21-نوفمبر-2015

أندري بونكوفسكي/أ.ف.ب/Getty

"الحياة حلوة ما أحلى أنغامها"، يغني ذلك الرجل السبعيني الذي يجلس في ساحة ساسين، بالأشرفية، شرق بيروت، على كرسيّه الصغير قرب سيارته، ويعزف على عوده. يضع قربه لافتة كتب عليها: "بدي غني حتى عيش، وظيفة بإيدي ما فيش"، وأمامه "طربوش" إذا أراد أحد المارين من هناك أن يضع بعض النقود المعدنية، كما كتب على اللافتة أيضًا. يكمل الرجل أغنية فريد الأطرش، يرتشف قهوته، يضعها على حدة، ثم يبدأ جولة أخرى من العزف على العود. يضيف مارون الناشف، بغنائه وعزفه، الحياة لرتابة الحركة في ساحة ساسين في الأشرفية. هكذا، ينتظر الناس في الشارع قدوم مارون وعوده إلى الساحة، حتى إنهم يشعرون بغيابه إن لم يأتِ يومًا. يأتي الرجل يوميًا، إن ساعدته الأحوال الجوية. يضع كرسيّه، مكبّر الصوت، المايكروفون، ويبدأ بالغناء والعزف، ليعود مساءً إلى بيته مع بعض الـ"بخشيش".

ترى رواد المقاهي في ساحة ساسين يصغون إلى مارون وهو يغني "أنت عمري" لأم كلثوم وأغنية "الحلوة دي" لسيد درويش

ترى رواد المقاهي في ساحة ساسين يصغون إلى مارون وهو يغني "أنت عمري" لأم كلثوم وأغنية "الحلوة دي" لسيد درويش، بينما ينزعج أحد أصحاب المصارف هناك من صوته في بعض الأحيان. يروي الرجل أنه قد طُلب منه خفض صوته لعدم إزعاج البنك وزبائنه. لقد عزف الرجل في أماكن عدة قبل أن يعود ويستقر في ساحة ساسين. من الحمرا إلى عين المريسة حيث منعته القوى الأمنية من العزف. وجد الرجل نفسه مجددًا في ساحة ساسين ، حيث يعزف دون أن يزعجه أحد. بدورهم، ينتظر العمال قدوم الباص المتجه إلى الحمرا على أنغام "أنا في انتظارك" لأم كلثوم. تنزل امرأة من سيارتها حين وقوفها على الإشارة الحمراء لتضع البخشيش. يتوقف أحد الشبان لأخذ سيلفي معه، في حين يمر أحد سائقي سيارات الأجرة ليلقي السلام على مارون ويستمع إلى جرعته اليومية من الموسيقى.

لا يمل ولا يتعب

في الأصل، أتى الرجل الجنوبي مع عائلته إلى بيروت بعد أن خسر متجره في الجنوب عام 1987 بسبب الحرب. يقول العم مارون إنه وجد في الغناء وسيلة لكي يعيش وقد تمكن من شراء مكبر صوت بعد فترة لا بأس بها من العزف. يروي الرجل أنه لطالما أحب الغناء منذ صغره، وقد عمل على تطوير نفسه. كان يتنقل في البداية في الفانات لكي يستقر على أحد الأرصفة، حيث يعزف ويعود إلى منزله في المساء. ولكنه تمكن من الحصول على سيارة بسعر زهيد، تساعده على التنقل.

لا يسأم الرجل من الغناء، فهو يعبر عن نفسه بهذه الطريقة. يغني مارون لصباح ووديع الصافي، ولفيروز أيضًا. كما أنه يحب عبد الوهاب ويغني له. يلقى العم مارون اهتمام الناس الذين يحبون هذا النوع من الموسيقى. تراهم فرحين بما يسمعون. يمكنك من خلال الجلوس في الساحة لبعض الوقت أن تلاحظ أن الرجل يحاكي الناس بغنائه. لقد مرت عشر سنوات لوجوده في الشوارع مع عوده، وأغانيه التي تحاكي نبض الشارع وسالكيه. لقد عمل العم مارون في أماكن عدة قبل أن يتجه إلى الغناء. فرش بسطة صغيرة في الماضي ليبيع أشياء متنوعة لكنه مُنع من ذلك بعد حين. يكتب الرجل على اللافتة بقربه أنه يؤمِّن موسيقى للحفلات ولجميع المناسبات، مرفقًا هذا برقم يمكنك الاتصال عليه لتأمين هذه الخدمة.

بالإضافة إلى أن الموسيقى تعتبر المورد الوحيد للعيش للعم مارون، فهي تعتبر أيضًا وسيلة للتعبير عما قد لا تقوله الكلمات، قد تكون طريقة للتعبير عن واقع مرير وللتواصل مع الآخرين، الذين ملّوا بدورهم من رتابة الحياة السريعة في المدن.

 

اقرأ/ي أيضًا:
بائع الليموناضة الأخير في طرابلس
المعلم جبران.. رسول الحياة في البترون