18-مارس-2023
روسيا

المحكمة الجنائية الدولية قالت إن بوتين مسؤول مباشر عن جرائم حرب ارتكبت في أوكرانيا. (GETTY)

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية الجمعة مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمسؤوليته عن "جرائم حرب ارتكبت في أوكرانيا"، إضافة إلى مذكرة توقيف أخرى ضد المفوضة العليا الرئاسية لحقوق الطفل في روسيا ماريا أليكسييفنا لفوفا-بيلوفا.

وأشارت المحكمة أن "الجرائم ارتكبت في الأراضي المحتلة الأوكرانية على الأقل اعتبارًا من 24 شباط/فبراير 2022"، مشيرة إلى أن "هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن السيد بوتين والسيدة لفوفا-بيلوفا يتحملان المسؤولية الجنائية الفردية".

هذا وتحدث رئيس محكمة الجنايات الدولية بيوتر هوفمانسكي، عن أن "محتويات مذكرات الاعتقال سرية لحماية الضحايا. ولكن مع ذلك، قرر القضاة الإعلان عن وجود المذكرات، لمصلحة العدالة وللحيلولة دون وقوع جرائم في المستقبل".

بدوره، قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إن مئات الأطفال الأوكرانيين نُقلوا من دور الأيتام ودور رعاية الأطفال إلى روسيا. وأضاف "كثير من هؤلاء الأطفال، بحسب ادعائنا، تم عرضهم للتبني في روسيا الاتحادية". وتابع إن "تغييرًا في القانون الروسي جعل من السهل على الأسر الروسية تبني الأطفال، بينما كان الأطفال الأوكرانيون وقت ترحيلهم تحت حماية اتفاقية جنيف الرابعة".

المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية قال إن مئات الأطفال الأوكرانيين نقلوا من أوكرانيا ليتم تبنيهم من قبل عائلات روسية.

وكانت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن أوكرانيا، قد أصدرت تقريرًا الخميس، قالت في إن روسيا "ارتكبت مجموعةً واسعةً من الانتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في أوكرانيا". من بينها نقل أطفال أوكرانيين إلى داخل روسيا، كما نفذت  هجمات واسعة استهدفت المدنيين، والبنية التحتية في أوكرانيا، بالإضافة لاتباع سياسة تعذيب واغتصاب ممنهج ضد المعتقلين والنساء.

تأكيد أوكراني بأنها البداية فقط

في تعليقه على قرار محكمة الجنايات الدولية بإصدار مذكرة  توقيف بحق بوتين، وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطابه اليومي  المصور، قرار المحكمة  بالـ"تاريخي". وقال "هذا قرار تاريخي سيؤدي إلى محاسبة تاريخية". وأشار إلى أن "العدد الحقيقي للأطفال الذين تم ترحيلهم قد يكون أكثر بكثير من 16 ألفًا".

وكان ميخايلو بودولياك، مستشار الرئيس الأوكراني، قد أكد خلال منشور على حسابه في تويتر بأن "العالم تغير". وأوضح أن "إصدار محكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق المُخطِّط الاستراتيجي بوتين، هى إشارة واضحة لنخب روسيا عما سيحدث لهم"، وتساءل بودولياك، لماذا "لن يكون الأمر كما كان من قبل؟ إنها بداية نهاية روسيا الاتحادية في حالتها الراهنة على المسرح العالمي. إنه إجراء قانوني واضح. انتظروا فحسب".

أما المدعي العام الأوكراني  أندريه كوستين، فقد أكد أن قرار الجنائية الدولية جاء "تاريخيًا لأوكرانيا، ولنظام القانون الدولي بأسره".

وأثنى أندري يرماك، مدير مكتب زيلينسكي، على القرار، معتبرًا إياه "مجرد بداية".

ترحيب دولي بالقرار

في أول تعليق على قرار محكمة الجنايات الدولية، قالت واشنطن على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إنه "لا يوجد شك في أن روسيا ترتكب جرائم حرب في أوكرانيا". وأضاف المتحدث، أن "واشنطن خلصت بصفة مستقلة إلى أن القوات الروسية ارتكبت جرائم حرب في أوكرانيا، لكن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية هو مسؤول مستقل ويتخذ قراراته بنفسه".

مسؤولون غربيون رحبوا بالقرار وأكدوا أنه لا يمكن أن يسمح لأحد بالإفلات من العقاب.

واعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن مذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بتهمة ارتكاب جرائم حرب "مبررة". وذكر بايدن خلال حديثه مع صحفيين في البيت الأبيض أن "الولايات المتحدة ليست جزءًا من المحكمة الجنائية الدولية"، لكنه  اعتبر أن قرارها يبعث إشارة قوية جدًا".

أما مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، فكتب على صفحته في تويتر، إن "قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق فلاديمير بوتين بتهمة ارتكاب جريمة الحرب المتمثلة في الترحيل غير القانوني للأطفال ونقلهم من أوكرانيا إلى روسيا هو بداية عملية المساءلة. نحن نقدر وندعم عمل المحكمة. لا يمكن أن يكون هناك إفلات من العقاب".

من جهتها، نشرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانًا في حسابها على تويتر، جاء فيه أنه "ينبغي ألا يفلت أحد من المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبتها روسيا في أوكرانيا من العدالة بغض النظر عن مناصبهم".

