26-مارس-2018

ابن سلمان رفقة ترامب (AP)

لا يبدو صائبًا النظر إلى الصراع بين إيران والمملكة العربية السعودية على أنه معركة حتمية، لا محالة سوف تندلع تحت راية الاختلاف المذهبي والثنائية الطائفية التي ينتهزها كل منهما، أي سنة وشيعة. فالمناوشات وإن كان مبعثها الرياض وطهران، إلا أنها قرار يخُص واشنطن والدول الكبار في النهاية، ولن تسمح لأحد بأن يبتدر أو ينهي اللعبة العسكرية بمعزل عنها.

يستفيد ترامب من حرب اليمن في تسهيل ضخ صفقات الأسلحة نحو الرياض، التي تنشد غض البصر الأمريكي عن جرائمها هناك

بلغت المحاولات الحوثية قصف الأراض السعودية نحو 100 محاولة منذ انطلاق الحرب على اليمن. معظمها أخطأت أهدافها العسكرية بفضل اعتراض منظومة الباتريوت لها. لكنها لم تخطئ أهدافها السياسية بالطبع، والتي تنحو للقول أن قصر اليمامة بكل رمزيته تحت رحمة الصواريخ البالستية، ولا يعتمل شعور بالخطر أفدح من هذا.

اقرأ/ي أيضًا: وجه الإمارات المفضوح في اليمن.. حرب على الشرعية وحقوق الإنسان

بيد أن المشهد نفسه وإن كان ينذر بحقبة سوداء فإن مغزى اختبار الصواريخ البالستية ونظام الدفاع الجوي الأمريكي الباتريوت يصعب تجاهله. لم تكن محض مصادفة في آيار/ مايو 2017 أن يتزامن إطلاق الحوثيين صاروخًا باتجاه العاصمة الرياض قبل يوم واحد من زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب للمدينة، إذ يبدو ذلك سببًا كافيًا لإقناع السعودية بأنها في حاجة ماسة لترسانة أسلحة جديدة، وعلى نحو أكثر دقة إرغامها على توقيع العقود المليارية مقابل الحماية الأمريكية. ولم تنته الحبكة هنا، وإنما كانت الصواريخ الحوثية نفسها تغطي على هزل ترامب وهو يسوق لضيفه الأسبوع الماضي صفقة الأسلحة، ويباغته بالقول  "السعودية دولة ثرية جدًا، وسوف تعطينا بعضًا من هذه الثروة".

في الحقيقة لم يكن ترامب يحاول استعراض ملكاته في كسر البروتوكول الرئاسي وإضفاء طابع من اللطف وخِفة الدم، ولكنه بالفعل كان يسوق لشركات الأسلحة الأمريكية بوضوح، على النحو الذي حملته تلك الصور المتناثرة، والمضحكة أحيانًا، لرجل كسب مجده وصيته من كونه صاحب كازينوهات قمار، وبارع جداً في اللعب تحت وفوق الطاولة!

 يسرد ترامب أرقامًا تبدو بالنسبة له مجرد فتات عند السعوديين، على الرغم من الموازنات المتأزمة في الرياض، إنها أسعار السلع القاتلة ببساطة. وقبل أن ينتقل الرئيس الأمريكي إلى الترويج إلى بضاعة بلاده غير عابئًا بالكاميرات، يذكر السعودية بوعودها شراء معدات عسكرية وأشياء أخرى، ومن ثم يبعثر كل أوراقه على الطاولة "لا يوجد أحد في مكان بالعالم قريب من قوة صواريخنا وطائراتنا وكل معداتنا العسكرية من ناحية التكنولوجيا ونوعية المعدات، والسعودية تقدر ذلك".

ما يمكن أن تستشفه من ذلك اللقاء الاستعراضي أن ترامب لا يملك وقتًا يضيعه في المجاملات والحديث المُمل عن العلاقات الأزلية والمباحثات الجانبية، فهو يريد أن يتتم الصفقة بسرعة، كما أنه يعرف جيدًا أن ما يهم ضيفه تحديدًا رصف طريق آمن لعبوره نحو عرش الملك، فكل ما يقض مضجع ولي العهد السعودي الآن هو إزاحة كابوس من يعترضون طريقه إلى العهد.

أمنية ابن سلمان التي ينشدها ويشد إليها الرحال إلى أمريكا وأوروبا هي غض النظر عن جرائم حروبه والسماح له بالوصول إلى السُلطة، وهي بالضبط الورقة الرابحة التي يراهن عليها ترامب ومستشاره الأمني الصهيوني بولتون، وبالأحرى هي المنطقة شديدة الأثر التي تصلح للابتزاز.

 على مقربة من ذلك، فإن تعظيم المخاطر الإيرانية، شكل من أشكال الاستدراج الأمريكي لحلفائهم في الخليج، كما أن سقوط الصواريخ البالستية في العمق السعودي وتهديد أمن المنطقة عمومًا، يعني تسريع خطوات صفقة شراء الأسلحة الأمريكية بمليارات الدولارات، وليس من سبيل لدى ترامب اليوم وطاقمه الأمني سوى الانتقال إلى درجة أخرى من التدخل وشحن الخليجيين عمومًا بهواجس أنهم تحت نيران الخطر والحريق.

اقرأ/ي أيضًا: ابن سلمان يستخدم سلاح المجاعة لتدمير اليمن.. نازيّة جديدة والجوقة تصفّق!

ولربما كان الهدف الآخر من تشجيع الحوثيين، بموازاة غض البصر عن الجرائم السعودية في اليمن، على العبث في فناء المملكة العربية السعودية اختبار قوة الباترويت أو منظومة الدفاع الجوي الأمريكية، واحتواء مدى تطور صناعة الأسلحة الإيرانية، ما يغري شركات أسلحة أخرى بالدخول إلى ذلك البازار، دون أن تكون ثمة مبالغة في إجبار السعودية على شراء المنظومة الروسية "إس-400" و"ثاد" الأمريكية في الوقت نفسه، لمنع تكرار سقوط الصواريخ البالستية داخل أراضيها.

لمليارات ابن سلمان وابن زايد طريقين نحو إفادة ترامب، إما بصفقات التسليح الماراثونية أو عبر الرشى وصفقات الفساد السياسي وسوق جماعات الضغط

يبدو أننا الأن في مرحلة الحرب بالتهويش، مثل أن تصدر مروحة السقف صوتًا مُخيفًا وتترنح من فوقك، فتتوقع سقطوها عليك طوال الليل دون أن تسقط، ما يجعلك تسهر لتجنب ذلك السقوط، دون أن تفكر في الخروج من الغرفة، أو إصلاح المروحة! شيء من ذلك الشعور يبعث على الخوف، يبعث على طلب العون، ويجعل المنطقة مرتعًا خصبًا لشركات الأسلحة العابرة للقارات، ومغازلة أحلام الأمراء الطامحين في السُلطة. ومع ذلك فالأمر قابل للانفلات، فمن يضمن السيطرة على تبعات الزلزال، وعدم استخدام هذه الأسلحة المُدمِرة والمُحرًمة أيضًا؟

في الماضي كانت الحروب تشتعل في مناطق فقيرة من العالم الثالث، لكنها انتقلت مؤخرًا إلى جغرافيا ثرية بالبترودلار. وبالضرورة يجد كل من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد أنهما بحاجة إلى قدر من صورة "القيادة المتمكنة" وظروف تمكنهما من الإمساك بزمام المبادرة كأي رجال حرب، خاصة وأن تدخلاتهما وحروبهما كثيرة في المنطقة، وإن كانت اليمن أشدها فداحة اليوم، فلم يتوقفا عند هذا الحد، بل مارسا التحشيد والحصار ضد دولة قطر من ناحية، بحجج لا تقنعهما أنفسهما ربما، وفي ناحية أخرى استندا إلى سيل مالي من الرشاوى والتعاقد مع اللوبيات في العواصم الغربية، التي امتصت مليارات الدولارات منهما بصفقات التسليح وصفقات التواطؤ السياسي.   

 

اقرأ/ي أيضًا:

بسبب جرائمها في اليمن.. ضغوط أوروبية لوقف بيع السلاح للسعودية

حرائق ابن سلمان في اليمن.. الاحتيال بالمساعدات لا يغطي جرائم الحرب