13-أغسطس-2020

يطالب الشارع اللبناني بتغيير شامل في النظام السياسي (Getty)

سقط حسان دياب نتيجة الشرخ بين قوى السلطة وقدم استقالته على وقع استمرار المواجهات في العاصمة بيروت بين قوى الأمن ومجموعات من المحتجين، ممن طالبوا باستقالة المجلس النيابي ورئيس الجمهورية. وفي حين أن استقالة الحكومة تركت ارتياحًا نسبيًا في الشارع الساخط على السلطة، فإنها فتحت أيضًا الأسئلة بشكل ملح أكثر، عما يريده المحتجون، وعن مطالبهم وتصورهم لآلية العبور من الأزمة الاقتصادية والسياسية التي انتهت إليها البلاد، وعززها انفجار مرفأ بيروت قبل أقل من عشرة أيام.

في حين أن استقالة الحكومة تركت ارتياحًا نسبيًا في الشارع الساخط على السلطة، فإنها فتحت أيضًا الأسئلة بشكل ملح أكثر، عما يريده المحتجون، وعن مطالبهم وتصورهم

الناشط السياسي في مجموعة "لحقي" الدكتور باسل صالح، شارك "ألترا صوت" تصوره في هذا الشأن، مسلطًا الضوء على المطالب بـ"تغيير في شكل الدولة، حيث لم يعد الموضوع مرتبطًا بمجموعة أشخاص أو أحزاب بل بمنظومة تنتج هكذا مسؤولين وزعماء وسياسيين ونواب ووزراء وتسمح لهم أن يحتلوا المشهد السياسي في لبنان". كما يضيف أن "إسقاط المنظومة يعني بالضرورة تغيير الدستور أو إجراء تعديلات دستورية بمعنى الانتقال من شكل الدولة الحالي إلى شكل جديد".

اقرأ/ي أيضًا: وثيقة سرية: السلطات اللبنانية تجاهلت تحذيرًا بشأن المواد التي انفجرت في المرفأ

بالنسبة لصالح، فإن الاحتجاجات ليست فقط امتدادًا لحركة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 ولكنها أيضًا امتداد لحركة إسقاط النظام الطائفي التي انبثقت عام 2011، ومن ثم هي امتداد للحراك المدني عام 2015، ولذلك فالاحتجاجات اليوم هي في خط بياني واحد. مع الأخذ في الاعتبار حصول تغييرات في الخطاب وفي أشكال الانتفاض وطبيعته وآليات المواجهة والرؤية، حيث هناك تغير نوعي ما بين 2011 وانتفاضة 17 تشرين وما تلاها حتى اللحظة الراهنة اليوم.

عاد الغضب إلى الشارع اللبناني بعد انفجار بيروت (Getty)

وهي بذلك ليست استمرارًا لانتفاضة 17 تشرين كحركة آنية محددة، كما يقول، بل لهذه الروحية، أي روحية التغيير مع وجود موجات تهب أحيانًا وتخفت حينًا آخر بحسب السياقات المختلفة حسب قوله. ويشير صالح إلى أنه لا يمكن القول بوجود قطع ما بين التحركات منذ عام 2011 وحتى اليوم لسبب أساسي أن المنظومة الحاكمة لا زالت هي نفسها.

يذكر الناشط اللبناني أن 17 تشرين لم تغرق في وحول التجاذبات بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار لسبب رئيسي أنه لم يعد هناك قوى يمكن فرزها وفق 14 و 8 آذار. حيث إن الانقسامات اليوم متشعبة ومعقدة والخصومة موجودة داخل كل فريق سياسي حتى الحلفاء أنفسهم، مما يؤكد على مدى تجذر الأزمة لدى أركان النظام.

كما يرى أن هناك دولية وداخلية تحكم السياق في لبنان، وكذلك هناك لاعبون جدد على الساحة اللبنانية، وصار لبنان عرضة للنفوذ الخارجي بكثرة مما يصعب المسألة أكثر فأكثر. يتابع صالح مؤكدًا رفض الشارع لأقطاب السلطة، ولذلك "فنحن قادرون على المواجهة وسبق أن أسقطنا جلسة مجلس النواب وضغطنا بشكل كبير وأثمر ضغطنا استقالة سعد الحريري، وسنكمل مساعينا في الاحتجاج خاصة مع وجود عين دولية تنظر إلى لبنان، مما يجعل من عملية استخدام القمع والعنف ضد ثوار 17 تشرين مسألة حساسة جدًا".

يؤكد صالح أن 17 تشرين لا زالت فاعلة و"البرهان راسخ أمامنا في احتجاجات يوم السبت الماضي والاستبسال في الصدام مع قوى الأمن والضغط على الحكومة حتى انفرط عقدها بالمفرق ثم بالجملة". وبرأيه فإن قوى 17 تشرين "تعرضت دومًا للتخوين، فقوى الممانعة يتهموننا أننا أمريكيون لكن في النتيجة نجد أن حزب الله هو من شكل حكومة جل وزرائها لديهم جنسيات أمريكية ورئيسها موظف في الجامعة الأمريكية في بيروت، والأطراف الأخرى يتهموننا أننا ندافع عن سلاح حزب الله ونستثني سلاح الحزب من شعار "كلن يعني كلن"، وستظل الاتهامات تستهدفنا، فكل حزب من أحزاب السلطة يعتبر 17 تشرين موجهة ضده".

فيما يشير إلى أن "سعد الحريري اعتبر تحركنا يمسه شخصيًا، ووليد جنبلاط اعتبر تحركنا في الجبل استهدافًا له، كما اعتبر التيار الوطني الحر أن هدف انتفاضة 17 تشرين فقط إسقاط رئيس الجمهورية، وحركة أمل يعتبروننا أننا ضد نبيه بري، وهذه كلها افتراءات لتضليل الرأي العام، والدليل أن ثوار 17 تشرين تعرضوا للضرب من أغلب أحزاب السلطة".

ويعبر الناشط في "لحقي" بالقول: "لا نثق بالسلطة وبالأجهزة الأمنية خاصة وأن هذه الأجهزة كانت على علم بموضوع وجود متفجرات منذ عام 2013، وهي نفسها تستشرس لضرب ثوار 17 تشرين وتستخدم ضدهم الرصاص الحي، وبياناتها دومًا تبرئ عناصرها من كل أفعال العنف المتمادي والفج والواضح بحقنا". وكذلك القضاء، في رأيه، فقد كان على علم بوجود المتفجرات، في اعتبر نفسه "غير معني وبالتالي هناك مشكلة ثقة جوهرية بيننا وبين هذه السلطة" حسب ما يشير.

في المقابل يعتبر الناشط السياسي في مجموعة "تأميم المصارف" نزار نجار، في حديثه مع "ألترا صوت"، أن "القضية صارت أبعد من إصلاحات من هنا أو هناك لأن شكل النظام مهترئ حيث أن هناك مجموعات هوياتية مشرذمة في لبنان ولا يمكن أن يلبي طموحاتنا سوى تغيير بنيوي وأساسي في شكل هذا النظام الطائفي. ومن هنا فإن إعطاء مصطلح ثورة لحراك شعبي يأخذنا أبعد من إصلاحات ترقيعية".

بحسب نجار، فإنه "يجب البدء بالبحث عن هوية لبنان والبحث عن أي لبنان نريد؟ والنقاش حول من هو العدو ومن هو الصديق، وما هي علاقات لبنان مع المحيط الإقليمي والدولي وما هو ارتباط بعض الأحزاب اللبنانية بالدول الإقليمية. بالمختصر يجب البحث عن صيغة جديدة للعيش سويًا في هذا البلد في ظل نظام جديد عادل".

وبرأيه، تخرج من الشارع أصوات كثيرة لكنها لا تعبر عن الشارع، وحتى لو كانت الأصوات تعبر عن الشارع فليست بالضرورة على صواب، وما يدل على ذلك من وجهة نظره، عندما تمت المطالبة بحكومة تكنوقراط من قبل أطراف في الشارع، وباءت هذه الحكومة بالفشل. "في وقت من الأوقات نظر إلى 17 تشرين وكأنها انتهت، ولعبت جائحة كورونا دورًا في ذلك، وكذلك الأوضاع الاقتصادية والحياتية الصعبة للناس، ولكن بعد الإنفجار الكيميائي في عاصمتنا بيروت عدنا إلى الساحات مع رؤية أوضح حيث نه لا يمكن أن نسمح لهم بالحكم أبدًا".

يرى نجار أن الانفجار أكد ضرورة وحاجة الثورة الشعبية وقد كان من الخطأ السكوت أو القبول أو إعطاء فرصة لحكومة حسان دياب التكنوقراطية من قبل بعض مجموعات 17 تشرين، وهذا كان خطأ لا يمكن تكراره. مضيفًأ بأن "هناك 30 سنة من الفساد وهناك عدم وضوح في الشارع الثوري وهناك يأس وتعب لأن الثقل كبير في هذه اللحظة، لكن على المدى الطويل وعبر التراكم يمكن الخروج بخطاب موحد لقوى 17 تشرين أو على الأقل الالتحام في جسم واحد للمواجهة". نظرًا لأن "مجموعات 17 تشرين لا زالت تملك زمام المبادرة وليست ملحقة أو تابعة لأي قوى أخرى والشارع يتحرك بغضب وتلقائية وعفوية".

احتجاجات مستمرة في شوارع بيروت (Getty)

بالنسبة لنجار فإنه "يجب تحديد البوصلة الأساسية وهي أن النظام اللبناني نظام برلماني ويجب التغيير ابتداءً من مجلس النواب والانتخابات النيابية باب أساسي لكن بشرط أن تكون وفق نهج آخر". ويشير إلى أنه حين ننتخب برلمانًا جديدًا، يقوم هذا البرلمان بانتخاب رئيس له وانتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تشكيل حكومة وهذا المسار ضروري لفهم عملية التغيير.

والنقطة المفصلية برأيه أنه "صار لبنان أهم من الحاجة الأساسية إلى السلاح، وصار السؤال هل يمكننا حماية لبنان دون السلاح، وطبعًا يمكننا ذلك". يوضح: "هناك خوف من ردة فعل حزب الله تجاه وضع اسم حسن نصرالله في لائحة الزعماء الباقين وضمن خانة "كلن يعني كلن" وهذا الخوف وجداني وواقعي وموضوعي، ويستند إلى وجود قوة مسلحة، ومنذ 17 تشرين هناك صدامات تحصل بسبب هذه النقطة، حتى أنها تشكل حساسية داخل مجموعات 17 تشرين نفسها وما يرافقها أيضًا من مواضيع كشرعية السلاح والمقاومة". طبعًا هناك مسائل يمكن القفز فوقها ولكن هناك مسائل جوهرية يصعب التغاضي عنها، حسب قوله.

ويؤكد أن "الظهور الإعلامي لقوى 14 و8 آذار يطغى على ثورة 17 تشرين، لكن على الأرض هناك محاولات لتوظيف الاحتجاجات لصالح البعض بطبيعة الحال، لكن يبقى التأثير محدودًا ولا يصل إلى جسم الثورة وشبان وشابات 17 تشرين. نحن لن نسكت، والتاريخ لن يسكت"، يقول نجار. "هذه جريمة تاريخية بحق لبنان ولا يجب أن نسمح لأحد بالهرب منها ويجب تحقيق العدالة".

اقرأ/ي أيضًا: تداعيات انفجار مرفأ بيروت مستمرة.. حسان دياب وحكومته خارج السرايا

أما هادي المنلا عضو الهيئة التأسيسية في المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، فيقول لـ"ألترا صوت"، أن مطالبهم هي "استقالة كل السلطة من رأس الهرم أي الرئاسات الثلاث من أجل بداية مسار بناء منظومة جديدة، وتشكيل حكومة من خارج هذه المنظومة ذات صلاحيات تشريعية واسعة". فالمنظومة السابقة فشلت في وضع سياسات اقتصادية طوال 30 سنة ولم تبن اقتصادًا منتجًا بل أنشات اقتصادًا ريعيًا قائمًا على الاستدانة حسب قوله.

يرى نجار أن الانفجار أكد ضرورة وحاجة الثورة الشعبية وقد كان من الخطأ السكوت أو القبول أو إعطاء فرصة لحكومة حسان دياب التكنوقراطية

وبرأيه فإن سعد الحريري غير مقبول من الشارع لأن قوى 17 تشرين أسقطته ورفعت شعار "كلن يعني كلن" في حينها، ولا يجب نسيان ذلك. يضيف "طبعًا يعاب على الثورة عدم إيجاد بديل لكن هناك عمل مستمر من قبل بعض المجموعات لطرح بدائل وحلول ومحاولة طرح سياسي بديل ونستطيع من خلاله التعبير عن صرخات الناس".