25-مارس-2018

مارشا أنجيل

كتاب "حقيقة شركات الأدوية" لمارشا أنجيل (Marcia Angell) كتاب فائق الإمتاع وشديد الفائدة، يحلّل ويشرح المنظومة الطبية بكاملها، الأبحاث والتجارب والدراسات التي تجري على الأمراض والأدوية طريقة التفكير في شركات الدواء العالمية. 

يسأل الكتاب: لماذا يكتب الطبيب اسمًا تجاريًا معينًا لمادة فعالة مع توفر بدائل كثيرة له؟ هل الموضوع علمي فقط؟ من هنا تكمن أهمية هذا الطرح، فمن منا لا يوجد في أسرته أو عائلته أو أصدقائه مريض سكر أو ضغط، إن لم يكن هو المصاب أصلًا! وإذا كانت المؤلفة ماشرا أنجيل تحكي عن بلدها أمريكا، فما بالك في بلدنا البائس الحزين؟

اكتشفنا أننا نهدر الكثير من المال، بالإضافة إلى أن ممارستنا الطبية الحالية من الممكن أن تسبب الأذى للمرضى

سأبدأ بحكاية ترويها المؤلفة مارشا أنجيل عن دراسة أُجريت عن طريق المعهد الوطني للقلب والرئة والدم الأمريكي التابع لمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية NIH، وهي دراسة ALLHAT استمرت مدة ثماني سنوات واشترك فيها 42000 شخص، في أكثر من 600 عيادة، وهدف الدراسة المقارنة بين الأدوية التي تعالج مرض ارتفاع ضغط الدم.

اقرأ/ي أيضًا: الصفح.. ذلك المستحيل الممكن

قارنت الدراسة 4 أدوية من مجموعات علاجية مختلفة: النورفاسيك والكاردورا من إنتاج شركة فايزر، والزستريل من إنتاج استرازينيكا، ومدر للبول اكتُشف منذ أكثر من خمسين عامًا. كانت نتائج الدراسة مدهشة ومثيرة ومربكة، النتائج المنشورة في مجلة JAMA سنة 2002 تبين أن مدر البول القديم الأفضل في تقليل ضغط الدم والوقاية من الأعراض والمضاعفات المرتبطة به، ليس هذا فقط ولكنها الأرخص اقتصاديًا أيضًا.

تبين المؤلفة مارشا أنجيل أن الدراسات من هذا النوع قليلة ونادرة ولكنها صيحة تحذير في عالم الصحة والدواء. يقول أحد المؤلفين الرئيسيين في الدراسة دكتور Curt Furberg: "لقد اكتشفنا أننا نهدر الكثير من المال، بالإضافة إلى أن ممارستنا الطبية الحالية من الممكن أن تسبب الأذى للمرضى".

هذه حكاية واحدة من حكايات الكتاب، وهو مشحون بقصص تدفعك للتشكيك وعدم الثقة بالمنظومة الطبية كلها. طبعًا لا بد من استشارة الأطباء والرجوع إليهم، ولكن الأفضل للمريض هو أن يثقف نفسه عن مرضه.

أنصح كل من يستطيع الوصول للكتاب بقراءته، فالكتاب شيق وممتع إلى أقصى حد، بالإضافة إلى أهميته والمعلومات القيمة التي يحتويها، ولو كان الأمر بيدي لوفّرت ترجمة عربية له ووزعتها على العاملين بالمجال الصحي.

نعود لكتاب مارشا أنجل الممتع والمثير، تخيل معي هذا السيناريو شركة كبيرة تعاقدت مع جهة علمية أو جامعة لإجراء تجربة وصرفت ملايين الدولارات على التجربة، وجاءت النتائج سلبية ولا تدعم منتج الشركة، هل من حق الشركة رفض نشر نتائج البحث؟ هل ينشر الباحثون النتائج ويُرضون ضمائرهم أم يخضعون لضغوط الشركة التي سترفض النشر بالتأكيد.

