15-يناير-2019

يبني النظام مدينة ماروتا سيتي العصرية على جثث السوريين (Getty)

 

بينما كان السوريون مُنشغلين بقصف نظام الأسد وروسيا، وبعمليات الدمار الواسعة التي طالت عائلاتهم وأحياءهم، كانت هناك آلات تبني ناطحات سحاب وأبراجًا عالية وفنادق ومطاعم فاخرة. مدينة جديدة ومشروع استثماري على أنقاض السوريين، ليس بعيدًا عن مقر الأسد بل في القلب من العاصمة دمشق. فما قصة المدينة الأضخم ماروتا سيتي؟

يرعى النظام السوري مشروع بناء مدينة ماروتا وتشرف إدارة شركة أمان دمشق القابضة التي يمتلكها سامر الفوز، المقرب من الأسد، على إدارة وتنفيذ المشروع

تقع ماروتا سيتي في منطقة بساتين الرازي جنوب غرب دمشق، و"ماروتا" هي كلمة سريانية تعني السيادة، تبلغ مساحتها 2.149.000 متر مربع، وتبدأ قصتها منذ أن اندلعت الثورة السورية وطالت الاحتجاجات منطقة بساتين الرازي عام 2012، وهي منطقة مصنفة ضمن عشوائيات دمشق لبساطة معيشتها وأبنيتها وفقر سكانها، ولكن سرعان ما قمع نظام الأسد تلك الاحتجاجات وقضى عليها ليُهجر سُكانها، الذين كانوا في غالبيتهم من الطبقة العاملة، التي تعيش تحت خط الفقر، ويظهر بعد ذلك المشروع الاستثماري الأضخم في سوريا، ماروتا سيتي، مكان تلك العشوائيات.

اقرأ/ي أيضًا: استئناف تطبيق نسخة الأسد من "قانون أملاك الغائبين" الإسرائيلي

لاحقًا عرف القائمون على مشروع ماروتا سيتي على الموقع الرسمي لها، بأنها سوف تساهم في بزوغ "فجر جديدٍ" لدمشق العراقة وتضعها على خارطة الحداثة والعالمية.

مخطط ماروتا سيتي

أي فجر هذا؟

 حسب الموقع الرسمي لمدينة ماروتا سيتي، فهي مدينة حديثة لا يحتاج سكانها إلى الخروج إلى ما بعد حدودها، إذ تحوي مساحة تبلغ 34 ألف متر مربع لدور العبادة من كنائس ومساجد لممارسة الشعائر الدينية، وفي ماروتا سيتي 17 مدرسة وروضة للأطفال تقع على مساحة 195 ألف متر مربع، ومبانٍ تجارية للتسوق على مساحة 123 ألف متر مربع، إضافة إلى ما ستشتمل عليه ماروتا سيتي من وحدات ومجمعات سكنية وأبراج استثمارية تتعدى مساحتها مليون متر مربع، ومساحات خضراء وحدائق كبيرة تبلغ 750 ألف متر مربع، وملاعب رياضية وحمامات مائية تبلغ مساحتها ما يقرب 50 ألف متر مربع. فضلًا عن وجود أبنية حكومية لخدمات سكان ماروتا سيتي من إجراءات قانونية وخدمات مرورية واستخراج أوراق رسمية وفروع لأفضل بنوك ومصارف عالمية، وأحدث شركات للإنترنت والاتصالات وأفضل مستشفيات بجودة ورعاية لن تجدها في سوريا كاملة، وطرق للمواصلاتِ والمشاة وخطوط نقل ومواقف سيارات للانتقال داخل ماروتا سيتي وخارجها.

وترتفع أسعار المعيشة في مدينة ماروتا سيتي بطريقة خيالية، حيث أجرى موقع بيزنس 2 بيزنس السوري دراسة لأسعار الأبنية في المدينة الجديدة، فقدَّر سعر المتر الواحد في إحدى تقسيمات الأبنية في ماروتا سيتي ليصل إلى 725 ليرة سورية، وذكر الموقع أن الأسعار تختلف حسب أماكن التقسيمات، ففي التقسم T90  مثلاً (وهو المقسم الأكثر ارتفاعًا في الأسعار)، تبلغ الكلفة التقريبية لشقة بمساحة 200 متر نحو 207 مليون ليرة سورية. أي أنه لن يسكن تلك الأبراج والمرتفعات سوى الأغنياء من الشعب السوري ذوي العلاقات الوطيدة مع المستثمرين ورجال نظام الأسد، خاصة أن الذي يقف وراء ذلك مشروع ماروتا سيتي هو سامر الفوز، الملقب بأمير الظل.