وقال المتحدث باسم الحكومة البولندية بيوتر مولر، إن "هذا القرار مهم من قبل المحكمة، وهو يشير إلى جرائم حرب ارتكبتها آلة العنف الروسية"، وأضاف أن "فلاديمير بوتين على رأس هذه الآلة ويجب أن يحاكم كمجرم حرب إلى جانب أولئك الذين يتورطون بشكل مباشر، وغير مباشر في حرب وحشية".

رفض روسي رسمي للقرار

من ناحيتها، وصفت الخارجية الروسية قرار المحكمة الجنائية الدولية بأنه "عديم الأهمية، وباطل قانونيًا".

وكتبت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا، عبر قناتها في تلغرام إنه "لا معنى لقرار المحكمة الجنائية الدولية بالنسبة لبلدنا"، وقالت زاخاروفا، إن "روسيا ليست طرفًا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وليست عليها التزامات بموجبه"، موضحة أن بلادها "لا تتعاون مع المحكمة". 

من جهته، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن "الأسئلة التي طرحتها المحكمة الجنائية الدولية شائنة وغير مقبولة"، لكنه أشار إلى أن روسيا، مثل العديد من الدول الأخرى، "لا تعترف بالولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية. وبناءً على ذلك، فإن أي قرارات من هذا النوع تعتبر ملغاة وباطلة بالنسبة لروسيا الاتحادية، من الناحية القانونية".

مسؤولون روس استخفوا بالقرار ووصفوه بأنه عديم الأهمية وباطل قانونيًا.

أما الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف فذهب إلى وصف مذكرة التوقيف بـ"ورق المرحاض". ونشر تغريدة في حسابه على تويتر، كتب فيها "لا حاجة لتوضيح المكان الذي ينبغي أن تُستخدم هذه الورقة فيه". مرفقًا التغريدة بإموجي ورق المرحاض.  

ترحيب من المعارضة الروسية

رحب قادة المعارضة الروسية بمذكرة التوقيف التي أصدرتها محكمة الجنائية الدولية. وأعاد حساب المعارض الروسي البارز المعتقل أليكسي نافالني، تغريد نص قرار محكمة الجنايات الروسية بحق بوتين.

من جهتها، كتبت المعارضة والمحامية الروسية ليوبوف سوبول، على حسابها في تويتر "الان أصبح هناك صفة رسمية لبوتين".

ماذا يعني قرار الجنائية الدولية؟

يمثل إصدار الجنائية الدولية، لقرار توقيف بوتين، مجرد خطوة، لأن المحكمة ليس لها "سلطة توقيف المشتبه بهم". كما أن روسيا من الدول التي رفضت التوقيع على الاتفاقية التي تقوم على أساسها المحكمة، في حين أن أوكرانيا وقعت على الاتفاقية، لكنها لم تصدق على هذا التوقيع. وهذا يعني أن الموقف القانوني سيعاني من ناحية تقديم الرئيس الروسي للمحاكمة.

كما أن محكمة الجنايات الدولية، لا تعقد محاكمات غيابية، لذا فإن مسالة عقدها سيبقى مؤجلًا لحين تقديم بوتين شخصيًا للمحاكمة، وبالمعطيات المتوفرة حاليًا يبدو ذلك مستحيلًا.  

لكن من جهة أخرى، سيحد القرار من تحركات الرئيس الروسي خارجيًا، إذ سيعرضه ذلك للاعتقال.

وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، باتت تحركات الرئيس بوتين  محدودة جدًا، بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليه، ويرجح أنه لن يغامر بالسفر إلى أي دولة موقعة على اتفاقية "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"، لأن ذلك سيشكل خطرًا عليه لإمكانية  تقديمه للمحاكمة.

هذا ويذكر أن عدد الدول التي وقعت على الاتفاقية التي تقوم على أساسها المحكمة الدولية بلغ 139 دولة.

ومنذ بداية الحرب قبل عام، سافر بوتين إلى ثماني دول، سبعة منها دول قريبة كانت ضمن نطاق جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقًا، بالإضافة إلى إيران التي زارها في تموز/يوليو من العام الماضي والتقى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. وبالنظر للدعم الذي تقدمه إيران لروسيا في حربها بأوكرانيا من خلال توفير طائرات مسيرة وغيرها من المعدات الحربية، فلن تشكل أي زيارة أخرى لإيران خطرًا على الرئيس الروسي.

هل للقرار تأثير على الحرب في أوكرانيا؟

مذكرة التوقيف الصادرة بحق الرئيس الروسي، تعطي إشارة قوية من المجتمع الدولي على  أن ما يحدث في أوكرانيا هو مخالف للقانون الدولي. وهذه المذكرة تفتح الباب لملاحقة الجرائم الروسية على الأرض، التي ترقى لجرائم حرب، وهو ما يعني أن القادة الميدانين الروس معرضون للتقديم أمام محكمة الجنايات الدولية.

القرار سيحد من تحركات الرئيس الروسي رغم أن روسيا ليست من ضمن الدول الموقعة على الاتفاقية التي تقوم على أساسها المحكمة

لكن في ظل الإنكار الروسي، ورفض قرار المحكمة، فلا يرجح أن يكون لإجراءات المحكمة أي تأثير على الواقع الميداني في أوكرانيا، ويتوقع أن يستمر بوتين في حربه بأوكرانيا، بل يحتمل أن يصعد من ما يقول إنها "العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا".