18-أغسطس-2016

مشارك إسرائيلي في أولمبياد ريو 2016 (Getty)

بعد ما أثارته مقاطعة بعض الفرق العربية واللاعبين العرب ورفضهم المشاركة في الألعاب الأولمبية ضد إسرائيليين، صار هناك نقاش عام في الإعلام العالمي حول أخلاقية هذه التصرفات، وموافقتها للمثل الرياضية العليا. ولم يتوان الإعلام الإسرائيلي من استغلال هذه الفرصة والتقاطها، حتى بدأ بهجوم منظم على اللاعبين العرب "العنصريين" وتحول الحديث لاحقًا إلى حديث عام عن عنصرية العرب تجاه إسرائيل، خاصة بعد مباراة لاعب الجودو الإسرائيلي لوزن 100 كغ، أورساسون مع اللاعب المصري إسلام الشهابي، وبعد رفض الأخير مصافحته.

كان هذا الاستعراض واضحًا من بدء الأولمبياد في صحف اليمين الإسرائيلي، التي بدأت بالتحريض على اللاعبين العرب بوصفهم يمثلون الموقف السياسي العربي وعنصريته تجاه إسرائيل. لكن المفارقة كانت فيما نشرته صحف إسرائيلية يسارية على غرار هآرتس، والذي لم يكن أقل حدة مما نشرته صحف اليمين.

لا يتعامل الموقف العربي بالنسبة للمقاطعة مع الإسرائيليين بوصفهم عنصريين فقط، ولكن بوصفهم مستعمرين مهما اختلفت ممارساتهم

بعنوان "ماذا قالت الأولمبياد عن عنصرية العرب" نشرت جريدة هآرتس التي تعرف نفسها كجريدة تقدمية، مقالًا لدافيد روزنبرغ أحد كتابها المتواصلين. يوضح فيه انشغال العالم بوصف عداء إسرائيل للعرب، وتجاهلهم للحركة العنصرية الواضحة التي يمارسها العرب ضد الإسرائيليين، فيقول: "هناك فيض من الشكاوى عن عنصرية الإسرائيليين ضد العرب، (ولا يجاملنا الصحفي النقدي بتسميتنا كفلسطينيين) ولكن كلامًا قليلًا يقال عن عنصرية العرب تجاه الإسرائيليين، وهذا بالضبط ما نراه، ليس فقط في الألعاب الأولمبية، ولكن في موقف العرب بشكل عام تجاه إسرائيل". ويضيف: "الموقف العنصري من العرب تجاه إسرائيل، هو نوع من الكراهية العميقة، التي تضع جميع الإسرائيليين في مظلة واحدة" وأن "العداء العنصري لإسرائيل يتجاوز تقديم نقد أو إدانة للسلوك الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، إلى رفض التواصل الشخصي مع كل الإسرائيليين"

اقرأ/ي أيضًا: اللاعنف كأخلاق مسيّسة

بهذه الطريقة يستنكر الكاتب الإسرائيلي الذي عرف بمواقف سابقة ضد الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية، التعامل مع الإسرائيليين كلهم كمستعمرين، وينتقد التصور العام عن الإسرائيليين كلهم كمجرمين وكعنصريين، بما يبدو دفاعًا عن الإسرائيليين الأبرياء من العنصرية ضد العرب. لكن الكاتب في الصحيفة الإسرائيلية اليسارية، لا يدرك أن موقف العربي بالنسبة للمقاطعة، لايتعامل مع الإسرائيليين بوصفهم عنصريين فقط، ولكن بوصفهم مستعمرين مهما اختلفت ممارساتهم، وأن صهيونيته وإسرائيليته واضحة في المقال نفسه، بما يدعم مقولة المقاطعة العربية والفلسطينية من حيث لم يدر.

يستخدم روزنبرغ مصطلح "ضد الإسرائيلية" في علاقة واضحة مع المخيلة الإسرائيلية العالقة في خطاب ضحية الهولوكوست، وضد السامية، لتبرر من خلال هذه الجريمة جرائمها. هذه المخيلة التي تسعى دائمًا إلى استلهام أزمة يهود العالم جميعهم، وتدعي أنها تمثلهم كلهم. على اتصال بما يذهب إليه الخطاب الصهيوني دائمًا في استلهام قضايا الشعوب المتضررة من العنصرية، مثل ما تفعله الصحيفة نفسها باستضافتها كتاب أصلانيين من أمريكا وأستراليا، ومثل ما يقوم به الخطاب الصهيوني بتصوير الحركة الصهيونية كحركة أصلانية ناجحة، وتشبيه نفسها "بالهنود الحمر".

في نفس السياق يتحدث المقال عن ما فعله الوفد اللبناني، إثر رفضه مشاركة الوفد الإسرائيلي في الحافلة نفسها، ويستشهد بما كان يفعله البيض في جنوب أفريقيا، حيث كانوا يفصلون حافلات السود عن حافلاتهم. وينسى أو يتناسى الكاتب أن أول من ناصر النظام العنصري هم الإسرائيليون، وأن الخطاب الإسرائيلي الواضح وقتها، كان يتشارك مع النظام العنصري في جنوب أفريقيا ويموله بالأسلحة، بحجة عدائهم المشترك للسود، في اللحظة التي كانت معظم دول العالم ترفض تمويل النظام أو الوقوف معه.

اقرأ/ي أيضًا: "طريق الثوار خضرا".. تطويع الجبال الفلسطينية

وينسى أو يتناسى الكاتب اليساري علاقة إسرائيل منذ تأسسها ليس فقط مع الأنظمة العنصرية في العالم، ولكن مع الاستعمارات الأوروبية الحديثة، وأن تأسس دولة الاستعمار الاستيطاني في إسرائيل لم يكن إلا تقاطعًا مع الرغبة الاستعمارية الأوروبية ورغبة أنظمتها في تشكيل كيان مساند في الشرق الأوسط.

ينتهي المقال بما بدأ به "يمكننا توقيع اتفاقات سلام مع العرب مثل ما فعلنا مع دولة الرياضي المصري، ويمكننا القيام بتحالفات استراتيجية كما نفعل مع السعودية" لكن المشكلة بالنسبة له" أننا -كإسرائيليين- مثل أول عائلة سوداء تتشجع للدخول إلى حي أبيض، وشراء عقار، لكنها لن تكون جزءًا من الحي حتى تتغير مواقف جيرانها" و"المشكلة في بغض العالم العربي ليس لإسرائيل فقط، ولكن للإسرائيليين".

بهذه الطريقة يكشف من يعتقد نفسه خارج عنصرية إسرائيل، وخارج المظلة العنصرية التي يعتقد العرب أن كل الإسرائيليين تحتها، هكذا يكشف أنه يرى الاستعمار شراء لأرض، وأن هجرة المستعمرين انتقال من حي إلى آخر، وأن الحركة الصهيونية من أساساتها العملية والنظرية حركة بيضاء، حتى لو حاولت باستمرار استلهام قضايا السود.

هذه مقولة كاشفة للمنطلقات التي ينطلق منها النقديون الإسرائيليون، أو من يعتقدون أنفسهم كذلك. وهذا كشف مهم لدور المقاطعة الشاملة، وللتعامل مع الإسرائيليين بمنطق واحد كمستعمرين أولًا وأخيرًا.

اقرأ/ي أيضًا:

مهدي عامل.. حذف القاتل أو تذكره فجأة

هكذا أنقذت السعودية حسن نصر الله