سامر الفوز.. رجل أعمال الأسد

يشتهر برجل الأعمال الأول في سوريا. من مواليد اللاذقية لأسرة تنتمي إلى الطبقة الأرستقراطية، درس في الجامعة الأمريكية في باريس ثم عاد إلى سوريا ليرعى مشاريع العائلة التجارية، وبعد الثورة هروب كثير من المستثمرين من سوريا فاشترى أصول مشاريعهم بأسعار منخفضة جدًا، لتبدأ رحلة أسطورة الفوز في الاستثمار مع علاقات جيدة ووطيدة مع نظام الأسد، ويُصبح واجهته أمام العالم في إعادة الإعمار والمشاريع الاستثمارية الكبرى.

اقرأ/ي أيضًا: الدولة المفيدة تكتمل.. كيف وقع التغيير الديموغرافي "القسري" في سوريا؟ 

وترعى حكومة دمشق مشروع بناء مدينة ماروتا سيتي وتشرف إدارة شركة أمان دمشق القابضة التي يمتلكها سامر الفوز على إدارة وتنفيذ المشروع. وقد أقر الفوز وقال لصحيفة وول ستريت جورنال أنه كان رجل أعمال من الدرجة الثانية والثالثة، لكنه أصبح الآن المستثمر الأول في سوريا دون منافس منذ عام 2014. ويمتلك رجل الأعمال المثير للجدل شركات لصناعة الحديد والسيارات ومصانع للأغذيةِ وشركات عقارية وتجارية وقناة تلفزيونية.

وأجاب الفوز للصحيفة عندما سئل بشأن العقوبات الدولية التي فرضتها دول أوروبية على مستثمرين سوريين، أنها لا تشمله، لأن تجارته واستثماراته بعيدة عن الشؤون العسكرية. وقال لوكالة أسوشيتد برس في مقابلة له في مقر الشركة بدمشق، إن الشركة أنفقت إلى الآن على المشروع 70 مليون دولار، وهي في طريقها لاستكمال البنية التحتية، وكامل مشاريع المدينة بتكلفة تصل إلى 500 مليار دولار.

التهجير والبناء على آلام السوريين

يرى الأسد أن طرد المجتمعات الفقيرة واستبدالها بمجتمع المستثمرينَ والمقربين من النظام، خطوة لتعزيز بقائه بعد الحرب التي خاضها ضد المعارضة السورية، ويرى أن وجود مجتمع فقير في دمشق، قد يبقي الأوضاع مهيأة لنشوء احتجاجات مطلبية من جديد. لذلك تزامن قانون رقم 10 في الدستور الذي أقرته الحكومة عام 2012، قبل بدء المشروع، يسمح للنظام بإزالة الأبنية القديمة والعشوائية وإعادة إعمارها دون وجه حق لمالك البيت وساكنه. وبالفعل فقد تم رصد جرافات النظام وهي تهدم أبنية سليمة تحت مبرر أنها تعرضت لآثار الحرب ويجب إعادة بنائها من جديد.

 وأصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا توضح فيه وضع السوريين النازحين واللاجئين في أماكن بعيدة حال العودة إلى بيوتهم التي تم هدمها، وبناء مكانها أبنية جديدة، حيث إنه بموجب القانون الذي أقرته الحكومة السورية يُسمح لملاك المباني القديمة أن يسلموا إثبات ملكية إلى الحكومة خلال 30 يومًا، غير أن الحكومة توضح أنه في غالب الأمر لن تستطيع الأسر النازحة في المخيمات واللاجئة في بلدان مجاورة أن تعود خلال 30 يومًا لإعطاء دليل ملكيتها العقار، فبيوتهم دُمرت بما فيها وقد هُجِروا منها منذ سنوات عدة، ناهيك عن صعوبة الانتقال وسط الدمار الهائل والفصائل المسلحة وشن هجمات بين فصائل وأخرى طوال الوقت، فيما يعرض حياة المنتقلين إلى الخطر.

اقرأ/ي أيضًا: النسخة السورية من "قانون أملاك الغائبين" الإسرائيلي.. هندسة المجتمع "المتجانس"

وحسب القانون، فإن لم يتم إثبات الملكية في هذه الفترة، يعود العقار إلى المدينة ولا حق للمالك فيه حتى إن رجع فيما بعد.

يرى الأسد أن طرد المجتمعات الفقيرة واستبدالها بمجتمع المستثمرينَ والمقربين من النظام، خطوة لتعزيز بقائه بعد الحرب التي خاضها ضد المعارضة السورية

وأكدت المنظمة أنه يجب على الدول المؤيدة للنظام مثل إيران وروسيا توجيه الحكومة إلى سنِّ تشريعات جديدة تضمن حق المُشردين والنازحين في حال رجوعهم في الأراضي والأبنية الجديدة، ووجهت المنظمة نداء للمستثمرين في المدينة الجديدة أن يلتزموا بمعايير معينة في استثماراتهم لا تضر حقوق الشعب السوري الذي يعيش معظمه في فقر مظلم ودمار شامل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقدير موقف: لماذا تعارض إسرائيل اتفاق خفض التصعيد في جنوب سوريا؟

سوريا.. التحالفات الإقليمية ستغير الخارطة العسكرية