وكبيرة، أما السّياسي، أو صاحب القرار، فيحصل على جزءٍ من المدخول، أو إيجار "المواقف" العامّة، كمكسبٍ مادي له، لقاء الحماية والغطاء القانوني الذي يوّفره للمافيات.

يسيطر كل قطبٍ سياسي طائفي على "موقفٍ" خاصٍ بمنطقته، فـ"مواقف الباصات" في صور -النّبطية وبيروت "السّفارة الكويتية"- يسيطر عليها أطرافٌ تابعةٌ لتحالف أمل-حزب الله، موقف خلدة-الشّويفات يسيطر عليه أتباع طلال أرسلان، موقف القبّة في طرابلس يسيطر عليه ميقاتي بينما يسيطر "المستقبل" على صيدا والبحصاص، في حين يسيطر أتباع جنبلاط على موقف الكولا – وطى المصيطبة الرّئيسي، وتتحكّم هذه الأطراف بالمحطات العامة، تحدّد المقابل المادي لكلّ سائق، تمهيدًا لدخوله "جنّة" المواقف العامة، وضمّ اسمه إلى لائحة أسماء المنتفعين منها.

يمكن اعتبار لبنان من ضمن البلدان القليلة التي يتشابه فيها قطاع النقل بالبورصة، فارتفاع الأسعار يتحكّم به أي شخصٍ ودون معايير قانونية

يمكن اعتبار لبنان من ضمن البلدان القليلة التي يتشابه فيها قطاع النّقل بالبورصة، فارتفاع الأسعار يتحكّم به أي شخصٍ دون معايير قانونية، فتسعيرة الليل تختلف عن تسعيرة النّهار، وتسعيرة السّواح تختلف عن تسعيرة المواطنين العاديين، وتسعيرة السّواح تشمل النّازحين الجُدد أيضًا، فبعض سائقي الأجرة لا تعنيهم الحالات الإنسانية، المكسب أولاً. طبعًا، لا يمكن التّعميم أبدًا، فبعض السّائقين هم من أصحاب ضمير، كما يقول المثل الشّهير "لو خليت الدّنيا فِنيت".

قطاع النّقل البدائي، بسيّاراته وحافلاته، المفتقر لوجود قطارات، مترو، ترامواي أو نقل بحري، بحاجة إلى هيكلة وتنظيم، إلى خطط موجودةٍ أصلاً في أدراج وزارة النّقل والأشغال العامة، حتّى التّمويل، يمكن الحصول عليه من الجهات المانحة والجمعيات، لكن غياب النّية الإصلاحية، معطوفةً على المكاسب التي يتحصل عليها السّياسيون في لبنان، بالإضافة إلى صفقاتهم التي شملت كلّ شيء، حتّى النّفايات، تُعيق أي تطورٍ مأمول، طالما أن العقلية السّائدة هي العقلية الرّبحية الانتفاعية، سيستمر الوضع كما هو.

المشكلة الأساسية في لبنان هي السّياسات الخدماتية-الإنمائية، التي، ربما يحقّقها وزير "السّعادة" اللبناني يومًا ما، مع أن "سعادة" المواطن اللبناني تحتاج لجيوش نيابية، وزارية ورئاسية، لا لوزيرٍ شابٍ يُسهم في رفع الأسهم من ضمن "بروباغنداتٍ دعائية"، لبنان بحاجةٍ لعملٍ فعلي، لا بروباغندا.

اقرأ/ي أيضًا: 

أبرز 10 فضائح فساد في لبنان

لبنان.. من غرفة الإنعاش