حقيقة شركات الأدوية

حدث هذا مع شركة Immune Response Corporation التي تعاقدت مع دكتور James O.Khan والدكتور Stephen W.Lagakos لإجراء التجارب والبحوث على دواء لتقليل تطور أعراض مرض الإيدز وتدعيم جهاز المناعة في مواجهة المرض. أُجريت التجربة على 2500 مصاب في سبعين مركز طبي. بعد ثلاث سنوات ظهر للباحثين أن الدواء غير فعّال، وقرر الباحثان نشر النتائج، ولكن الشركة رفضت، بل ضغطت على الباحثين حتى يضيفا للدراسة بعض الإحصائيات التي تفيد بأن هناك بعض المرضى تحسنوا! رفض الباحثان اللَّذانِ أظهرا شجاعة واستقلالية، على حد تعبير المؤلفة، كلام الشركة، وصمّما على نشر أبحاثهما. لكن هناك مشكلة، فالعقد الموقع بين الشركة والباحثين أعطى لها الحق في امتلاك 10% من بيانات ونتائج الدراسة، بالطبع لعبت الشركة على هذا الوتر. لم يخضع الباحثان لحجج الشركة، وقاما بنشر الدراسة ورأيا أن ما لديهما من بيانات كاف لنشر الدراسة. نُشرت الدراسة في مجلة American Medical Association، ولم تحصل الشركة على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية التي كانت تسعى إليها.

الصادم في الحكاية هو تعليق الرئيس التنفيذي في الشركة: "لقد أنفقت ما يزيد عن ثلاثين مليون دولار، إنني أرى بأن لدي بعض الحقوق". الشركة ترى لنفسها الحق في دواء غير فعال لأنها صرفت مالًا، أما صحة المرضى وحياتهم فليست لها أية أهمية.

ترى شركات الأدوية أن لها الحق في بيع دواء غير فعال لأنها صرفت مالًا، أما صحة المرضى وحياتهم فليست لها أية أهمية

دفعني هذا الكتاب إلى التفكير في الحال في عالمنا العربي، والتي تقوم الإدارة المركزية للشؤون الصيدلية (لاحظ طول الاسم وغرابته كأنه ترجمة لاسم أجنبي ما! هل لان الاسم الأمريكي Federal Drug Administration فيجب أن نضع نحن Central Administration ، الحمد لله رب العالمين مصر مركزية وأمريكا فيدرالية)، وهي المؤسسة المعنية بتسجيل والموافقة على الأدوية في مصر، وهيئة الغذاء والدواء السعودية Saudi FDA (الاسم هنا اقتباس كامل من الاسم الأمريكي!) ، تقوم هذه المؤسسات مثلًا بالموافقة على تسجيل وترخيص وتسعير الأدوية بنظام "كوبي بيست"، أي نقل أعمى للدراسات وخلاصة الأبحاث في أمريكا، فلا جهات ومؤسسات بحثية لإجراء تجارب ولا ملامح لنظام يشرح كيف تتم الموافقة على ترخيص الأدوية في هذه المؤسسات، لاتتوفر فيها أية قاعدة بيانات أو أبحاث من أي نوع في المجال الصحي تحديدًا.

اقرأ/ي أيضًا: قيس حسن.. الجبنة التي قصمت ظهر الفقيه

ستحسد الأمريكان على توفر هذا الكم الهائل من البيانات والإحصائيات والمعلومات المتوفرة لديهم، نظام كامل ودقيق يُعطي حرية المعلومة لكل مواطن. وحتى بالرغم من الأخطاء والقصور، هناك باحثون يقومون بنشر هذا الكلام وإظهار العيوب مما يسمح بالتطوير.

أكرر ندائي لأي مترجم أو دار نشر بالتطوع بترجمة هذا الكتاب الساحر، وعظيم الأهمية أيضًا، وأرى أن هذا الموضوع يهم عامة الناس ولا يعني العاملين بالمجال الصحي فقط.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العرب وأمريكا.. علاقة قلقة

"ابن تيمية وعصره" كما تراه الأكاديمية الغربية