14-أبريل-2017

تظاهرة احتجاجية ضد التعديلات الدستورية في نواكشوط (محمد حامد/ الأناضول)

يبدو أن المشهد السياسي الموريتاني شديد الارتباك بين النظام والمعارضة، فبمجرد إعلان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، طرح مشروع التعديلات الدستورية على الاستفتاء الوطني، حتى أعلنت المعارضة رفضها هذه الخطوة، واعدةً بإفشال الاستفتاء.

ومنذ سنوات وثمة أزمة سياسية دائرة في موريتانيا، قطباها المعارضة الراديكالية، ممثلة فيما يُسمى اختصارًا بـ"المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة"، وهو المنتدى الجامع لأحزاب المعارضة. أما القطب الثاني فهو أحزاب الأغلبية الداعمة للحكومة، وبعض الأحزاب الأُخرى المقربة من النظام.

وفي نهاية العام الماضي، أُعلن عن إقامة حوار سياسي يهدف إلى نقاش المشاكل العالقة وتقريب وجهات النظر بين المعارضة والسلطة، لكن أحزاب المعارضة الراديكالية الرئيسية رفضت المشاركة في الحوار السياسي، نظرًا لعدم وضع شروطها ومطالبها في جدول أعمال الحوار، الذي شاركت فيه أحزاب معارضة جديدة غير ممثلة في "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة". 

خلص حوار سياسي في موريتانيا رفضت قوى المعارضة الراديكالية المشاركة فيه، إلى إلغاء مجلس الشيوخ ومحكمة العدل السامية

وخلص الحوار إلى جملة من القرارات، تتضمن توصيات بتغيير مواد دستورية، من بين أهم هذه المواد، المتعلقة بتعديل العلم الوطني والنشيد الوطني، وأيضًا إلغاء مجلس الشيوخ، وكذا إلغاء محكمة العدل السامية، والتي من شأنها النظر في القضايا التي تخص الرئيس والوزراء.

ماراثون التعديلات الدستورية

عُرضت التعديلات الدستورية التي خلص لها الحوار، من قبل الحكومة على البرلمان بغرفتيه الجمعية الوطنية وهي الغرفة الثانية، ومجلس الشيوخ وهو الغرفة الأولى، لتصوّت الجمعية الوطنية لصالح التعديلات الدستورية، إلا أن مجلس الشيوخ فاجأ الجميع بالتصويت رفضًا للتعديلات الدستورية.

اقرأ/ي أيضًا: هل تحتاج موريتانيا إلى تعديلات دستورية؟

هذا مع العلم بأنه لم يُعرف عن مجلس الشيوخ الموريتاني في تاريخه، الوقوف ضد خيارات الحكومة، فوفقًا لمراقبين، ظلّت الأغلبيات الحاكمة تُهيمن على مجلس الشيوخ وتمرر القوانين والتشريعات عبره بسهولة. 

وفي 16 آذار/مارس الماضي، صوّت المجلس برفض التعديلات الدستورية المقترحة من قبل الحكومة الموريتانية تنفيدًا، فيما قاطعته أغلب الفصائل المعارضة، ليصوّت 33 عضوًا من المجلس ضد التعديلات، مقابل 20 صوتوا لصالحها، ووقف صوتٌ واحد على الحياد، وغاب اثنان عن التصويت.

وما كان مفاجئًا فيما يخص تصويت مجلس الشيوخ ضد التعديلات الدستورية، هو سيطرة الحكومة على 46 مقعدًا في المجلس، فيما تمتلك المعارضة 10 مقاعد فقط. وتدل هذه النتائج على إسقاط مشروع التعديلات الدستورية، لا سيّما وأن المادة 99  من الدستور الموريتاني، تنص على أنه "لا يصادق على مشروع مراجعة الدستور إلا إذا صوت عليه ثلثا أعضاء الجمعية الوطنية، وثلثا أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء".

وبُعيد التصويت الملفت لمجلس الشيوخ وإسقاط التعديلات الدستورية، دعت أحزاب المعارضة الرئيسية إلى استغلال الفرصة وفتح حوار سياسي جديد يساهم في تجاوز الأزمة السياسية في البلاد، لكن الرئيس ولد عبدالعزيز أكد أنه "ليست هناك فرصة لفتح حوار جديد، وتضييع الوقت في أمور لا تقدم ولا تؤخر"، بخاصة وأنه اعتبر أن معارضة مجلس الشيوخ لتعديلات الدستورية تعتبر خيانة لموريتانيا.

أمّا المعارضة فلم يرقها تصريح الرئيس الموريتاني، بخاصة وأنها ترى في الاستفتاء على التعديلات الدستورية "انتهاكًا للدستور وتمردًا جديدًا على الشرعية"، وأكّدت أنها ستصعد من أدواتها النضالية ضده، كما أنها توعدت بإفشاله وها قد فعلت، وفي سبيل ذلك خاضت تجارب احتجاجية مُختلفة، ففضلًا عن المسيرات والتظاهرات، كانت هناك مهرجانات واحتفالات وأغانٍ تحثّ على مقاطعة الاستفتاء.

اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا.. أين وإلى أين؟

الموريتانيون غير مهتمين

أما بخصوص الشعب الموريتاني، ففي ظل أزمة غلاء الأسعار ومشاكل البطالة، فلا يبدو أنه يُولي اهتمامًا كبيرًا للتعديلات الدستورية، أو الصراع المحتدم بين النظام والمعارضة؛ فكما يقول الكاتب الصحافي الموريتاني مختار محمد يحيى في حديثٍ لـ"ألترا صوت"، إن "المواطن العادي لا يرى في قضية التعديلات الدستورية أنها تمس أولوياته، بخاصة تلك التي تخص تعديل العلم والنشيد الوطني.

لا يولي الشعب الموريتاني اهتمامًا كبيرًا بقضية التعديلات الدستورية ولا بالصراع المحتدم بين النظام والمعارضة

لكن من جهة أخرى، إن جرى التصويت على التعديلات الدستورية في ظروف تسودها الشفافية، حينها "سيكون الأمر بمثابة تصالح الموريتانيين من جديد، بحيث أن بعض التعديلات الدستورية تطال رموزًا وطنية من قبيل العلم الوطني، بحيث يعكس التنوع المجتمعي، ويعيد الاعتراف بما قام به مُؤسسو البلاد، والذين بذلوا دماءهم لتحرير موريتانيا من المُستَعمر"، كما قال مختار محمد يحيى. 

وفيما يخص العلم الموريتاني فقد أُقر قديمًا دون استشارة الشعب، وهو إلى الآن لا يعكس تنوع الشعب ورموزه التي تشكّل المقاومة ضد المستعمر عنصرًا أساسيًا فيها، وهو ما طالب به الجلوس في الحوار الوطني، لجعل شريطين أحمرين أحدهما في أعلى العلم والآخر في الأسفل، إشارة إلى دماء شهداء الوطن.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ألا تستحق موريتانيا الاعتذار؟

ناشطون محرومون من الحرية والعلاج في موريتانيا